ذكرت الكاتبة والرّوائيّة الجزائريّة( أحلام مستغانمي) أنّها ذهبت إلى بيروت في تسعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي حلّق فيه( الشاب خالد) صوب فضاء النّجوميّة العالمية برائعته الخالدة( ددي واه)، وروت بحسرة كيف كان يقابلها اللبنانيون عندما يسألونها: هل أنتِ من بلد الشاب خالد؟ متسغانمي التي كتبت عن النضال الجزائري ورجالاته وأبطاله وشهدائه آلاف الصفحات لم تسعفها إنجازاتها وتميّزها مقابل كلمتين ما يزال معناهما عصيّ على الفهم. وأصبحت لا تُعْرَفُ إلا إذا قُرِنتْ بالشاب خالد طيّب الله ثراه، وثرى الأموات جميعا.
إنّ الرّوائع الغنائية العربية أسهمت في تقدّم الأمة أيّما تقدّم؛ فمعلقة ( طلّ الصبيح ولك علوش) أزاحت الوشاح عن صباحات ربيع عربيّ دامٍ ، ومساءات مجللة بالسّواد وبياض الأكفان، واليُتم ،والترمّل، والتّشرّد، والضياع في حاضرة الأمويين ؛ صباحات تاه فيها المواطن العربيّ لا يعرف شرقه من غربه، لا يميز فيها بين صالح وطالح، ولا بين لدود وودود.
أمّا حاضرة العباسيّين فتشنّف السمع والأذن إلى مقامات ما بعد الاحتلال، تتسيّدها مقامة( الرّمّانة) على أنغام السيّارات المفخّخة، وهزّ أركان المساجد ودور العبادة، بعد أن تحرّر مارد الفتنة من قمقمه، وخبا بصيص لهب مصباح علاء الدّين، ليشتعل سعير المذهبية وجحيمها، في الوقت الذي تتمايل فيه الغواني فاردات الشعور فاقدات الشعور، وكأنّي بـِ ( عاد وثاد) قد عادتا من العصر الجاهلي الأول إلى الجاهلية الحالية التي عشعشت في زوايا مجتمعاتنا. فلن تعثر هناك على مليحة، ولن تجد هناك خمارًا أسودَ، ولا ناسكًا ولا متعبّدًا.
في حين برز في حاضرة الفاطميين، وديار قطز والظاهر بيبرس صنّاجة العربان والعرب يبدع للـ (حنطور والحمار) والدّواب. وتلتهب الأكفّ تصفيقًا ونطنطة وهزهزة على مسمع قاطني أحياء التّرب والمقابر والعشوائيّات، والفقر الممزوج بالحسرة والعالة. وما تزال تلك الدّيار تتلمس طريقها بين أشواك وعثرات ابتداء من سيناء وليس انتهاء بالصّعيد.
أمّا زجل ( بوس الواوا) فهو يؤرّخ لحقبة عاشها اللبنانيّون بالواوا والأوجاع الطائفية والمذهبية، والتّجاذبات السياسيّة فتوّزعت مجاميعهم بين 14 آذار و8 آذار. وما يزال هذا الألم وذاك الوجع ينخر في خاصرة هذا البلد الطّيّب إلى ما شاء دهاقنة السياسة والمليشيات الحزبيّة والطّائفية؛ والمناطقيّة أيضا.
في حين نرى أنّ خالدة( نقلع العين اللي لدّت تلانا) في أردنّ الحشد والرّباط مثالًا حيًّا وصادقًا إلى ثقافة العنف التي أخذت تنساب الهوينى إلى مدرّجات جامعاتنا، وأزقّات حوارينا، وخيام عشائرنا الفسيحة للضيفان، والتي ضاقت بعد أن تصدّر مجلسها الغلمان والفتية، وانحسر فيها صوت الحكماء وتراجع في جنباتها على استحياء حنكة العقلاء والشّيوخ الذين عهدناهم فكّاكي نشب، وحلّالي عُقد، وعاقدي صلح، ومتصدري جاهات ووجاهات. ثقافة عنف تبنّيناها أفرادًا، وأسرًا، وتنظيمات، وجبهات، وأحزابًا؛ حتى بات أحدنا لا يجرؤ على النظر إلى جاره أو زميله طرفة عين خوفًا من أن يرديه قتيلًا لأنّه( جَحَره).
وبعد !!!!
هل وصلنا في الأردن من الأريحية، وهدوء البال، وشبع العيال، ووووو إلى مزاج نستمع فيه طربًا وجذلًا إلى أغنيّة لمطربة أردنية ستنتجها أمانة عمان بمبلغ مرقومه أربعون ألف دينار، بل ويزيد بستمئة أيضًا على ذمّة الرّاوي من المواقع الإخباريّة جزاها الله تعالى عنّا خير الجزاء؟ هل حللنا مشاكل البسطات والخاوات والصرف والمجاري والنوادي الليلية ووووو غيرها كي نردّد على ( أبو الزّلف) و( دقّ ألماني) و( نهري جفوف أيدينا) تسحيجًا وتهليلًا وزغردة؟
وبعد !!!!!!!!
لا يسعني إلّا أن أقول: أمَّةٌ طروب وربٌّ غفور
وصدق فينا المثل القائل: ماكل "هوا" وبحجي نَحَوي.