كفلت المادة 16/2 من الدستور الأردني للمواطنين الحق بتأليف الجمعيات والنقابات والأحزاب السياسية واشترطت المادة نفسها أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية وذات نظم لا تخالف أحكام الدستور.
والقراءة الواضحة لمفهوم هذه المادة هي الحق المطلق لجميع المواطنين تأليف الجمعيات (مؤسسات المجتمع المدني)، دون أيّ منع أو تقييد لهذا الحق، وبقاؤها مرهون دوماً بأن لا تمارس أيّ نشاط غير سلمي لتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها.
وعكس ذلك لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تتدخل في شؤون هذه المؤسسات أو تقوم بحلّها أو حتى التنسيب بحلّها، حتى ولو نصّ القانون على منح صلاحية الجمعية أو الحزب للقضاء.
كما كفلت المادة 22/1 من العهد الخاص بالحقوق السياسية والمدنية هذا الحق بنصها «لكل فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه».
كما نصّت المادة 8 من العهد الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية الثقافية على أنّه «تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد بكفالة:
1- حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين وفي الانضمام إلى النقابة التي يختارها دونما قيد سوى قواعد المنظمة المعنية، على قصد تعزيز مصالحه الاقتصادية والاجتماعية وحمايتها، ولا يجوز إخضاع ممارسة هذا الحق لأيّة قيود غير تلك التي ينص عليها القانون وتشكّل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو النظام القائم أو لحماية حقوق الآخرين وحرياتهم.
بناءً على ذلك ووفقاً لأحكام العهدين الخاصين بالحقوق السياسية والمدنية، والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي صادقت عليها الحكومة الأردنية وتم نشرها في الجريدة الرسمية منتصف حزيران عام 2006، أوجب على الحكومة الأردنية تعديل تشريعاتها الدستورية والقانونية بما يتوافق مع أحكام هذه العهود.
لكن وللأسف فإنّ الحكومات الأردنية المتعاقبة ضربت عرض الحائط بتلك الالتزامات، وسنّت أو عدّلت قوانين وأنظمة تتناقض كلياً وأحكام هذه العهود.
وقانون الجمعيات أحد هذه القوانين التي تشكّل انتهاكاً صارخاً للدستور الأردني وللمواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها الأردن.
وبالرغم من الاحتجاج المتواصل من قبل منظمات حقوقية وناشطين حقوقيين من أجل تعديل هذا القانون المسيء للأردن على الصعيدين المحلي والدولي، إلاّ أنّ أذان السلطتين التنفيذية والتشريعية مغلقتان.
ويأتي مقالي هذا إضافة إلى المبدأ والحق الأساسي للمواطنين بتأسيس مؤسساتهم المدنية، فإنّني شعرت بالأسى إلى الحد الذي يدفع أيّ مواطن وحقوقي وسياسي وحزبي غيور على مصلحة الوطن إلى ممارسة كافة أشكال الشجب والاستنكار على قرار وزارة الداخلية بحل المنظمة العربية لحقوق الإنسان.
إنّ حلّ أيّة جمعية بشكل عام هو أسلوب قمعي ولا مبرر إطلاقاً لهذا الإجراء، وما المبررات التي حاول اتخاذها ذريعة لقرار الحل فإنّها أسباب ومبررات واهية.
وواضح جداً ضيق ذرع السلطة التنفيذية وأجهزتها من بعض القضايا التي تبنّتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أو من بعض التصريحات التي أدلى بها رئيس المنظمة.
أمّا القول بوجود خلافات، سواء داخل الهيئة الإدارية أو داخل الهيئة العامة، فهذا شيء طبيعي، وإن كان الخلاف أو الاختلاف بوجهات النظر مبرر لحل المنظمة، فهذا يعني أنّه وجب على السلطة التنفيذية حل جميع الجمعيات والأندية والنقابات لوجود خلافات داخلها، وفي نفس السياق لا بد من إقالة الحكومة لوجود خلافات بين وزرائها!
لذا فإنّني أطالب السلطتين بضرورة كفالة حق تكوين واستقلالية مؤسسات المجتمع المدني دستورياً وقانونياً.
والمطلوب من السلطة القضائية أيضاً ودون تردد اعتماد العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها الأردن ونشرها في الجريدة الرسمية كجزء لا يتجزأ من التشريع.
ودون ذلك فإنّ سجلّ الأردن على صعيد احترامه حقوق الإنسان دولياً سيزداد قتامة وسوءاً، فهل هذا هو المطلوب؟!
د.فوزي علي السمهوري