من جهة، لا يبدو اتفاق جنيف بشأن البرنامج النووي الإيراني مريحا لكثيرين، دولا وأفرادا؛ لدوره في تغيير موازين القوى في المنطقة، وتلوين وجهها.سياسيا، قد لا يكون الأردن مرتاحا للخطوة. بيد أن ذلك لا يلغي الفائدة المتمثلة في أن التوصل إلى هذا الاتفاق إنما يعني صحة الموقف المتشدد الذي اتخذه الأردن لسنوات، بعدم الرضوخ بالتنازل عن حق تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية.لم يكن الصمود سهلا، وكثيرة هي الضغوط التي مورست بهذا الاتجاه. وثمة رؤساء حكومات كثر لم يكن لديهم مانع من التنازل عن حق التخصيب، خضوعا للضغوط الأميركية. بيد أن ما يُنقل عن شخصيات مطّلعة على تفاصيل سير الموضوع، يؤكد أن الدعم اللامتناهي الذي قدمه الملك بهذا الخصوص هو ما حال دون خسارة هذا الحق.تأجيل توقيع الأردن الاتفاقية النووية مع الولايات المتحدة، يعبّر عن حرص على حفظ مصالح المملكة. والتنازل الأميركي الأخير لإيران، إنما يؤكد أن التوجه صحيح؛ إذ لم يحرم الأردن من حق تتيحه له اتفاقيات الوكالة الدولية للطاقة الذرية التي تسمح للدول بتخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية بنسبة 90 %، شريطة أن يكون ذلك خاضعاً لرقابة الوكالة.المهم أنه بتوقيع اتفاق "5+1" مع إيران، تتجدد الآمال بإمكانية اعتراف أميركا بحق الأردن في التخصيب، خصوصا أنه لا يطالب بأكثر من نسبة 4 % من التخصيب لغايات إنتاح الكهرباء، فيما وافقت أميركا لإيران على نسبة لا تتجاوز 5 %.طالما كان الموقف الأميركي متشددا في هذا الجانب. وفي كثير من اللقاءات المعلنة والمغلقة، عبّرت أميركا، على لسان مسؤوليها، عن رفضها القاطع للسماح للأردن بالحصول على حقه في التخصيب، وتأجل توقيع الاتفاقية منذ العام 2007.المسؤولون الأميركيون كانوا يعتبرون الرفض نهائيا. أما تبريرهم السماح لفيتنام بالتخصيب فهو أنه، بحسب قولهم، كان خطوة خطأ غير محسوبة النتائج، مع استعصاء تكرارها. لكنها تتكرر اليوم مع إيران، فلما لا تتم مع الأردن؟!اليوم، وبعد الموافقة الدولية، والأميركية على وجه الخصوص، لإيران بتخصيب اليورانيوم؛ تتعاظم فرص المملكة بالحصول على موافقة أميركية تسمح بدخول الأردن لنادي التخصيب، طالما أنه خاضع للقوانين الدولية ولا يتجاوزها.العالم يعلم أن الأردن لا يسعى لصناعة أسلحة نووية، وأن أقصى طموحاته إنتاج الطاقة. والظاهر أن محاولات منع الأردن من التخصيب ترتبط بأجندة احتكارية لدى الدول الخمس الكبرى التي تشكل كارتيلا غير معلن للسيطرة على سوق الوقود النووي. وهذا الكارتيل يدرك أن دخول دولة صغيرة مثل الأردن للسوق سيكسر مساعي الاحتكار. الخشية من امتلاك العالم العربي عامة، والأردن خاصة حق التخصيب يرتبط بمخاوف من تطور معرفي يقود ربما لإنتاج أسلحة نووية، وهذا غير وارد، والأهم بحسب المعادلة الاقتصادية التي تحكم العالم اليوم هي إبقاء هذه الدول جزءا من سوق مستهدفة لطوق الاحتكار.الموافقة على التخصيب تحقق قيمة مضافة للأردن؛ إذ تعفيه من شراء يورانيوم مخصب جاهز بكلف عالية، وتوفر له مصدرا جديدا للدخل من خلال بيع الكميات الفائضة عن الحاجة من هذا اليورانيوم.كذلك، فإن الاتفاق مع إيران يمثل خطوة مهمة لناحية تقوية موقف الأردن التفاوضي إزاء محاولات إسرائيل خصوصاً منع الأردن من الحصول على حق التخصيب، وأبعد من ذلك وقف المشروع النووي الأردني.الموضوع النووي خلافي وجدلي، وثمة معارضون له في كل بقاع الدنيا. لكن الجدل لم يمنع بريطانيا من إطلاق مشروع جديد لإنتاج الطاقة باستخدام المفاعلات النووية قبل نحو أسبوعين، وكذلك إعلان مصر أخيرا عن البدء بمشروعها الخاص في هذا المجال.فيتنام لم تعد الاستثناء الوحيد لأميركا، إذ ها هي إيران تتوصل لاتفاق يفاجئ العالم، فلماذا لا يحظى الأردن بذات المعاملة، وهو الملتزم بجميع الاتفاقيات الدولية، ومنها اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية؛ كما أن كل خطوة قام بها في الماضي مقرة من الوكالة الدولية للطاقة الذرية؟!