أن يُقرَّ قانون الموازنة العامة بموافقة 57 نائبا فقط، من أصل 102 حضروا الجلسة، وغياب 47 نائبا، فذلك يعني أن مجلس النواب لا يؤدي الدور التشريعي المنوط به بالشكل المطلوب، أو أنه غير مدرك لأهمية هذا القانون الذي يُعدّ الخطة التنفيذية للحكومة، بجميع وزاراتها ومؤسساتها.الضعف في أداء النواب كان ظاهرا منذ البدء، في أداء اللجنة المالية والاقتصادية التي أقرت مشروع قانون الموازنة، ورفعت توصياتها للمجلس والحكومة. يدلل على ذلك تقرير اللجنة حول مشروع القانون. فمن يقرأ ذاك التقرير يكتشف أنه لا يتجاوز كونه شرحا مفصلا للمؤشرات المالية والنقدية، مع غياب التوصيات الإصلاحية عن مطالب اللجنة.النواب جميعا، كما لجنتهم المالية، لم يسألوا الحكومة من أين ستجني الإيرادات الإضافية التي أدرجتها في موازنة العام 2014.قانون الموازنة يؤكد أن وزارة المالية تسعى إلى تحصيل إيرادات ضريبية جديدة بمقدار 260 مليون دينار، بنسبة تقدر بحوالي 1 % من الناتج المحلي الإجمالي، والمقدر بدوره بحوالي 25.8 مليار دينار، وفق الأرقام الرسمية للعام الحالي.المعلومات المتوفرة تؤكد أن وزير المالية د. أمية طوقان، قدم لصندوق النقد الدولي تقريرا يتضمن عددا من الإجراءات والتدابير التي ستُقرّ خلال الفترة المقبلة، تتضمن فرض حزمة جديدة من الرسوم والضرائب على سلع وخدمات خلال العام الحالي. الهدف بالنسبة للوزير، تحقيق مؤشرات الأداء التي يحددها "الصندوق"، وتعويض تأخر الإيراد المتوقع من إقرار قانون جديد للضريبة، كان يفترض أن يُعرض على مجلس النواب في وقت مبكر من دورته الحالية.بالعودة إلى النواب الأعزاء وقانون الموازنة العامة، فقد كان يفترض بهم الطلب من وزارة المالية شرحا وافيا كافيا بشأن مصادر تحصيلها للإيرادات، والتي تعني بالنتيجة أن الحكومة تمضي في سياسة الجباية لحل مشكلاتها المالية وتوسعها في الإنفاق.هل ناقش النواب مع الحكومة مصير المراجعة الثالثة للاقتصاد، والمقرة من قبل "الصندوق"؟ هل أعلنت الحكومة للنواب أيضاً أن المراجعة لم تنته بعد، أم عرفوا بذلك من وسائل الإعلام؟كان الأوْلى بممثلي الشعب أن يفرضوا على الوزارات والمؤسسات تقليص نفقاتها بنسبة 10 %، وهذه فكرة قابلة للتطبيق. فوزير المالية الحالي اعترف في عهد حكومة سابقة، حيث كان يشغل ذات موقعه الحالي، أن نسبة الهدر من الإنفاق العام تصل 15 %. لكن، للأسف، يبدو أن نوابنا آثروا إقرار الموازنة على "الغُمّيض"، من دون تمحيص لبنودها.وفقا للمسودة الأولية للإجراءات التي تم التعهد بها لصندوق النقد الدولي، تفكر الحكومة في زيادة الرسوم على جوازات السفر وتسجيل الشركات، وفرض رسوم إضافية على مكيفات الهواء وشاشات التلفاز، إلى جانب إزالة إعفاءات ممنوحة لبعض المواد الكمالية والمواد الصلبة المتعلقة بالبناء.النواب الذين لم يصوتوا لمشروع القانون، وعددهم 45 نائبا يشكّلون أقل من ثلث أعضاء المجلس، توفرت لديهم قناعة وافية بأن الحكومة لم تغيّر سياستها المالية التوسعية، ولم تفكر في ضبط النفقات. إذ صحيح أن 85 % من نفقات الموازنة العامة جارية وتشغيلية، ومن الصعب التحكم بها، لكن في البنود الصماء للإنفاق، ثمة تفاصيل يمكن العمل عليها لتقليل الإنفاق. إلا أن الكل يعلم أن الشيطان يكمن في التفاصيل.في دول أخرى لديها سلطات منتخبة، يحظى قانون الموازنة العامة بثقل واهتمام كبيرين. فيما لدينا، للأسف، يتعامل النواب مع هذا التشريع باستخفاف. والنتيجة هي أن نوابنا وحكوماتنا يؤجلون الإصلاح المالي المطلوب، ويغمضون عيونهم عن القنابل الموقوتة الموجودة في قانون الموازنة العامة.أما النواب الذين غابوا عن إقرار أهم قانون، فأقول لهم: ماذا ستقولون لقواعدكم الانتخابية؟ أم أنها لم تعد مهمة؟!