اﻟﻤﺸﻜﻠﺔ ﻗﻄﻌﺎً ﻟﯿﺴﺖ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻦ اﻟﺤﻨﯿﻒ، وﻟﻜﻦ ﻓﻲ ﻓﮫﻤﻨﺎ ﻟﻪ، وﻣﺎ أدى إﻟﻰ ﺻﺮاﻋﺎت وﻣﻨﺎﻓﺴﺎت ﻋﺒﺮ ﺗﺎرﻳﺨﻨﺎ
اﻟﻌﺮﺑﻲ اﻹﺳﻼﻣﻲ اﻟﻄﻮﻳﻞ، ھﻮ ھﺬا اﻻﺧﺘﻼف ﺑﯿﻦ اﻟﻤﻌﺘﺰﻟﺔ واﻟﻤﺮﺟﺌﺔ، واﻟﺴﻨﺔ واﻟﺸﯿﻌﺔ، واﻟﺨﻮارج واﻟﻤﻌﺘﺪﻟﯿﻦ.
وھﺬه اﻟﺨﻼﻓﺎت اﻟﺘﻲ ﺑﺪأت ﺑﺎﻟﻔﺘﻨﺔ اﻟﻜﺒﺮى ﺑﻌﺪ اﻏﺘﯿﺎل اﻟﺨﻠﯿﻔﺔ ﻋﻤﺮ ﺑﻦ اﻟﺨﻄﺎب ﻟﻢ ﺗﺨﻤﺪ ﻧﺎرھﺎ ﺣﺘﻰ اﻵن، وﻣﺎ
ﺗﺰال ﺗﺸﻜﻞ اﻻﻧﻘﺴﺎﻣﺎت ﻓﻲ اﻟﻮطﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ، ﺧﺎﺻﺔ اﻵن وﻓﻲ ظﻞ اﻟﺮﺑﯿﻊ اﻟﻌﺮﺑﻲ.
ﻳﺠﺐ أن ﻧﺘﻌﻠﻢ ﺑﻌﺪ أرﺑﻌﺔ ﻋﺸﺮ ﻗﺮﻧﺎً أن ﻧﻄﻮي ﺧﻼﻓﺎﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺗﺼﺮﻳﻒ ﺷﺆون ﺣﯿﺎﺗﻨﺎ. وﻗﺪ ﺗﺮك ﷲ ورﺳﻮﻟﻪ ﻟﻨﺎ ذﻟﻚ
اﻟﺤﻖ. وﻟﻜﻦ ﻳﺒﺪو أﻧﻨﺎ ﻟﻢ ﻧﻨﻀﺞ ﺑﻌﺪ إﻟﻰ ذﻟﻚ اﻟﻤﺴﺘﻮى ﺣﺘﻰ اﻵن. ﻓﻤﺎ زﻟﻨﺎ ﻧﻀﻊ ﺗﻌﺼﺒﺎﺗﻨﺎ أﻣﺎم اﺗﻔﺎﻗﻨﺎ، وﻛﺒﺮﻳﺎءﻧﺎ
ﻗﺒﻞ ﺗﻔﺎھﻤﻨﺎ، وﺻﻐﺎﺋﺮ أﻣﻮرﻧﺎ ﻗﺒﻞ ﻛﺒﯿﺮاﺗﮫﺎ. وﻛﻠﻨﺎ ﻳﻨﺴﻰ اﻟﮫﻮﻳﺔ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ اﻟﺘﻲ ﺗﻈﻠﻠﻨﺎ وﺗﻮﺣﺪﻧﺎ، وﻧﺘﺮاﺟﻊ إﻟﻰ ھﻮﻳﺎﺗﻨﺎ
اﻟﻔﺮﻋﯿﺔ اﻟﺼﻐﯿﺮة.
ﻟﻘﺪ ﺗﻌﻠﻤﺖ اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ أن اﻟﻮﺣﺪة واﻟﻤﺸﺎرﻛﺔ ھﻲ اﻟﺘﻲ ﺗﻨﺘﺞ اﻛﺜﺮ، وﺗﺘﻮﻓﺮ ﻟﺪﻳﮫﺎ أﺳﺒﺎب اﻟﻘﻮة ﺑﺸﻜﻞ أﻛﺒﺮ وأﻋﻤﻖ
وأﻓﻌﻞ. وﻟﻜﻦ ﺗﻮﺣﯿﺪ اﻟﻜﻠﻤﺔ واﻟﺼﻒ واﻟﮫﺪف ﻳﻤﻜﻦ أن ﻳﻜﻮن ﺑﺎﻟﻨﺎر واﻟﺤﺪﻳﺪ، وھﺬا ﻣﺎ ﻟﺠﺄت إﻟﯿﻪ اﻟﺪﻛﺘﺎﺗﻮرﻳﺎت،
وﺣﻘﻘﺖ ﺑﺴﺒﺒﻪ وﻓﻮرات ﻛﺜﯿﺮة. وﻟﻜﻦ اﻟﺬﻳﻦ اﺳﺘﻤﺮأوا ھﺬا اﻟﺪرب، ﻟﻢ ﻳﻨﺘﺒﮫﻮا اﻟﻰ أن اﻟﺘﻐﯿﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﺒﻨﻰ اﻹﻧﺘﺎﺟﯿﺔ
واﻻﺟﺘﻤﺎﻋﯿﺔ واﻟﺜﻘﺎﻓﯿﺔ ﻳﻮﻟّﺪ ﻟﺪى اﻟﻨﺎس طﻤﻮﺣﺎت اﻛﺒﺮ، وﺗﻄﻠﻌﺖ أﻗﻮى ﻟﺘﺤﻘﯿﻖ اﻟﺬات. وﻣﻦ ﺗﻌﻠﻢ اﻟﺪرس ﺣﺎﻓﻆ
ﻋﻠﻰ ﻣﻜﺘﺴﺒﺎﺗﻪ. وﻣﻦ ﻣﻀﻰ ﻓﻲ ﻏﯿّﻪ اﻟﺪﻛﺘﺎﺗﻮري ﻋﺎد وﻓﺸﻞ وذھﺒﺖ رﻳﺤﻪ واﻧﺘﻜﺴﺖ أﻋﻼﻣﻪ.
واﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﯿﺔ ﺗﺠﻤﻊ اﻟﻨﺎس. وﻣﻦ ﻗﺎل إن ﻧﻈﺎم اﻟﺘﻌﻠﯿﻢ واﻟﺴﯿﺎﺳﺔ ﻓﻲ اﻟﻮﻻﻳﺎت اﻟﻤﺘﺤﺪة ﻻ ﻳﻔﺮض ﻋﻠﻰ اﻟﻨﺎس
ﻣﺜﻼً وﻗﯿﻤﺎً ﻣﺸﺘﺮﻛﺔ ﻳﺆﻣﻦ ﺑﮫﺎ اﻟﺠﻤﯿﻊ. ﻓﺎﻟﺪﺳﺘﻮر واﻟﺘﻌﺪﻳﻼت ﻋﻠﯿﻪ أﻣﺮ ﻻ ﺗﻨﻔﻚ ﻣﺪارﺳﮫﻢ وﺟﺎﻣﻌﺎﺗﮫﻢ وﻣﺤﺎﻛﻤﮫﻢ
وإﻋﻼﻣﮫﻢ ﺗﺘﺤﺪث ﻋﻨﮫﺎ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺒﺢ ﺛﻘﺎﻓﺔ وھﻮﻳﺔ. وﺗﺤﺖ ھﺬا اﻹرث اﻟﻤﺸﺘﺮك، ﻳﺤﻖ ﻟﻠﯿﻮﻧﺎﻧﻲ أن ﻳﺄﻛﻞ ﺳﻠﻄﺔ
"اﻟﻔﯿﺘﺎ"، وﻟﻺﻳﻄﺎﻟﻲ أن ﻳﺄﻛﻞ "اﻟﺒﺎﺳﺘﺎ"، وﻟﻠﮫﻨﻐﺎري أن ﻳﺄﻛﻞ "اﻟﺠﻮﻻش"، وﻟﻠﯿﺎﺑﺎﻧﻲ أن ﻳﺄﻛﻞ "اﻟﺴﻮﺷﻲ"، وﻟﻠﻌﺮﺑﻲ
أن ﻳﺄﻛﻞ اﻟﺤﻤﺺ، وﻟﻸردﻧﻲ أن ﻳﺪﺧﻞ ﻣﻌﻪ "أﻗﺮاص اﻟﺠﻤﯿﺪ".
اﻟﻨﻤﻮ ﻻ ﻳﺴﺘﻤﺮ وﻻ ﻳﺪوم إﻻ إذا ﺷﺎرك اﻟﺠﻤﯿﻊ ﻓﯿﻪ، ﺑﻐﺾ اﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺗﻌﺼﺒﺎﺗﮫﻢ، وأوﻟﻮﻳﺎﺗﮫﻢ، وأﻓﻜﺎرھﻢ. وﻻ ﻳﺠﻮز
ﻟﻔﺌﺔ ﻣﺎ أن ﺗﺮﻓﺾ ﻗﺮار اﻷﻏﻠﺒﯿﺔ، وﻻ ﻳﺠﻮز ﻟﻠﻔﺎﺋﺰ ﻓﻲ اﻻﻧﺘﺨﺎﺑﺎت أن ﻳﻨﺴﻰ أن ﻓﺘﺮﺗﻪ ﻣﺤﺪودة، وأﻧﻪ إن ﻧﺴﻲ
اﻟﻨﺎس، ﻓﺴﻮف ﺗﻨﺴﺎه ﻓﻲ ﻧﮫﺎﻳﺔ اﻟﻤﻄﺎف.
ﻋﻠﯿﻨﺎ أن ﻧﺘﻌﻠﻢ ﻛﯿﻒ ﻻ ﻧﺒﺎﻟﻎ ﻓﻲ اﻟﻔﺮح إن ﻓﺰﻧﺎ، وﻻ أن ﻧﺜﻮر وﻧﻐﻀﺐ إن ﺧﺴﺮﻧﺎ. وﻣﻦ ﻻ ﻳﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﻳﺨﺴﺮ، ﻓﻠﻦ
ﻳﻌﺮف ﻛﯿﻒ ﻳﻔﻮز. واﻟﻨﺎس ﻟﮫﺎ ﺣﻜﻤﺔ، وﻻ ﻳﺠﺘﻤﻊ اﻟﻨﺎس ﻋﻠﻰ ﺿﻼﻟﻪ. ﻓﻌﻠﯿﻚ ﻓﻲ اﻟﺪﻳﻤﻘﺮاطﯿﺔ أن ﺗﻘﺒﻞ ﺣﻜﻢ
اﻟﻨﺎس.
واﻟﺘﻜﻨﻮﻟﻮﺟﯿﺎ ﻻ ﺗﺼﺒﺢ ذات ﻓﻌﺎﻟﯿﺔ إﻻ إذا ﺗﻮﺳﻌﺖ ﻗﺎﻋﺪﺗﮫﺎ. أﻣﺎ إن ﺑﻘﯿﺖ ﺣﻜﺮاً ﻋﻠﻰ اﻷﻏﻨﯿﺎء، أو اﻟﻌﻠﻤﺎء، أو ﺣﺘﻰ
اﻟﺮھﺒﺎن، ﻓﺈﻧﮫﺎ ﺳﺘﺒﻘﻰ ذات ﻓﺎﺋﺪة ﻣﺤﺪودة. واﻟﻨﻤﻮ ﻻ ﻳﺤﺼﻞ إﻻ إذا ﺷﻌﺮ اﻟﻨﺎس أن ﻣﺎ ﻳﻀﺤﻮن ﺑﻪ اﻟﯿﻮم، ﺳﯿﻌﻮد
ﻋﻠﯿﮫﻢ ﺑﺎﻟﺨﯿﺮ ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ، وأن ﻣﺎ ﻳﻜﺴﺒﻮﻧﻪ اﻟﯿﻮم ﻗﺪ ﻳﻔﺮض ﻋﻠﯿﮫﻢ ﺗﻀﺤﯿﺎت ﻓﻲ اﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ.
دروس أﻛﺪھﺎ اﻟﺘﺎرﻳﺦ. وﻧﺤﻦ ﻳﺠﺐ أن ﻧﺘﻌﻠﻢ. أﻣﺎ ﻣﺸﺎھﺪ اﻟﻘﺘﻞ واﻟﺬﺑﺢ ﻓﻲ اﻟﻮطﻦ اﻟﻌﺮﺑﻲ ﺑﯿﻦ ﻓﺮﻳﻖ وآﺧﺮ ﻓﺄﻣﺮ
ﻣﺮﻓﻮض، وﻳﺘﺤﻤﻞ أﻋﺒﺎءه اﻟﺠﻤﯿﻊ. ووﺳﻂ ﻛﻞ ھﺬا وذاك ﺗﻀﯿﻊ ﻓﺮص اﻟﻨﻤﻮ، وﻣﻦ زرع اﻟﻔﺘﻨﺔ ﺳﯿﺤﺼﺪ ﺛﻤﺎرھﺎ ﻋﺎﺟﻼً
أم آﺟﻼ