فهد الخيطان
تتحسس الدولة أوجاعها، فلا تجد ما يؤلمها أكثر من الاقتصاد. قبل سنة من الآن، كانت الخزينة العامة على شفير الإفلاس؛ لا رواتب ولا نفقات تلبي الحد الأدنى من احتياجات المؤسسات. الإجراءات الصعبة التي اتخذتها الحكومة، والمساعدات والقروض العربية والدولية، مكنت الدولة من تجاوز عنق الزجاجة. لكننا، وحسب أصحاب قرار، لم نغادر الأزمة بعد. السنتان المقبلتان حاسمتان لجهة التعافي من مخاطر أزمة ضربت الاقتصادات الكبرى، وأوجعت الدول الصغيرة والنامية؛ وفوقها حالة اضطراب وعدم استقرار، لا بل حرب مشتعلة، لم تترك للمستثمرين والسياح ولو معبرا آمنا.
بيد أن الحكومات ومؤسسات الحكم ليست بريئة من ذلك كله؛ فسوء الإدارة والترهل، والفساد وغياب سلطة القانون، ساهمت مجتمعة في تعميق جراحنا. ومعالجة هذا القدر الكبير من الخراب المتراكم تشكل تحديا ووجعا للدولة، التي باتت تدرك -لعلها كذلك- أنه ومن دون مشروع متكامل لإصلاح الإدارة العامة، وتفعيل أدوات الرقابة، وسيادة القانون على الجميع من دون استثناء، فإن الفوز في معركة الاقتصاد وتجاوز عقدة الثقة المتآكلة يبدو صعب المنال.
المهم اليوم ليس الانتصار على الحكومة في البرلمان، أو إسقاطها في الشارع، وإنما في قدرة المؤسسات التشريعية والتنفيذية على العمل مع روافدها الأخرى على عدم العودة إلى الوراء خطوة واحدة. ليس من خيار أمامنا سوى التقدم لمواجهة التحديات للتخلص من الأوجاع، والتعافي للنهوض بالمسؤوليات الثقيلة.
نحتاج للتقدم خطوات في الإصلاح السياسي؛ ستكون مهمة محفوفة بالمخاطر إذا لم نتغلب على الأزمة الاقتصادية، ونعطي المواطن الموجوع الأمل في حياة أفضل.
الإعلام الرسمي وشبه الرسمي يوجع الدولة، مثلما يوجع الرأي العام؛ ثمة إدراك لهذا، فمن دون إعلام مهني وحر ينهض بمسؤولياته باقتدار، ستظل مؤسسات الدولة في دائرة الاشتباه عند القطاع العريض من الشعب. وإذا لم تتفهم الدولة حاجة الإعلام المستقل للمعلومات وسقف الحرية الذي يتيحه القانون، فلا أمل يُرتجى.
الخاصرة الشمالية توجع الدولة كثيرا وتؤرقها؛ الحدود تنزف كل يوم مئات اللاجئين، والمهربين، والإرهابيين. على بعد أمتار قليلة، يربض المئات من مقاتلي"القاعدة". مشروعهم يتعدى سورية؛ ففي اليد أدلة وقرائن على مخطط يستهدف تأسيس "فرع" للتنظيم في الأردن، ومحاولات لا تنتهي لاختراق الحدود وتنفيذ عمليات إرهابية على أراضيه.
رغم ذلك، هناك شعور بأن المجتمع الدولي قد خذل السوريين؛ الدول التي تتحجج بخطر الإرهاب تعلم أنه وفي حال سقوط النظام فإن المقاتلين الأجانب، والذين تقدر أعدادهم بنحو ثلاثين ألفا، سيصبحون في العراء، ما يسهل اصطيادهم وطردهم.
لكن الحدود مع سورية وجع أردني طويل على ما يبدو؛ وإذا ما منحت "الجهاديين" طريقا لسورية عبرها، فأنت تعطيهم ضمنا طريقا للعودة، وثغرة ينفذون منها لأمننا الداخلي. وهذا خط أحمر عند أصحاب القرار.
الخشية من اللاجئين كبيرة؛ كم سيمكثون هنا؟ وأي تحديات أمنية يحملها وجود نصف مليون، وربما مليون إذا ما توسعت دوائر القتال حول دمشق وجنوبها؟
تمضي المؤسسات الحكومية في مشروعها لتسجيل اللاجئين وحصر أعدادهم وأماكن سكنهم، على أمل العودة قريبا.
الصراع في سورية وجع أيضا؛ لا حل عسكريا، و"السياسي" معلق بتفاهم روسي أميركي مرتجى. متى يحصل؟ لا أحد يعلم، في انتظار ما ستستفر عنه مداولات "جنيف2" الموعودة منتصف الشهر المقبل.
تقلب الدولة أوجاعها فلا تجد ما يسر الخاطر. لكن تجاوز مصاعب السنتين الأخيرتين، بما حملتا من تحديات، يمنح أصحاب القرار الثقة الكبيرة للتغلب على بعض أوجاعهم، والتعايش مع أوجاع أخرى لا يتوفر في أيديهم علاج لها