كشف رئيس الوزراء الأردني السابق معروف البخيت في حديث أجرته معه «الحياة اللندنية» أمس، أن حكومته الثانية التي شكلت عام 2011 على وقع تظاهرات شعبية استلهمت انتفاضات العالم العربي، «نجحت في إحباط مخطط لجماعة «الإخوان المسلمين» (كبرى جماعات المعارضة في البلاد) كان هدفه استيراد تجربة ميدان التحرير المصري للوصول إلى سدة الحكم». وأكد للمرة الأولى أن الجماعة «تلقت نصائح سابقة عبر تنظيم (الإخوان) الدولي تقترح نقل فكرة ميدان التحرير إلى قلب العاصمة الأردنية لتحقيق أكبر قدر من المكاسب».
وأوضح البخيت، وهو أحد أقطاب النظام البارزين: «صدرت تعليمات واضحة باختيار موقع حساس يكون مجاوراً لمستودع بشري يعتقدون (الإخوان) أن لهم فيه وجوداً كثيفاً، على أن يحتوي مستشفيات ومراكز طبية، كما طُلب منهم تجهيز الطعام والشراب بغرض الإقامة الدائمة». وأضاف: «بعد صدور التعليمات، اختار «الإخوان» منطقة دوار الداخلية وسط عمان (ميدان جمال عبدالناصر) لاحتوائه على حوالى 7 مستشفيات خاصة، وباعتباره يمثل تقاطعاً حيوياً وسط تجمعات سكنية يستمدون منها قوتهم».
وتابع: «كان لأجهزتنا دور مهم في رصد هذه المعلومات، واعتقد «الإخوان» أن بإمكانهم حشد تجمع بشري يقارب 300 ألف متظاهر، وبالتالي أن تعمّ الفوضى لدينا. لكن قرار الدولة كان صارماً وحاسماً بإنهاء مطامح الجماعة منذ اللحظة الأولى، وهو ما نجحنا في تحقيقه بالتفاف الكثير من الحراكات والقوى السياسيّة الوطنيّة والقوميّة واليساريّة، وحتى الإسلاميّة الوسطيّة».
ولفت البخيت إلى أن هذه الحادثة جاءت في وقت «شُكلت لجنة للحوار الوطني، وبدأت اجتماعاتها بقصد التوافق على أولويات الإصلاح، وشملت الأطياف السياسيّة المختلفة، وبالذات المعارضة منها، فيما انفرد «الإخوان» برفض المشاركة، علماً أنهم كانوا ممثلين فيها عبر بعض القيادات النقابيّة المنتمية للجماعة».
ووفق البخيت، فإن جماعة «الإخوان كانت تسعى إلى السلطة، خصوصاً بعد النجاحات التي تحققت لها في مصر وتونس»، وقال: «لم يكن الأمر غريباً عام 2006 على سبيل المثال عندما سيطرت حركة حماس على قطاع غزة صرح أحد قادة التنظيم، وهو النائب السابق عزام الهنيدي، أن الجماعة جاهزة لاستلام حكم الأردن». وتابع: «تشاورت مع قادة «الإخوان» كثيراً. عرضت عليهم أن يكونوا قريبين، لكنهم قالوا لي بالحرف الواحد: مصلحتنا أن نبقى في الشارع».
وعن العلاقة الحالية بين الجماعة ومؤسسة القصر الملكي، قال البخيت: «المؤكد أن «إخوان» الأردن لا زالوا جزءاً من نسيج الدولة، على رغم أنّ تياراً داخل الجماعة تولى قيادتها وسعى إلى جرّها إلى ما يشبه الاستقواء عند فترات معنية. وشعروا في لحظة ما بأنهم يستحقون مكاسب أكثر. الآن عليهم أن يعيدوا حساباتهم جيداً، وأن يكونوا جزءاً من الحوار. باختصار أن يعودوا كما كانوا سابقاً».
وقال البخيت، وهو لواء عسكري متقاعد سبق أن عمل سفيراً لبلاده لمدّة 3 أعوام لدى تركيّا، ولأشهر عدة لدى إسرائيل، وشكّل حكومته الثانية في شباط (فبراير) عام 2011 قبل أن يقدم استقالته في تشرين الأول (أكتوبر) للسنة ذاتها، إن الأردن «يهدف إلى تحقيق إصلاحات جذرية، لكنها متدرجة وآمنة»، معتبراً أن التعديلات التي طرأت على الدستور المعمول به منذ عام 1952 «قد لا تكون كافية من وجهة نظر البعض، لكنها تؤكد حرص الدولة على المضي نحو الأفضل».
وأردف: «الخلاف الآن على قانون الانتخاب، ومع ذلك كلف البرلمان الحالي إعداد قانون يرضي معظم الأردنيين. يجب أن نتجاوز عقدة الصوت الواحد، وأن يتم اللجوء إلى توسيع الدوائر الانتخابية».
وأشار إلى أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني «ابتدع فكرة الحكومات البرلمانية لكنهم، أي النواب، لم يوفّقوا في تشكيل 3 إلى 4 كتل وازنة تحت القبة. صحيح أن قانون الانتخاب كان له دور سلبي، لكن الرهان كان كبيراً على النواب ليتفقوا في ما بينهم»، لافتاً إلى أن خيار توزير المشرعين هذه الفترة «غير واقعي»، على اعتبار أن الكتل القائمة «تواجه خطر التشرذم». وقال: «لو كانت هناك أحزاب كبيرة تحت القبة لكان الأمر مختلفاً. صحيح أن ثمة تشريعات تعيق عملها، لكن ذلك لا يحد كثيراً من تقدمها». وزاد: «كنت أول من دعا إلى تداول تأليف الوزارات سلميّاً وعلى أسس ديموقراطيّة عام 2006، وكنت في حينه رئيساً للوزراء في الحكومة الأولى التي ألفتها، وذلك قبل الربيع العربي، وهو ما يؤكد سعي الأردن إلى الإصلاح منذ سنوات».
وقال البخيت: «ليس في يوم وليلة تنجز الإصلاحات كافة. هناك فرق بين التوجه الإصلاحي وبين العملية الانقلابية المنظمة، وهي عملية مرفوضة بالمطلق. حاورت كل القوى أثناء حكومتي الثانية على قانون خاص بالانتخابات كنت أرى أنه يلبي تطلعات الأردنيين. حاورت «الإخوان» في هذا الخصوص وقلت لهم: ما رأيكم بقانون يكفل للمواطن انتخاب 3 مرشحين على مستوى الدائرة، ومرشح رابع على مستوى الوطن، لكنهم رفضوا، واليوم يشعرون بالندم».
وأكد البخيت أن الأردن «تجاوز خطر الربيع العربي بإجراءاته الإصلاحيّة واقتراب القيادة من الناس، والتفاعل مع المطالب الديموقراطيّة الإصلاحيّة»، منوّهاً بأن ذلك «لا يعني نهاية المطاف، ولا يستدعي الركون للاسترخاء»، وقال إن القلق «سيبقى متواصلاً طالما يشكو الأردنيون تهميش العدالة، وارتفاع الأسعار، وعدم مكافحة الفساد». وأضاف: «حتى نحقق الإصلاح الذي ينشده الأردنيون، ويستجيب للخصوصيّة الأردنيّة ولحقيقة التحدّيات الداخليّة التي نواجهها، لا بد من تنمية المحافظات على غير النهج الحالي. يجب أن تحظى بمخصصات رأسمالية، وأن يتم التركيز على إيجاد فرص عمل بأسرع وقت. لا بد من أن تقدم الدولة أراضي للأسر لغايات الزراعة وتربية الماشية، وأن تضمن بيع منتجاتهم وتصديرها، وأن تعيد إحياء مبدأ التعاونيّات وفق منظور جديد حداثي ينسجم مع متطلبات العصر». وأوضح: «يجب أيضاً وضع حد لقضايا الفساد، ولا ينبغي تسييسها. على الدولة أن ترسل كل القضايا إلى المحاكم، وأن تعلن نتائجها للرأي العام».
لكنه أردف: «جزء من هذه القضايا كيدي وليس له أصل. أنا أحد الذين اتهموا بقضية قصد منها التشويش والتضليل وخلق انطباعات زائفة، وفي النهاية أثبتت المحكمة عدم وجود أي تهمة من الأساس. ثمة جهات لا أريد تسميتها، لكن المواطن الأردني ذكي ويعرفها جيداً، هدفها إحداث القلاقل في البلاد». وأضاف: «يجب أن لا نغفل عن أن هناك أزمة ثقة بين المواطن والدولة بسبب المناخ الذي نعيشه، وهو مناخ أقرب إلى مرحلة انتقالية تعبّر عن أزمات اجتماعية وثقافية وقيمية... الشباب على سبيل المثل كانوا لا يستطيعون التعبير عن آرائهم. اليوم ومع ثورة الاتصالات، بدأوا بإخراج شحنات الغضب القديمة». وتابع: «لاحظوا حدة التعليقات على المواقع الاجتماعية، والشعارات التي ترفع خلال التظاهرات، كل ذلك له علاقة بحال الغضب لدى الشباب».
وعن وجود سياسيين محافظين لهم سلطة كبيرة داخل المؤسسة الرسمية يتسببون بإجهاض خطط الإصلاح، أجاب: «ثمة قوى شد عكسي تسعى إلى مقاومة التغيير لأنها تخشى النتائج المحتملة». وعن اتهام جهاز الاستخبارات العامة بالوقف وراء أحداث العنف الجامعي عبر تدخله المستمر في السياسات التعليمية، قال البخيت: «لا، أبداً، غير صحيح. خرجت مكاتب الاستخبارات من الجامعات منذ فترة طويلة. لم يعد لها أي دور كما كان سابقاً، بمعنى أن ليس لها مكاتب داخل المؤسسات التعليمية». واستطرد: «المؤكد أن جهاز الاستخبارات يتعرض لاستهداف متواصل. ثمة جهات هدفها تفكيك مؤسسات الدولة»، معتبراً أن هناك «رواسب» تقف وراء هذا العنف، منها «تأخر التعليم العالي داخل الجامعات».
وعن الوضع السوري، قال إن الأردن «يخشى خطر الخلايا النائمة من أي جهة كانت، كما يخشى تقسيم الأرض السورية، أو استدامة الفوضى وفقدان السيطرة، وانعكاس ذلك عليه». وأضاف: «المهم لدى المملكة أن تبقى الدولة السورية موحدة، وأن تتوقف أعمال العنف فوراً، وأن ينجح المجتمع الدولي في إيجاد حل سياسي لإنهاء الأزمة».