في خطوة لم تخل من مفاجأة،"دعا"رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض إلى مقاطعة بضائع إسرائيل جميعها، وليس سلع المستوطنات فقط. الدعوة إيجابية، لكن المخيّب أن إسرائيل "تقرر" وفياض "يدعو". ولعل الرد المناسب أن نرى الشرطة الفلسطينية تصادر بضائع المستوطنات. ربما يرد فياض على إسرائيل بهذه الطريقة بحكم أنّه آت من عالم الاقتصاد والمال. والسؤال أولا: ما هي جديّة الخطوة؟ وثانيا: هل هي مرتبطة بوقف إسرائيل للأموال الفلسطينية وحسب؟ وثالثا: ماذا عن خروقات إسرائيل الأخرى، وهل يجب انتظار وقف الأموال حتى تتم الدعوة إلى المقاطعة؟ ورابعا: إسرائيل خرقت اتفاقيات أوسلو أمنيا، فلماذا لا تتم مقاطعتها أمنيا، حتى وإن أدى هذا إلى مواجهة؟إذا كان فياض قد أتى من عالم الاقتصاد، والمقاطعة التجارية ربما من أدواته التي يتقنها، فماذا عن رجال الأمن الفلسطيني، وقادة الفصائل، القادمين من معارك البندقية والسياسة والمقاومة بأنواعها؟فياض لم يقرر مقاطعة البضائع الإسرائيلية، بل دعا إليها، فنصّ ما قاله الأحد الماضي هو: "سبق أن أصدرنا قراراً بمقاطعة منتجات المستوطنات، واليوم أدعو المواطنين إلى مقاطعة المنتجات الإسرائيلية ردا على العدوان الذي تشنه علينا".أكّد المتحدث باسم أجهزة أمن السلطة الفلسطينية عدنان الضميري، مؤخرا، أنّ تغييراً وتحولاً كبيرين سيطرآن على وضع المؤسسة الأمنية، بعد الحصول على دولة مراقب في "الأمم المتحدة". ويبدو أنّ أفراد الشرطة الفلسطينيين، الوطنيين "المساكين"، لم يستمعوا إلى الشق الثاني من حديث الضميري الذي أوضح مقولته: "سيكون بإمكان جهازي الشرطة والأمن الوطني الانضمام إلى قوات حفظ السلام الدولية تحت العلم الفلسطيني". ومن هنا تصدّت الشرطة الفلسطينية مدعومة بالمواطنين، قبل نحو أسبوعين، للجنود الإسرائيليين في منطقة باب الزاوية في الخليل. وبحسب الرواية الفلسطينية، حاول الجنود اعتقال شرطي فلسطيني، فحصلت المواجهة. وبحسب الرواية الإسرائيلية، حاول الشرطي منع اعتقال الجنود فتى فلسطينيا. كانت الحادثة اختبارا أول، بعد إعلان الدولة، لأفراد الشرطة ونجحوا فيه. وبعد يومين اعتقل الجيش الإسرائيلي اثنين من قيادات المخابرات الفلسطينية في يطا جنوب الخليل، وبدا أنّ فرزا جديدا يتطور. ثم جاء تصريح وزير خارجية إسرائيل المستقيل أفيغدور ليبرمان، بأنّ أفراد الشرطة الفلسطينية الذين ضربوا الجنود الإسرائيليين لا يجب أن يبقوا على قيد الحياة. كانت دعوة صريحة للقتل لم تأخذ ما تستحق من رد فعل فلسطيني، رسميا وشعبيا. ولكن ما هي إلا أيام، حتى اعتقلت الشرطة الفلسطينية فلسطينيين غاضبين على قتل الإسرائيليين للفتى الفلسطيني محمد السلايمة، فيما يبدو أنه محاولة لمنع انفجار الوضع، وجزء من التنسيق الأمني.يمكن أن يوجّه سلام فياض رسالة قوية إلى الإسرائيليين تجعلهم يعيدون حقا حساباتهم، إذا تآزرت الشرطة الفلسطينية والناشطون الفلسطينيون في حملة مداهمة لكل محل يبيع بضائع للمستوطنات، ومصادرتها وإتلافها أمام الناس. وكذلك وضع جدول زمني لوقف بيع كل البضائع الإسرائيلية، ومراقبة الطرق المؤدية إلى محال السوبرماركت الإسرائيلية، من مثل رامي ليفي، ومساءلة من يشتري من هناك. ثم إعلان قرار رسمي بآليات تنفيذ واضحة لمقاطعة البضائع الإسرائيلية، وتنظيف رام الله مثلا من الخضار والفواكه الإسرائيلية، التي هي أساس السوق. ومواجهة الجمهور بأن حديث من يقول بضرورة توفير بدائل، بلا معنى. فكثير من الأمم تعيش حالة حصار وعوز للبضائع الأساسية، فلا بأس من تجربة نقص البضائع إلى حين، وهو ما سيدعم قطاعات فلسطينية مثل المزارعين.خرقت إسرائيل "أوسلو" منذ سنوات طويلة، بدخولها منطقة (أ). وهذا أدعى، خصوصا بعد الدولة، إلى رفض التنسيق الأمني وتجميده. ومقاطعة السلع مقابل ذلك مبررة، خاصة مع حجز الأموال الفلسطينية. إن السعي إلى التهدئة الدائمة على غرار ما حدث في الخليل لا يعني إلا سياسة خنق إسرائيلية بطيئة، وتجاهلا دوليا. ومواجهة الخطوة الإسرائيلية بخطوات مضادة في الاتجاه ومساوية في القوة هي ما يخلق أزمة تتطلب تدخل العالم.لا يكون الرد على "قرار" إسرائيل وقف الأموال "بدعوة" من رئيس الوزراء الفلسطيني، بل "بقرار" مضاد، تنفذه الشرطة الفلسطينية، وبإعلان برنامج تصعيد متدرج إذا لم تلتزم إسرائيل.ahmad.azem@alghad.jo
لماذا لا يقرر فياض مقاطعة البضائع الإسرائيلية؟
أخبار البلد -