لأردن ليس بلدا صناعيا بالرغم من وجود صناعة منتقاة به ونأمل أن تمضي وتتطور إلى الأفضل.
والأردن بلد ليس زراعيا فبعد ان استشرى الفساد في كثير من المسؤولين فيه، وصل الفساد إلى المزروعات التي أصبحت تصاب بالفساد في موجة إثر أخرى.
لذلك فليس أمام الأردن إلا أن يكون بلدا منتجا للخدمات ولذلك كنت أول من أطلق عبارات (تسويق الأردن علاجيا) و (تسويق الأردن تعليميا)، أما تسويق الأردن سياحيا فهو معروف ويسعى الأردن إلى تثبيته على مدى عقود كثيرة.
إلا أن السياحة في الأردن ليست في أحسن حالها فعلى المقاييس العالمية الأردن لا ينال إلا الفتات من السوق السياحي العالمي بالرغم من أنه يمتلك أفضل المقومات والسبب الأساس لذلك هو خطأ السياسات والقرارات المتعلقة بالتسويق السياحي، إما لضعف إداري أو فساد واستغلال لصالح جهات معينة.
وكمتخصص في هذا المجال يمكن لي إبداء أكثر من ملاحظة أبدأها برسوم الدخول للمواقع السياحية التي يتم فرضها وزيادتها بطريقة عشوائية وغير مدروسة، وكان ليس آخرها الزيادة في رسم دخول مدينة البتراء الوردية. تم وفي أواخر الشهر التاسع من العام الماضي الإعلان عن زيادة رسوم الدخول لها من واحد وعشرين دينارا إلى خمسين دينارا دفعة واحدة وبررت الزيادة أنها ستشمل مجموعة من الخدمات التي ستقدم للسائح على مراحل وبالرغم من بدء تقاضي الرسم الجديد، لم يتم تقديم أي من الخدمات الموعودة. المثير في هذا الموضوع أن الزيادة فرضت على وكلاء سياحة معينين ولم تفرض على وكلاء آخرين واستمر تقاضي رسم الدخول القديم منها بحجة ارتباطها بعقود مع شركات خارج الأردن والعارف بالموضوع يعرف أن كل وكلاء السياحة في المملكة يرتبطون بعقود مع وكلاء من خارج المملكة. رائحة الفساد تزكم الأنوف فكيف يتم تقاضي الرسوم قبل الزيادة من مكاتب معينة والرسوم بعد الزيادة من مكاتب أخرى؟
قد لا يصدق البعض هذه المعلومة لكنها مؤكدة وباستطاعة هيئة مكافحة الفساد تقصّي الحقيقة وستصل إلى نفس النتيجة وأعتقد أنها بالتعاون مع ديوان المحاسبة إن كان له قدرة على التدخل في الموضوع بإعتبار البتراء من المناطق الخاصة التي تدار بقانون خاص، يمكن تحصيل الفروقات ممن تم تمييزهم وهو مبلغ ليس بالهين إلا أنه حق عام وليس حق خاص ليتم إسقاطه والسماح به.
الملاحظة الثانية بخصوص تأشيرة الدخول التي تمنح بالمطار فقد صدرت تسهيلات كثيرة تمنح لجنسيات معينة وهذا قرار جميل في حد ذاته إلا أن ربط القرار بتقدير خاص لضابط أو مسؤول على نقطة الحدود جعل من التعليمات تبدو كمهزلة، فقد ربط قرار منح التأشيرة بمظهر السائح. فمثلا السائح الذي يأتي بلا حذاء أو يكون منظره منفرا أو يرتدي بنطالا قصيرا، قد يقرر الضابط المخول بتقدير حالة السائح عدم منحه التأشيرة فيعاد السائح دون أدنى تردد. المشكلة أن الضابط المسؤول لا يدرك أنه في بعض البلدان تكون ( ثقافة الحذاء ) غير موجودة بسبب الحرارة الشديدة ويعتاد الناس في تلك البلدان على أعلى مستوياتهم على لبس ( الشبشب ) أو ( الصندل ) أو في بعض الأحيان إطلاق لحية ( غير مرتبطة بالدين ) أو أن يكون مرتديا بنطالا قصير ( شورت ). أحيانا يكون الضابط المسؤول والمكلف بنظره الثاقب بتقدير منح التأشيرة أو عدم منح التأشيرة غير موجود كأن يكون يتناول طعامه أو في جولة على أحد المرافق، ويصل سائح يكون رجل أعمال أو دين وله وزنه ويبدأ البحث عن الضابط. وإلى حين يتم إيجاده يتحفظ على السائح في غرفة ضيقة ( نظارة أو حبس ) مع العديد من الآخرين. قبل أيام رأى مندوب مهندسا وزوجته وهي مهندسة أيضا محشورين في ( النظارة ) لساعات لحين حضور المسؤول عن تقييم الناس. نعم يتم إهانة السائح والتعامل معه بصورة غير حضارية بل ومخجلة لمجرد أن شخصا ما لم يستوعب روح التعليمات وتقيد بحرفيتها أو أن التعليمات صدرت بشكل لا يغطي كل الحالات وعالجت كل الأمور. كان يمكن السماح للسائح أن ينتظر في ساحة أو في مقهى أو مطعم وعلى حسابه الخاص حتى تأتي الموافقة أو الرفض. نعم لا توجد مقاه أو مطاعم في المنطقة ما قبل الحصول على التأشيرة لكن هذه ليست مسؤولية السائح.
أيضا ربط قرار منح التأشيرة بأن يبرز السائح مبلغ ألف دولار أمريكي بالرغم من قدومه على كفالة مكتب سياحي مرخص له باستقدام المجموعات السياحية، ولدى السائح حجز في فندق وسيارة خاصة ومرافق، وسدد رسم دخول المواقع السياحية قبل قدومه للبلد. ومع ذلك يصر موظف الأمن على أن يرى مبلغ الألف دولار بأم عينيه فإذا أبرزها مندوب المكتب نيابة عن السائح، لا يقبل المسؤول ويصر على أن يبرز السائح المبلغ من جيبه الخاص أو من محفظته الخاصة. قد تبدو الصورة كالنكتة لكنها فعلا ما يتم تطبيقه في المراكز الحدودية وليس هناك من يستطيع أن يتخذ القرار بتجاوز هذه الصورة الهزلية. في كل دول العالم يعتبرون أن مجرد إبراز حجز فندق أو وجود مندوب للمكتب السياحي يلغي شرط إبراز النقد.
الملاحظة الثالثة في موضوع الأدلاء السياحيين، فقد شاركت بأكثر من ورشة عمل من تنظيم هيئة تنشيط السياحة وبحضور مسؤولين أجانب عن إرسال السياح إلى الأردن وقد أجمعوا كلهم على أنه من أكبر مشاكل العملية السياحية هو سوء بعض ( كثير ) من الأدلاء السياحيين. فهم يمارسون أبشع أنواع الإستغلال للسائحين بيعا وشراء في المطاعم ومحلات بيع التحف والمنتجات السياحية ويتقاضون عليهم عمولات تصل إلى 50% ناهيك عن إصرارهم على أن يدفع السائح ( بخشيش ) عالي ويفاوضونه كأنهم أصحاب حق. بعضهم لا يجيد اللغة التي يتكلمها السائح وبعضهم خاصة في المناطق الثابتة لا يعطون السائح الوقت الكافي.
المطلوب من الجهات المسؤولة زيادة الرقابة على الأدلاء وعدم السماح لهم بإيذاء العملية السياحية. كما أن البلد يفتقر إلى الأدلاء باللغات الأخرى فغالبية الأدلاء يجيدون الإنجليزية فقط والبلد بحاجة لأدلاء في كل اللغات الأخرى. يكاد يكون من المستحيل أن يتوفر دليل في اللغة الفرنسية أو الإيطالية أو الإسبانية أو الروسية أو اليابانية. مطلوب تشجيع خريجي الجامعات وخاصة اللغات على امتهان هذه المهنة الجميلة التي تحتك بالسياح من مختلف دول العالم والتي تعود بفوائد مجزية على الأدلاء وأعرف شبابا حاصلين على شهادة الدكتوراة في الهندسة ومع ذلك اتجهوا لمهنة دليل سياحي لعدم توفر عمل لهم في تخصصهم. كما لا أعمم في موضوع الإساءة فبعض الأدلاء خاصة الذين يلتزمون مع مكاتب معينة هم مثال في الإنضباط وعكس الصورة الجميلة لبلدهم لأنه في الأساس لا يسمح المكتب الذي يلتزمون بالعمل معه، لا يسمح لهم بتجاوز حدود الخطأ ويجزل لهم العطاء مما يغنيهم عن الإساءة للسياح. كما أدعو جمعية الأدلاء السياحيين أن تكثف جهودها للعناية بالأدلاء وتوفير الضمان الإجتماعي والصحي لهم دون تحميلهم كافة المصاريف. يمكن أن تتحمل الحكومة أو وكلاء السياحة أنفسهم أو هيئة تنشيط السياحة جزءا من الضمان الإجتماعي للدليل الذي يثبت أنه يعمل بشكل مستمر، ويمكن ربط ذلك بالأجرة التي يتقاضاها الدليل من وكلاء السياحة كأي موظف آخر. وللعلم فإن أجرة الدليل اليومية الذي يعمل بلغة غير الإنجليزية تزيد بنسبة أكثر من 50% على أجرة الدليل باللغة الإنجليزية. بعض أدلاء اللغات الأخرى يشترطون أحيانا ضعف الأجرة المقررة رسميا وهي خمسين دينارا يوميا بالإضافة لبدلات السكن والأكل والتنقل والإكراميات. شخصيا أنصح شبابنا وشاباتنا بالتوجه إلى هذه المهنة شريطة تعلم أية لغة غير الإنجليزية
ولنا عودة مع وزير السياحة الأردني... شخصيا.
walidsboul@hotmail.com