ربما يشكل مشروع الدستور المصري الذي بدأ الاستفتاء الشعبي عليه يوم أمس، المنفذ الأخير المتاح للخروج من الأزمة التي تفجرت في "مصر الثورة" منذ الإعلان الدستوري للرئيس محمد مرسي في 22 تشرينالثاني (نوفمبر) الماضي. لكن مثل هذا المخرج يبدو ممكناً فقط في حال رَفْض المصريين لمشروع الدستور، والعودة من ثم إلى تشكيل جمعية تأسيسية جديدة بالانتخاب المباشر، تتولى وضع (مشروع) دستورجديد. أما إقرار المشروع الحالي، فلا يعني، وفق المعطيات الحالية، إلا استمرار الانقسام، وحالة عدم الاستقرار التي باتت تشكل تهديداً حقيقياً لمصر على غير صعيد؛ يبدأ بوضوح من الخسائر الضخمة التي تلحق بالاقتصاد، ولا ينتهي عند المخاطر الاجتماعية والأمنية المتفاقمة.لكن،هل يفيد المعارضة المصرية فعلاً العودة إلى الشعب لانتخاب أعضاء جمعية تأسيسية جديدة، بحيث يضمنون عدم سيطرة الإسلاميين عليها؛ من إخوان مسلمين وسلفيين؟ وإذ يبدو هذا أمراً صعب المنال، إن لم يكن مستحيلاً، فهل يعني ذلك أن مصر ستبقى تدور في حلقة مفرغة من الصراع بين الإسلاميين وبين سواهم من القوى السياسية والاجتماعية إلى ما لانهاية؟!هكذالا يبقى من حل إلا الجيش الذي يجب أن يتولى زمام السلطة بدلاً من الإسلاميين! والحقيقة أنه إبان حكم حسني مبارك وتصاعد الحديث عن توريث الحكم لابنه جمال قبل الثورة، طرح كثير من السياسيين المصريين بديلاً واحداً هو الجيش، بسبب إدراك هؤلاء غالباً لحقيقة أن الإسلاميين، ولاسيما الإخوان المسلمون، هم بمثابة قدر مصر في أي انتخابات حرة نزيهة، بغض النظر عن أسباب ذلك. وإذا صح أن المعارضة المصرية، أو جزءا منها على الأقل، تسعى بشكل واع إلى تمديد الأزمة لجر الجيش إلى التدخل وتولي زمام السلطة ولو إلى حين، فلا يجوز في المقابل تبرئة الرئيس مرسي وجماعة الإخوان المسلمين عموماً من تواطؤ محتمل مع الجيش. يبدو ذلك في نصوص مشروع الدستور المصري موضع الاستفتاء حالياً، والذي أكد على الوضع المميز للمؤسسة العسكرية بشكل يوازي البرلمان في بعض الجوانب.فبموجبالمادة (146) من المشروع، لا يحق لرئيس الجمهورية إعلان الحرب وإرسال قوات مسلحة إلى الخارج إلا بموافقة "مجلسالنواب بأغلبية عدد الأعضاء"، لكن "بعدأخذ رأي مجلس الدفاع الوطني" الذي يتشكل في غالبيته، بحسب المادة (197) من عسكريين وأمنيين (وزيرالدفاع، ورئيس المخابرات العامة، ورئيس أركان حرب القوات المسلحة، وقادة القوات البحرية والجوية والدفاع الجوي، ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، ومدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، إضافة إلى الرئيس ورئيس الوزراء، ورئيسي مجلسي النواب والشورى، ووزراء الخارجية والمالية والداخلية). كمايتولى هذا المجلس "مناقشة موازنة القوات المسلحة، ويجب أخذ رأيه في مشروعات القوانين المتعلقة بالقوات المسلحة".أحدتفسيرات الثورة المصرية أنها لم تكن أكثر من انقلاب عسكري. وسواءصح ذلك أم لا في السابق، فإنها تبدو اليوم في طريقها إلى أن تكون كذلك بسبب صراع القوى السياسية التقليدية من كل الأطياف. وقبل ذلك بسبب عدم قدرة صانعي الثورة الحقيقيين، من كل الانتماءات السياسية والاجتماعية، على التعبير عن أنفسهم بشكل مؤسسي مستقل، يقطع الطريق على المستعدين للتضحية بالثورة لأجل مصالحهم أو حتى عداواتهم "التاريخية" ذات الأولوية على مصر كلها.manar.rachwani@alghad.jo
نهاية الثورة المصرية؟
أخبار البلد -