لطالما تغنت الحكومات الاردنية بالمستوى الاداري المتميز الذي يتمتع به العاملون في القطاع العام ،نتيجة التاهيل والتدريب عالي المستوى الذي تلقاه الموظف الاردني وجعله قادرا على اداء مهامه بشكل صحيح وفاعل.
التميز الوظيفي في الادارة المحلية كان كفيلا بجعل سمعة الموظف الاردني تنتقل الى دول المنطقة بشكل رائد ، جعل الطلب على الايدي الاردنية كبيوت خبرة في قطاعات متعددة في العمل العام اساسا للنهوض في الكثير من دول الجوار.
اساس الفاعلية للموظف العام كانت تستند لعدة عوامل ابرزها ، هيبة الجهاز العام والوقار الذي يحيط بالمنصب الرسمي ، وحالة الاحترام الشديد الذي كان يتلقاها الموظف العام من المجتمع رغم محدودية الدخل ، وهذا يرجع الى ان الموظف مهما اعتلى بمنصبه يبقى مفهوم العمل العام لديه خدمة لوطنه ومواطنه ، وهو يشعر بسعادة عندما ينجز معاملاتهم ، فهو يصب في نمو العمل العام للدولة .
كما ان المناصب في السابق كان التدرج فيها امر مستسل وطبيعي ، بحيث نرى في النهاية بعد سنوات من العمل في مواقع رسمية عد، ان ذلك الموظف اصبح امينا عاما او حتى وزيرا ، وهنا يكمن سر قوة استمرارية فاعلية العمل العام وعدم الانقطاع في الاداء .
للاسف المظاهر السابقة لم تعد فاعلة في منظومة العمل الرسمي ، فاليوم نشاهد ترهلا اداريا هائلا فيه ، واعدادا كبيرة من الموظفين المحسوبين على القطاع الحكومي ، والنتيجة ان الانجاز في تراجع وبات المجتمع يشاهد سلوكيات ادارية مشينة في القطاع العام شوهت من صورته واثرت على منجزاته .
اصلاح القطاع العام في المملكة خلال السنوات الاخيرة اصطدمت بلوبيات التوظيف التي ضغطت على كافة الحكومات لتحقيق مصالح خدمية مناطقية بعيدة عن مفهوم التاهيل والتدريب والحاجة .
فاساس عمليات التوظيف مؤخرا كان يتم لضغوطات اجتماعية نتيجة تنامي معدلات البطالة من جهة ، وصفقات بالخفاء كانت تتم بين جهات رسمية ونيابية من جهة اخرى ، والمحصلة اعداد هائلة من العاملين في وزارات ومؤسسات رسمية لم تعد الخزينة اليوم قادرة حتى على تلبية نفقاتهم التشغيلية.
الاخطر من ذلك كله هو ان مستوى الخدمة العامة تراجعت في مضامين واتجاهات عديدة ، فالسلم الوظيفي في القطاع العام بات شاغروه دون عمل او حاجة وحتى ان كان هناك حاجة فمسالة تاهيل الموظف مفقودة ولا يجد من يعرفه ويؤهله على عملية العمل الرسمي في تلك المؤسسة او الدائرة وهذا ما اثر على مستوى الخدمة العامة .
في السابق كان معهد الادارة العام يقوم بمسالة التدريب لكافة موظفي وكوادر الدولة ، لكن يبدو نتيجة لضعف الموارد وتنامي ضغوطات التعيينات تراجع دور المعهد في هذا القطاع الحيوي .
اليوم عندما تتحدث الحكومات عن مسألة الاصلاح في القطاع العام وزيادة انتاجيته وفاعليته ، واعادة هيكلته ، فان الامر يقتصر فقط للحديث عن الرواتب والعلاوات والزيادات السنوية ، دون ربط البعد المادي بالبعد العملي والتاهيلي للمنصب وشاغله .
الاصلاح الاداري للقطاع العام بحاجة ثورة في عمليات التدريب والتاهيل للموظفين والمتسبين قبل الغوص باعمالهم ، حتى يتسنى لهم فهم خصوصية وظيفتهم وطبيعة الاعمال والواجبات المناطة بهم .