لم تكن مبادرة رأس الدولة جلالة الملك ، برد قانون الإنتخاب لمجلس النواب ، لأسباب ودوافع إجرائية ، بقدر ما كانت دوافعه ، موضوعية تقدمية تتوسل تعديل نسبة القوائم الوطنية وزيادة عددها ، الذي تم من 17 إلى 27 مقعداً ، لم تكن تلك المبادرة إلا تعبيراً عن قراءة تبحث عن وضع مقدمات تجعل الأردن ينتمي لعالم المستقبل ، عالم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين كافة الأردنيين على السواء ، والذي إستقر في ذهن الأردنيين وضمائرهم على أنه الأول لأنه وطنهم وبيت إستقرارهم ومن ثم تتالى خطوات الإهتمام بفلسطين ولكل ما هو من حولنا وللوطن العربي والإسلامي على التوالي ، بدون أي تعارض أو تناقض بين هذه وتلك ، بل هي قضايا متتالية واجبة ومكملة لبعضها البعض لتكتمل صورة المشهد الأنساني الذي نحن جزء منه وإمتداد له .
في الأنحياز للقوائم الوطنية ، من قبل رأس الدولة جلالة
الملك ، لا بد من التسجيل أن هذا الأنحياز يُلبي ، مطالب وتطلعات الأردنيين في أن
يكونوا ويتفقوا على أن الأردن أولاً ، ليس فقط على المستوى العربي ، بل أيضاً
الأردن أولاً على المستوى المحلي ، فهو له الأولوية على الجهوية والجغرافيا وحتى
عدم الأنحياز كما سماه جلالة الملك لذوي
القربى ، فالأنحياز كما أراد جلالته وفق ورقته الحوارية ، الأنحياز للوطن وللأردن ولنائب الوطن ، وليس لذوي القربى من
العائلات أو الجهة أو المحافظة .
قيمة القائمة الوطنية ، أنها تخترق حدود المحافظات والألوية
والمناطق كي تتشكل القوائم من مرشحين ممثلين لأهالي المدن والريف والبادية
والمخيمات ، ويتم التصويت للقائمة الوطنية الجامعة من هذه المكونات كي يتم التصويت
لها أيضاً من الناخبين المسجلين من أبناء المدن والريف والبادية والمخيمات ، بشكل
موحد وجمعي .
إنها المرة الأولى في تاريخ المملكة التي يتم التصويت
فيها لكافة الأردنيين من كافة الأردنيين ، بحيث لم يعد التصويت مقتصراً من الناخب للمرشح
إبن محافظته أو منطقته أو عائلته .
في المظهر الإنتخابي ، ثمة مظاهر للتأمل تفرض التوقف ،
لحجم القوائم مقارنة بعدد المرشحين من الدوائر المحلية ، مما يدلل مرة أخرى على
مدى تقدير الأردنيين ورهانهم على القوائم ، وهو رهان مستجد ، لم تكن خبرته معهودة
في تقاليدنا الأنتخابية ، ولكنه يعكس كوامن الأردنيين على أن العمل الجماعي ، كما
هو لدى كل المجتمعات المتحضرة ، هو العمل المثمر المنتج القادر على توفير متطلبات
الأداء البرلماني ، وصولاً إلى حكومات برلمانية ، وإلى تلبية الإحتياجات الضرورية
للمواطنين بإعتبارهم أداة الإنتخابات وهدفها .
إنتخابات المجلس السابع عشر ، محطة إنتقالية ، بين
الدوائر الفردية وبين الدوائر الوطنية ، ونجاح الأخيرة سيفتح البوابة نحو مستقبل
التعددية والديمقراطية لشعبنا وبلدنا .