في البداية اعتقدت انا وغيري اننا في الاردن دخلنا ببرنامج تصحيح اقتصادي جديد مع صندوق النقد الدولي ، والذي كانت حكومة فايز الطراونة قد وقعته في اخر عهدها ، ونفذته الحكومة الحالية بكافة تفاصيله .
الحقيقة ان هذا الاعتقاد خاطىء ، فالاردن لم يوقع برنامج تصحيح جديد مع الصندوق ، وكل ما جرى هو اتفاق منح تسهيلات مالية للاردن بقيمة ملياري دولار في السنوات الثلاث المقبلة ، مقابل تعهد الحكومة بتحقيق جملة من المطالب الاقتصادية.
اذن الاتفاق مع الصندوق يشبه اي قرض او تسهيلات تحصل عليها شركة مقابل تحقيق بعض الشروط ومنها ضمان السداد وجدوى المشروع الممول ، لان الاتفاق لا يتضمن اي شيء جديد ، ولا يشمل اي امور تتعلق بالسياسة المالية او النقدية التي كانت برامج التصحيح السابقة والتي كان اخرها سنة 2004 تركز على تلك المسائل بشكل جوهري ، اضافة الى تناولها قطاعات الضريبة والاسثمار وغيرها من القطاعات الاقتصادية التي يتم الاتفاق على معالجة الاختلالات فيها.
الاردن التزم في اتفاقه مع الصندوق على التخلص التدريجي من الدعم ، وتقليل العجز كنسبة من الناتج المحلي الاجمالي والالتزام بسداد كامل لاقساط وفوائد الدين العام التي تناهز ال850 مليون دولار سنويا.
هذه التزامات عامة وتتكرر في كل الخطابات الحكومية وبلاغات الموازنة العامة ، الاساس هو التنفيذ والتقيد فيما جاء بقانون الموازنة العامة والذي اعتدنا على اختراق بنوده وتجاوز مؤشراته ومخالفة مضمونه من قبل الحكومة ذاتها ، ومن ثم العمل على علاج سوء التقديرات الحكومية من خلال اللجوء لجيوب المواطنين .
اتفاق الاردن مع صندوق النقد الدولي لم يتطرق نهائيا لمعالجة الاختلالات الهيكلية التي يعاني منها الاقتصاد الاردني .
فقطاعات الاستثمار والضريبة وبيئة الاعمال تعاني من عوائق كبيرة تحول دون التوسع فيها ، ولا يعالج فقدان الاستقرار التشريعي الذي اصاب تلك القطاعات ، وباتت تشكل ارقا وقلقا للمستثمرين المحليين والاجانب معا، فلا قوانين دائمة في الضريبة والاستثمار ، ومازال التعدد في المرجعيات الاقتصادية حاصل والتهرب الضريبي موجود ، لا بل حتى القطاعات الاقتصادية التي كنا نمتلك فيها ميزة تنافسية عالية مثل الاتصالات والصحة والتعليم خسرناها مقابل تشريعات مؤقتة .
للاسف لايوجد اي برنامج اقتصادي وطني للاردن وكل ما في الامر هو خطة مشاريع تم تضمينها ضمن برنامج وصفت بانها وطنية ولكن مازال السؤال الغائب ، هل باستطاعة الحكومة ان تقول للاردنيينن عن مدى القيمة الاقتصادية المضافة لتلك المشاريع من حيث مدى قدرتها على التشغيل والتوظيف وزيادة الصادرات واستخدام مدخلات انتاج محلية .
الاردن ليس بحاجة الى اتفاق قرض مع الصندوق ، انما بحاجة الى خارطة اقتصادية وطنية تحدد توجهات الاقتصاد ، وتعمل على ازالة التشوهات الحاصلة في بعض القطاعات ، وتعمل على ربط السياسات التنموية بالنمو الاقتصادي العام للدولة .