لا شك في أن العاصفة "أليكسا" التي حلت على الأردن قبل أيام، قد كشفت مصادر القوة في الإدارة الأردنية، والتي تجلت في تفاني الجهات المسؤولة والمعنية في العمل على مواجهة تداعيات هذه الأزمة على المواطنين والممتلكات العامة على حد سواء. لكن، وبالقدر نفسه، كشفت هذه العاصفة مكامن الضعف في هذه الإدارة. لقد أكدت الأطراف المعنية كافة بأنها مستعدة، وقد سخّرت إمكاناتها لمواجهة العاصفة الثلجية. ولربما يكون هذا صحيحا؛ إذ قامت كل مؤسسة بإعداد ترتيباتها حسب معرفتها وإمكاناتها. لكن عندما حلت العاصفة، اكتشفنا أن المعلومات حول أبعاد الأزمة لم تكن كافية ودقيقة، وكذلك الإمكانات التي تبين أنها متواضعة في أحسن الأحوال، أو لم يتم استغلالها بالشكل المناسب في أسوأ الأحوال أو التقديرات. ليس مهما الآن الإشارة الى أوجه التقصير أو إلى الإيجابيات، فكلتاهما باتتا معروفتين للجميع. ولكن المهم ما أشار إليه جلالة الملك خلال زيارته التفقدية للسلط، وهو التعلم من التجربة من أجل تعظيم الإيجابيات وتفادي السلبيات.إن الإرباك الذي شهدناه في الأيام الماضية، يؤشر لا إلى مشكلة في إدارة الأزمة، وإنما أزمة في الإدارة. وما شهدناه من قصور أو تخبط في التعامل مع العاصفة الثلجية، ليس سوى مظهر من مظاهر تلك الأزمة، لا الأزمة بحد ذاتها، والتي تتجلى في الأبعاد التالية:أولا، ضعف التخطيط الاستراتيجي المبني على المعلومات الدقيقة حول هذه المشكلة أو غيرها، وعدم انسياب المعلومات، إن توفرت، إلى المستويات المختلفة كافة في الإدارة، ما يجعل ما يسمى بالتخطيط أقرب إلى الارتجال، والذي يؤدي في النهاية إلى انكشاف ووهن في الإدارة المدنية. لقد كان غياب المعلومة الدقيقة حول العاصفة جزءا من المشكلة؛ كما كان غياب المعرفة الدقيقة عن الإمكانات وحجمها، وتقييم القدرات، جزءا آخر من المشكلة. إذ إنه لا يمكن لأي عملية أو تخطيط النجاح من دون توفر المعلومات الكافية والدقيقة، والإحاطة بكل جوانبها.ثانيا، أظهرت هذه الأزمة أن المركزية في الإدارة، وخاصة في حالات كالتي نحن بصددها، لم تعد قادرة على تقديم الحلول، وخاصة مع الحجم المتزايد للسكان، وتنوع المشاكل واختلافها بين فئة وأخرى، وعدم قدرة المركز على إدراك الواقع في العديد من المناطق، كما عدم قدرته في النهاية على الاستجابة في الوقت المناسب لهذه الحاجات. وقد كشفت هذه الأزمة مدى عجز البلديات في التعامل مع المشاكل على المستوى المحلي، لفقر الإمكانات، وغياب التخطيط أو سوئه، أو غير ذلك.ثالثا، غياب التنسيق أو ضعفه بين الأجهزة والإدارات المعنية، في مستوى التخطيط أو التنفيذ. وإن كان هذا التنسيق موجودا على مستوى القيادات أو الإدارات العليا، فإنه شبه غائب، ما يؤدي إلى غياب الهدف وبعثرة الجهود، وعدم تحقيق الأهداف والفشل أحيانا.رابعا، كشفت هذه الأزمة الضعف الذي تعاني منه البنية التحتية في البلد، ليس فقط على مستوى الشوارع وشبكتي الكهرباء والمياه، بل وبما لا يقل أهمية أيضا شبكة المواصلات. فجزء كبير من الشلل الذي شهدته البلاد في الأسبوع الماضي، يعود لغياب شبكة مواصلات عامة جيدة، تغطي كافة المناطق. فلم تستطع غالبية الناس الوصول إلى أماكن عملها أو دراستها، لأنها تعتمد على سياراتها الخاصة، والتي عادة ما تكون أسوأ وسيلة في مثل هذه الظروف.خامسا، عدم تناغم الثقافة والسلوكيات المجتمعية مع السياسات والتوجيهات والأفعال الرسمية، سواء كانت من قبل القطاع العام أو الخاص، ما يؤدي إلى إضعاف قدرة المؤسسات على إنجاز مهامها.إن التخبط على صعيد معالجة موجة الثلج "أليكسا"، ليست سوى مظهر من مظاهر أزمة الإدارة العامة التي تعاني منها الحكومات المتعاقبة في إدارة العديد من القضايا والمشاكل التي تواجه المجتمع الأردني؛ كالفقر والبطالة، وأزمة المياه والطاقة وغيرها. ولعل هذه الأزمة الأخيرة تشكل فرصة لإعادة النظر بطريقة وأسلوب عمل الإدارة العامة في البلاد، من خلال الاستناد إلى المعرفة، واللجوء إلى اللامركزية بعد تمكين المناطق المحلية، وتعزيز الشراكة والتنسيق بين الجهات المعنية كافة. ولا أعتقد أن لدينا الكثير من الوقت لفعل ذلك.