اخبار البلد - أعلن الجيش المصري حظر التجوال في القاهرة ومدينتي السويس والأسكندرية، بعد فشل قوات الأمن والشرطة في السيطرة على جحافل المصريين الذين خرجوا بمئات الآلاف أمس، فيما عرف بـ "جمعة الغضب" مطالبين بإنهاء حكم الرئيس محمد حسني مبارك.
* وجاء إعلان حظر التجوال بعد سيطرة المتظاهرين على أغلب مراكز الشرطة وعدد من المؤسسات الإدارية وحرق وتدمير مقرات الحزب الحاكم في أكثر من محافظة بما فيها المقر المركزي، وقد أعلنت حالة الاستنفار في هرم نظام مبارك، وتم استدعاء وزير التجارة رشيد محمد رشيد من ملتقى دافوس الاقتصادي بسويسرا
وتسببت الاحتجاجات التي عاشتها مختلف المدن المصرية في سقوط قتيل على الأقل، وإحصاء العشرات من الجرحى في القاهرة وحدها، أصيبوا في مشادات عنيفة مع قوات مكافحة الشغب، التي عجزت عن تحييد عشرات الآلاف من المتظاهرين الذين تحدوا الخوف وتهديدات وزارة الداخلية. وقالت وكالة رويترز إن أحد مراسليها شاهد الدماء تنزف من أشخاص أصيبوا في الرأس وآخرين سقطوا على الأرض، وأوردت قناة "الجزيرة" الفضائية أن امرأة واحدة على الأقل قتلت وأصيب العشرات في ميدان بوسط القاهرة، بينهم المعارض المصري أيمن نور. كما عاشت مختلف المدن المصرية أمس، على وقع مواجهات عنيفة بين المتظاهرين وقوات مكافحة الشغب، إثر مظاهرات دعت إليها المعارضة، للضغط على نظام الرئيس محمد حسني مبارك وحمله على ترك السلطة، تأسيا بـ"ثورة الياسمين" التونسية، التي أطاحت بزين العابدين بن علي.
الشرطة تهاجم المصلين
وانطلقت المواجهات من أمام بعض مساجد القاهرة وفي مدن مصرية أخرى مثل الإسكندرية والسويس والمنصورة وكفر الشيخ والدقهلية والزقازيق والأقصر وأسوان، ووصلت حد سيطرة الآلاف من المتظاهرين على مراكز تابعة لقوات الشرطة، بعد أن أخرجوا عناصرها من مخافرها. واندلعت المواجهات مباشرة بعد خروج المصلين من صلاة الجمعة، حيث وجدوا قوات مكافحة الشغب في انتظارهم بالقنابل المسيلة للدموع، قبل أن يتطور الأمر لاستعمال الشرطة خراطيم المياه والرصاص المطاطي، خلال محاولاتها السيطرة على المتظاهرين ومنعهم من الوصول إلى مواقع حساسة في المدن الكبرى، على غرار ميادان التحرير، وميدان عبد المنعم رياض في قلب القاهرة.
الشرطة تنضم للمتظاهرين وترفض المواجهة
ولم تلبث الأحداث أن أخذت منحيات لم تكن متوقعة، وبدأت التطورات تصب لصالح المتظاهرين الذين تمكنوا بفضل إصرارهم على التظاهر وصمودهم أمام الرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع، ولم تصل الساعة الرابعة والنصف مساء بتوقيت الجزائر، حتى انقلب الوضع وصارت قوات الأمن هي من تفر من أمام جحافل المتظاهرين، التي عُدّت بمئات الآلاف. وتمكن المتظاهرون في عدد من المدن الكبرى، مثل القاهرة والسويس والأسكندرية، من إخلاء شوارع هذه المدن من قوات الأمن، الذين فضل الكثير منهم نزع ملابسهم الرسمية والالتحاق بالمتظاهرين، فيما فضل البعض الآخر رفض الانصياع لأوامر قادتهم بإلقاء القنابل المسيلة للدموع على المحتجين، ليصل الأمر إلى الانسحاب من ميدان التحرير، الذي توجد به معظم مؤسسات الدولة، تاركة المتظاهرين خلفها.وأمام انفلات الوضع من بين أيدي مصالح الأمن والشرطة، شوهدت عربات تابعة للجيش المصري في شوارع القاهرة وهي متجهة نحو مؤسسة الإذاعة والتلفزيون المصري، وسرعان ما أعلن التلفزيون الرسمي على لسان الحاكم العسكري حظر التجوال في مدن القاهرة والإسكندرية والسويس، من الساعة السادسة مساء إلى السادسة صباحا.
اعتقال ضباط في الجيش وقيادات المعارضة
وكشف مصادر عن اعتقالات طالت عددا من الضباط في الجيش المصري، المشكوك في ولائهم لنظام مبارك وتم إيداعهم في السجن الحربي، وذكر المصدر أن الضباط الموقوفين اتصلوا بعائلاتهم من السجن وأطلعوهم عن ظروف إيقافهم الصعبة، لكن من دون أن تكشف الجهة التي تقف وراء هذه العملية عن أسباب القرار.
كما عمدت السلطات المصرية إلى إيقاف العديد من الشخصيات المعارضة، منها ثماني شخصيات تابعة لـ "الإخوان المسلمون"، إلى جانب محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة، الذي وضع قيد الإقامة الجبرية، وأيمن نور خصم مبارك في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2005 .
إجراءات لم تجد نفعا
وكانت الشرطة قطعت كل المنافذ المؤدية من وإلى وسط القاهرة في محاولة منها لمنع المتظاهرين من التجمهر في الساحات العمومية، كما قامت بإيقاف رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي إلى جانب أسامة حرب رئيس حزب الجبهة الديمقراطية، بينما كانا يستعدان للمشاركة إلى جانب المتظاهرين فيما عرف بـ "جمعة الغضب".
وذكر ت مصادر اعلانيه، أن السلطات المصرية قامت بقطع كل وسائل الاتصال، مثل الهاتف النقال والثابت، بعد أن اقتصر المنع في بداية الأمر على قطع الرسائل القصيرة، في محاولة منها لمنع التواصل بين الشباب الداعي إلى التظاهر، وحرمانهم من التواصل فيما بينهم لوأد الاحتجاج قبل بدايته.
وأكد المصدر ذاته أن المتظاهرين والناشطين قاموا بتوزيع ليلة الخميس إلى الجمعة، ما بين 20 و30 ألف منشور يدعو إلى التظاهر بصفة سلمية ضد النظام، غير أن قوات الأمن استعملت القوة المفرطة لحرمان المواطنين من الحق في التظاهر. ودعا المحتجون إلى رحيل الرئيس محمد حسني مبارك وطالبوه بترك السلطة، رافعين لافتات تنتقد أداء فترة حكمه التي امتدت لنحو ما يقارب الثلاثة عقود.
قطع الأنترنيت والهاتف
وفي سياق التضييق الذي مارسته السلطات المصرية على المتظاهرين، أكدت مؤسسة "فودافون" للاتصالات أن السلطات المصرية طلبت من الشركات العاملة في مجال الاتصالات، وقف عمليات خدمات الهاتف النقال، وذكر مستخدمون للهاتف المحمول ومنهم صحفيون يعملون لقنوات فضائية غير مصرية، أنه تعذر عليهم الاتصال بمحطاتهم المركزية بسبب قطع الخدمة دون سابق إنذار.
وشهدت شبكة الانترنت بدورها انقطاعا كما توقفت خدمة الرسائل النصية القصيرة عبر الهواتف المحمولة، وتعذر الاتصال بمزودي الخدمة على الفور لتفسير أسباب هذا الانقطاع، فيما تم تحميل المسؤولية للسلطات المصرية، بعد أن قالت وزارة الداخلية في بيان لها ليلة الخميس إلى الجمعة إنها ستتخذ "تدابير حازمة" ضد المعارضين الذين ينوون تنظيم تظاهرات بعد صلاة الجمعة.
الاعتداء على رجال الإعلام
محاولة نظام حسني مبارك عزل مصر عن العالم لم تتوقف عند قطع الاتصالات عن المتظاهرين والتشويش على الفضائيات، بل وصل حد ترويع الصحفيين والاعتداء عليهم منذ صباح الجمعة، سعيا من هذا النظام لإبقاء سياسة القمع التي كلف رجال الأمن القيام بها لقمع المتظاهرين، حيث اعتدى رجال محسوبون على نظام مبارك، على الصحفي بقناة "الجزيرة" الفضائية، أحمد منصور، ومنع صحفي القناة ذاتها، ياسر أبو هلالة من دخول مصر، فيما تم جرح صحفي من فضائية هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، كما تم الاعتداء على فريق "العربية" وتجريده من وسائل عمله، إلى جانب أربعة صحفيين فرنسيين دخلوا لتغطية الحدث.