بلغت مسألة التزوير والتزييف حدّاً غير معقول، حتى أنَّ الجوائز العلميّة مثل (جائزة نوبل) أصبحت لا تُطبَّق في منحها القواعد والشروط العلمية التي وُضعت لمنحها عند تأسيسها، بل أصبح منحها يخضع لمسألة التسيس، والأمثلة على ذلك كثيرة، سنأخذ منها مثالاً من منطقتنا العربية.
لقد مُنحتْ مؤخراً «توكل كرمان» وهي شابة يمنيّة جائزة نوبل للسلام، وبذلك حصلت هذه الشابة على ما لا تحصل عليه أيّة كاتبة أو قائدة عربية مناضلة، والسؤال الآن، من تكون هذه السيدة؟ وما المؤهّلات التي جعلتها تحصل على الجائزة المذكورة؟
زيارة مشبوهة
منذ بضعة أسابيع كانت السيدة النوبلية تزور مخيماً للاجئين سمته المناطق المحررة في ريف إدلب، وقد نُشرت صورها وهي تحتضنُ طفلاً وإلى جانبها آخر، في لقطة إخراجٍ هوليوودية مدروسة ومتناغمة مع التصعيد العسكري والإعلامي على سورية، ثم أصدرت بياناً تدين فيه ما سمته «الخذلان الدولي والإقليمي غير المعقول وغير المسبوق، ابتداءً بعدم توفير الحماية لهم والسماح للنظام السوري بتهجيرهم وهدم منازلهم وقراهم وأحيائهم». بعد ذلك تلّقفتها (شاشة بي بي سي) لتُلعلع بالكلام نفسه عوضاً عن الرد على أسئلة المذيعة أو المُحاورة المقابلة الناطقة الرسمية باسم إغاثة الأمم المتحدة، ولتركّز على نقطتين هما:
1- عدم وجود حفاضات الأطفال.
2- وعدم وصول المساعدات لأنها تمر عبر النظام السوري «حسب تعبيرها»! عن النقطة الأولى، يكفينا أَن نسأل: كم من النساء اليمنيات يعرفْنَ حفاضات الأطفال الجاهزة؟ وحتى في بلادنا العربية، منذ كم من السنين عرفنا هذا النوع من الحفاضات؟ وهل عندما يتم الحديث فعلاً عن مآسٍ إنسانية يكون هذا الجانب مطروحاً للبحث أم إَنَّ المطلوب إثارة موضوع يتعلّق بالأطفال، لما يعنيه ذلك في الدعاية الدولية، وضرورة رسم صورة الجرائم بحق الإنسانية التي كُلفت (كرمان) التحرّك على خطتها؟
بطاقة تعريف
والآن مَنْ «كرمان»؟ هي عضو مجلس شورى حزب الإصلاح اليمني المعادل لحزب النهضة في تونس، وحزب الحرية والعدالة في مصر (أي من جماعة الإخوان المسلمين). أمّا مؤهلاتها فنموذجية لمن يريد الالتحاق بالركب الأميركي- الغربي بتمويلٍ أجنبي كفيل بأنْ يصنع من البعض نجماً وبطلاً ولو كان هذا البعض صفراً، أو لا شيء. هي التحقت بدبلوم الصحافة الاستقصائية في الولايات المتحدة (وهي بدعة إعلامية اخترعوها وخصصوا لها الملايين لاستقطاب الشباب)، علماً بأنَّ ممارسة هذه الصحافة في بلدان الغرب أمر آخر، وأن ممارستها بهذا الاسم كانت تتمُّ في صحافتنا العربية، ولكن لغير حساب مَنْ يريد تخريب المجتمعات! وعندما عادت من الولايات المتحدة ترأست منظمات صحافيات بلا قيود. بعدها هلّت على «كرمان» الخيرات الأميركية والغربية: دكتوراه فخرية من جامعة كندية، دعوات إلى برامج ومؤتمرات خارج اليمن، والأهم مشاركات في حوارات الأديان.
هكذا تقدمها أبواق الغرب.. إضافة إلى أنها كتبت مئات المقالات الصحافية في العديد من الصحف اليمنية والعربية والدولية. وقد اختارتها مجلة «التايم الأميركية» في المرتبة الأولى لأكثر النساء ثورية في التاريخ! كما تم تصنيفها ضمن أقوى 500 شخصية على مستوى العالم، وحصلت على جائزة الشجاعة من السفارة الأميركية! واختارتها منظمة (مراسلين بلا حدود) بين سبع نساء أحدثن تغييراً في العالم، وفي المركز الأول ضمن قائمة أفضل 100 مفكر في العالم من مجلة (فورين بوليسي)، ثم مستشارة شرقية لوزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية في تونس منذ أيار 2012.
من يدقق في الأمر يجد أن المنجز هو ما أُعطي لهذه المرأة لا ما فعلته، وكُّله من أطراف أميركية وغربية فقط.
أما كيف صُورت على أنها مناضلة؟ فقد اقتصر الأمر على خيمة نصبتها في ساحة صنعاء ضد النظام، وكي يصاغ لها تاريخ، فإن وسائل الإعلام الأميركية والغربية تطبِّل بأن المناضلة اعتقلت يوم 24 وتمّ الإفراج عنها يوم 24 (خلال أقل من 24 ساعة)!
ماذا يقول عنها اليمنيون؟
من جهة أخرى، كتب عنها رئيس رابطة حقوق الإنسان في اليمن «المحامي محمد علاو» قائلاً: «رغم ترحيبي بأن تحوز امرأة يمنية جائزة نوبل، إلا أن الجائزة مفترض أن تُمنح لمن تدعو للسلام، وليس لمن تدعو إلى القتل، لافتاً إلى أنه سيكشف عمّن وراء منحها الجائزة، وكم دُفع من المال لذلك؟ أما هي: فقالت: إن رئيس الوزراء القطري هو المسؤول العربي الوحيد الذي بعث لها ببرقية تهنئة بالمناسبة، بدورنا نحن نقول: (مبروك لها تهنئة «حمد» وأمواله وطائراته المكيّفة! وقال عنها صحفي يمني آخر من شباب الثورة اسمه «عادل العودي» ما يلي:
«توكل كرمان لم يَعد لديها الوقت للجلوس في خيمتها، فكيف تجلس في خيمة تتساقط عليها الأمطار ولا تقيها من برد الشتاء وحرارة الصيف؟ كيف تستطيع أن ترى بعينيها الكحيلة أثر دماء على جريح معدم لا يملك ثمن قطعة شاش ينظف دماءه، وهي تستطيع كل يوم أن تسافر على متن أحدث الطائرات المكيفة الأميرية إلى نيويورك أو الدوحة أو اسطنبول أو القاهرة، وتقضي أحلى أوقات الرومانسية التي كانت محرومة منها في أرقى وأحسن الأماكن في واشنطن أو اسطنبول أو باريس أو في الدوحة.
كيف تستطيع أن تحمّل أحلام الشباب في الديمقراطية والحرية، وهي معجبة بديمقراطية (حمد) وديمقراطية العثماني (أردوغان)، وديمقراطية مرسي؟ كيف تستطيع أن تتحمل صوت شباب الثورة بالكرامة والسيادة وهي معجبة بكرامة قاعدة العيديد بالدوحة، وبمنصات الباتريوت في تركيا، وجنود إسرائيل في شرم الشيخ وسيناء..!!».
أما لسان حال (كرمان) فيقول: «قولوا ما شئتم فقد حصلت على ما أريد، وإن كان عليّ أن أسدد بعض الفواتير، وكلما سددتُ أكثر كوفئت أكثر».