يحاول الأردن، منذ نشأته كنتيجة للإرهاصات غير الحميدة التي مر بها الوطن العربي، أن يسلك نهج الوسطية في سياسته الخارجية. فحتى في قمة المواجهة بين المعسكرين، الغربي بقيادة الولايات المتحدة والشرقي بقيادة الإتحاد السوفيتي، وحروبهما الباردة والساخنة، كان الأردن على علاقات، شبه متوازنة بين المعسكرين. وكان، قيادة وشعباً ودوراً، يتمتع بنوع من الإحترام والرعاية، بل والحماية غير المنظورة، من طرفي الصراع. وإستمرت السياسة الأردنية على هذا النهج بعد إنتهاء الحرب الباردة، التي كانت مؤشراتها الأولية إنهيار جدار برلين وتفككل الإتحاد السوفيتي وإعلان ما يسمى بالنظام الدولي الجديد (1989-1991).
والمتابع للسياسة الخارجية الأردنية يجد فيها الكثير من « البراغماتية» التي تهدف إلى حماية الأردن، وجوداً ومصالح حيوية، في عالم «تنخر» عظامه الصراعات والإختلالات الإستراتيجية، وفي إقليم تطغى على ملامحه الحروب والدماء والأشلاء الآدمية. ولإيمان الأردن بحتمية التوازن الدولي، وفي هكذا مناخ سياسي مريب وغير مريح، جاءت زيارة الملك عبدالله الثاني إبن الحسين إلى موسكو، 18-20/2/ 2013، والألتقاء مع الرئيس الروسي « بوتين» وأركان الدولة الروسية.
وقطعاً فإن هذه الزيارة لم تخرج عن ُبعدين: قومي ووطني. فما تحدث عنه جلالة الملك، سواء في لقاء القمة مع الرئيس « بوتين» أو من خلال لقاءات جلالته مع باقي المسؤولين الروس كان يعبر عن المصالح ألأردنية والمطالب العربية والقومية. وحتى ما يتعلق بالاردن فلم يخرج عن كونه بحثا عن بناء أردن اقوى وامتن من أجل خدمة الامة ومنعتها. كما جاءت الزيارة لتعزز الانجاز العربي العام لما فيه مصلحة العرب و العروبة، فاول ما بحثه جلالة الملك مع الرئيس الروسي هو كيفية الوصول إلى حل للخلاف الدائر اليوم على الأرض السورية، والذي لن يستفيد منه سواء أعداء الأمة والمتربصين بها. كما أن القضية الفلسطينية وتداعيات الاوضاع التي يعيشها الشعب الفلسطيني سياسيا وامنياً واقتصادياً واجتماعياً، لم تكن غائبة عن عقل ووجدان الملك في زيارته لموسكو.
حيث ركز الملك على مركزية الدور الروسي، ليس لحل المعضلة التي تعاني منها سوريا فحسب، بل حاول قدر إستطاعته، ان يلتقط كل الخيوط الايجابية في العلاقات الروسية- العربية بشكل عام والروسية- الأردنية بشكل خاص، وان يشكل منها مجدولا قوياً، ربط فيه كل القضايا الاخرى التي تسهم في تعميق العلاقات الروسية العربية وتجذيرها، واوثق بها كل المخرجات، وما كان يمكن ان يقود الى الفشل تم تطويعه الى حالة من النجاح والتوفيق، قد تكون غير مسبوقة. ولم يكتف جلالته بذلك، بل أعتقد أنه حاول إبلاغ القيادة الروسية بأن العالم العربي عاتب على سياستهم في العقدين الماضيين وإنعزالها، وتركها العرب وما يسمى بشرقهم الأوسط، للقوى الأخرى لتستفرد بمصيرهم بعيداً عن الحق والعدل وفرضية التوازن.
ان إستجلاءً سريعاً وعاماً لمجمل ما دارت حوله النقاشات مع القيادة الروسية يدل وبكل وضوح على ان جلالة الملك قد افرد مساحات واسعة من لقائه لتحقيق مصالح الامة، وعلى رأسها ما أفرزه الربيع العربي من حق الشعب العربي في الحياة الكريمة المقرونة بالحرية والديمقراطية والإصلاح والمشاركة السياسية.
أما على المستوى الوطني الأردني، فقد كانت العملية الإصلاحية، بشقيها السياسي والإقتصادي، بالإضافة إلى ما يعانية الأردن من مشاكل إقتصادية ومالية على رأس سلم أولويات الملك في لقائه مع الإدارة الروسية.
لقد حاول الملك إيصال العديد من الرسائل المهمة للروس، والتي قطعاً تسهم في تجذير الصداقة العربية-الروسية، .من أجل الأمن والإستقرار والسلام الدائم المبني على العدل وحقائق التأريخ والحضارة
بقلم : د. سحر المجالي