أخبار البلد - بالقليل من حصافة الرأي، ورجاحة العقل، ورحابة الصدر، وسلامة النية، يمكن لنا توفير مساحة واسعة من التفاهم والتناغم بين القمة الرسمية والقاعدة الشعبية، وانتاج الكثير من القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة بين الجانبين، وتطوير الحالة السياسية والاقتصادية الاردنية سلمياً وتوافقياً وبعيداً عن لغة العنف والاضطراب.
وليس من شك ان نهج التحاور والتشاور، وفكر المصالحة والمقاربة، كفيلان بتوليد الكثير من نقاط التوافق، وقواعد التلاقي والتكامل، ليس بين القمة والقاعدة فحسب، بل ايضاً بين ضفتي الضمير الوطني، ثم سائر مكونات المجتمع الاردني من مختلف المذاهب والمشارب والمنابت والاصول.
سبق لنا ان دخلنا عام 9891 في حالة تفاهم وتوافق مدهشة بين الحكم والشعب، وخضنا معاً تجربة التحول الديموقراطي، وصياغة الميثاق الوطني وتغيير النهج وليس النظام، ولولا الافتراق الكبير الذي وقع حول معاهدة وادي عربة، لكان الاردن قد شكل نموذجاً باهراً في التطور والازدهار والتضافر ما بين القيادة والجمهور.
نستطيع اليوم بالاستناد الى تجربتنا الذاتية المشار اليها، والاتعاظ من الانتفاضة التونسية - والمصرية بعدها -، ان نجترح، عبر حوار جدي ومسؤول، نقلة نوعية في حياتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، من شأنها توسيع قاعدة الحكم من جهة، مقابل تلبية مطالب الجمهور الوطنية والقومية والديموقراطية من جهة اخرى.
ليس في صالحنا معاً، القمة والقاعدة، هدر الجهد، وتبديد الوقت، واستنزاف الطاقات والامكانات في التشاحن والتخاصم والاختلاف، فالاردن الذي بنيناه بشق النفس لا يحتمل الكثير من التعارض والتناقض والاصطراع، بل لعله احوج ما يكون في هذه الظروف الصعبة محلياً واقليمياً ودولياً الى الكثير من التكاتف والتلاحم والسلام الاهلي وإصلاح ذات البين.
ثبت ان كل الحكومات التي اعقبت معاهدة وادي عربة، وجاءت مفصلة على مقاسها، قد استهلكت نفسها، واخفقت في مهماتها، ليس لجهة حماية الاردن من التهديدات التوسعية الصهيونية فحسب، بل ايضاً في مجالات الاصلاح السياسي، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً بعدما تسلم رجال البزنس وعباقرة الليبرالية الجديدة مقاليد الامور.
حتى لو لم تتحرك المجاميع الشعبية الاردنية في الآونة الاخيرة لدواع مطلبية واهداف سياسية، وحتى لو لم تندلع الثورتان التونسية والمصرية، فالثابت واقعياً وبالملموس ان حقبة الحكومات الكرتونية، والسياسات الليبرالية، والرهانات على العواصم الاجنبية، قد استنفدت اغراضها، وانتهت صلاحياتها، وافلست معطياتها، واصبحت عبئاً على اصحابها وعلى الشعب الكادح الذي عانى الامرين من ويلاتها وازماتها.
كل الانظمة الذكية والعصرية والمدركة لمصالحها الحقيقية، تبادر بين الحين والآخر الى تجديد ذاتها، وتغيير ادواتها، وتطوير ادائها، وتوسيع قواعدها الشعبية، واحترام نبض الشارع.. ذلك لانها تدرك جيداً ويقيناً ان التباعد عن الشارع الشعبي، والحكم من خلال اطر وشرائح الاقلية الفوقية المترفة وحتى الفاسدة، يتركها معلقة في الفراغ، ومرشحة للسقوط في اية لحظة.
كل الانظمة الذكية والاستشرافية التي لا تحبذ التغيير تحت الضغط، او التصرف من موقع الاضطرار، تعمد بالمقابل الى استباق الاحداث قبل وقوعها، واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وتفعيل آلية الاختيار الذاتي المبكر والبعيد عن التردد والانتظار.
نحن الآن امام لحظة تاريخية مناسبة للعمل الاستراتيجي الخلاق، ومواتية للتغيير الحقيقي الرشيد، وملائمة لصناعة المستقبل الافضل، وليس لنا في القمة والقاعدة، الا التقاط هذه اللحظة المفصلية، والمبادرة الى اغتنامها، والتصرف بموجب شروطها وحيثياتها، والتنادي الى اوسع حوار جماعي، ومشاركة شعبية، ومصالحة وطنية بغية الدخول في مرحلة نوعية جديدة توفرت لها كل اسباب الحضور وشروطه، وتهيأت امامها فرصة اعادة احياء الميثاق الوطني ليشكل الهادي والدليل، واستدعاء احمد عبيدات ليشكل حكومة وطنية وازنة.. والله الموفق!!