أخبار البلد - لا مقارنة بين مملكة وجمهوريتين ، ولا مقارنة بين الاردن ومصر وتونس ، ويقال هذا الكلام للذين يظنون ان التونسة والمصرنة ، ممكنتان في الاردن.
البيئة التي صنعت الغضب في تونس ومصر ، غير موجودة في الاردن ، فلا تسلط للمؤسسة الرسمية والامنية في الاردن ، على شعبها ، ولا هتك لحرمات البيوت ، وحياة الناس بذات الطريقة التي نراها في دول عربية.
في مصر وحدها هناك ثلاثة ملايين مخبر رسمي ، يجوبون الشوارع ، ويقوم اغلبهم بالتسلط على حياة الناس ، وأخذ الرشاوى ، والدفع بالناس الى السجون ومراكز التعذيب ، والشراكة في الممنوعات.
في تونس وحدها مليونا مخبر يعملون مع الحزب الحاكم ، وقص الرقبة يجري على مجرد الشبهة ، والدخول الى المسجد يتم ببطاقة رسمية ، والحجاب يتم منعه ، والامن يراقب الرجل وزوجته ايضاً ، والنظام كان يعتاش على الوشايات وليس المعلومات.
مهما قيل من نقد على واقعنا الداخلي ، فهو نقد يقر ان البلد ما زال بخير على معظم الصعد ، وهذا يقال على لسان الاشد نقداً ، وان لدينا الكثير لنخاف عليه ، في وجه الذين يريدون حرق البلد ، وجره الى المصرنة والتونسة.
لا يقال هذا الكلام في وجه المسيرات او وجه المشاركين فيها ، ولكن في وجه من يتمنون وينتظرون "لحظة السوء" التي يتخيلونها ، فيا لهذا الغباء ، وكأن خراب الاردن لن يصل بأثاره حتى الى بيوت الذين يريدون التشفي به ورؤيته يغرق،،.
يريدون التشفي والشماتة بالاردن والانتقام من اهله ، ورؤيته يخرب ، لاسباب شخصية مريضة ، من حفنة لا تفهم الفرق بين مسيرة سلمية وبين تمني خراب الاردن لا سمح الله.
على العكس ربما ما رأيناه في تونس ومصر ، سيؤدي الى ارتدادات باتجاه تهدئة الداخل ، لان هناك شكوكاً بوجود من يريد المقامرة باستقرار بلد بأكمله ، ولا يمس هذا الكلام اصحاب النوايا الحسنة.
البيئة السياسية والاجتماعية في الاردن ، لا تسمح اساساً بهكذا ممارسات ، والاردن يعرف بعضه البعض ، بما يخلق حالة من التسكين الاجتماعي ، ولا يمكن ان يقبل الاردنيون دب الفوضى في بلدهم وحرقه ونحره كما رأينا في حالات الفوضى التي دبت في مصر وتونس.
الحكم في الاردن ليس فوقياً ، وترى تاريخ الحكم مع الناس ايجابياً ، فلا اعدامات سياسية ، ولا تغول ، ولا تسلط ، والذي يقوله المعارض في الاردن ، لا يمكن ان يقول عشره ضد العواصم التي يتغزل بها بعض المعارضين لدينا.
التركيبة الاجتماعية. العشائر والعائلات. المدن والقرى والبوادي والمخيمات ، كلها تعرف ان استقرار البلد ، وحمايته امر حيوي ، وهم اذ يعبرون عن مواقف ناقدة لاداء الحكومة او النواب ، الا انهم يعرفون ان هناك سقفا لهذه المطالبات.
لا يمكن ان يقبل احدهم جر الفوضى الى البلد ، وجر البلد الى جهنم مفتوحة يلعب بها المرتزقة واللصوص ووكلاء الاقليم ، وكلنا نعرف ان استقرار البلد مصلحة شخصية لكل واحد فينا قبل ان يكون مصلحة معنوية ووطنية عليا.
علينا ان نعترف انه على الرغم من السلبيات التي نقر بها جميعا ، الا ان البلد فيه انجازات عظيمة.. الجامعات. المستشفيات. الامن والاستقرار. قيمة الاردني كانسان ، الذي ما زال له كلمة وخاطر وحق وحقوق.
عدم وجود حالة من الفرعونية بين الدولة والناس ، فالاردني ما زال بامكانه ان يصل الى اي مسؤول واي مؤسسة ، ويضج بالشكوى ويأخذ حقه في حالات كثيرة.
الشعبان المصري والتونسي تعرضا الى مظالم كبيرة ، لكننا نضع ايدينا على قلوبنا حين نرى حالة الفوضى ومن يدخل عليها من لصوص ومجرمين واجهزة وناقمين.
حين نرى السلب والنهب والقتل مجهول المصدر ، نعرف ان ظلم النظامين ولد فوضى نتعوذ بالله من شرورها ، والاردن لم يطرد اردنياً واحداً خارج الحدود ، ولم يمنع اردنياً من دخول بلده. فاين هي المقارنة مع التوانسة والمصريين؟.
الشعب الاردني راشد وذكي ، وخلف تجهمه انسان واع ، وليس ادل على ذلك من ان المسيرات في الاردن ، لم تكن انقلابية ، ولم تحرق مركز شرطة ، بل رأينا في مسيراتنا ، كيف يهتف الناس للملك والبلد وللشرطة والجيش ، وكيف تحميهم الشرطة في مسيراتهم.
ليس خوفا منهم ، بل هو احترام من ذات الدولة لرأي الناس ، وهو احترام يجب علينا جميعا ان نتوقف عند دلالته في تواقيت انتشار الفوضى في الاقليم ، كما الجراد فوق المزارع.
مع احترامي للبعض فان المصرنة والتونسة لامكان لهما في الاردن ، لان الناس لا تقبل برؤية البلد تنهار تحت وطأة التعبير المبالغ به ، او تحت تأثير من يريدون بث الفوضى.
هذا قرار شعبي ، لان الناس مع حرية التعبير ، لكن لا احد يريد ان يذهب البلد لفوضى مفتوحة ، فيحمل كل واحد سلاحه ، وتغرق البلد في النهب والسلب والسرقة والقتل وتصفية الحسابات ، وهناك ملفات بحاجة الى معالجات وقد قيل فيها الكثير ، من ملفات الفساد وعدم العدالة والفقر والبطالة ، وملف الاصلاح السياسي ، وكل هذه الملفات لا ينكرها احد.
هذه الملفات لا تقنع اردنياً واحداً ان التعامل معها يكون ببث الفوضى على الطريقة المصرية والتونسية في هذا البلد.
في الاردن هناك مآخذ. غير ان البلد يبقى بألف نعمة من الله ، وعلينا ان نصبر قليلا ، حتى تتبلور معالجات كثيرة ، والمسيرات حق للناس ، لكن علينا ان نتذكر ان هناك من يريد حرفها عن مسارها ، واغراق البلد في الفوضى.
لا يقال هذا الكلام بحق اي مشارك في المسيرات ، لكننا نتحدث عن اطراف قد لا نعرفها ، وليست اردنية ، وليست من بيننا ، تريد هدم المعبد فوق رؤوسنا ، تحت عنوان وجود مشاكل ومظالم واخطاء ، ومن اجل تمرير الخراب لاعتبارات دولية واقليمية.
لا يمكن ان تأتي التونسة او المصرنة بظلالها الى الاردن ، فالمقارنات جائرة وغير عاقلة ايضاً ، والاردنيون ليسوا انقلابيين لا على دولتهم ولا على نظامهم ، ولا على حياتهم واستقرارهم.
على العكس ، ربما ، المصرنة والتونسة ، واللبننة والعرقنة ، والصوملة والسودنة ، كلها دروس تعلم كل واحد فينا بأن نحذر بشدة خوفاً على بلدنا ممن يريدون جره الى ذات الخراب.
الشعب الاردني لم تسحقه دولته ، ولم تكسر الدولة شخصيته او شوكته ، فكيف يمكن ان تكون المقارنة المريضة مع مصر وتونس ، مقارنة منطقية؟.