حديث الملك في «الرأي» حسم خيارات الدولة في عدد من القضايا الرئيسية، ووجه رسالة مهمة لكافة اطياف الدولة، سواء التي كانت في السلطة ام خارجها، ومن يتفحص كلام جلالته يجد ان هناك نقاطا محورية يجب التوقف عندها بتمعن .
فقرار رفع اسعار المحروقات ليس الاجراء الوحيد او الكفيل بانقاذ الاقتصاد الوطني من ازمته الراهنة، فهناك عدة خطوات لاحقة يجب على الحكومة استكمالها من جانبها ولا يقبل تاخيرها كما جرت العادة من الحكومات السابقة .
وفي هذا الاطار فان الحكومة مطالبة باقرار حزمة قرارات واجراءات تبدأ بنفسها قبل المواطن، وهي مواصلة ضبط الانفاق، وترشيد الاستهلاك في كافة القطاعات، والعمل على اطلاق ثورة تحديث في البيئة التشريعية الاقتصادية لتكون اكثر حفزا للاعمال والاستثمار .
النقطة الاخرى تتعلق بالمسيرات والحراك، فالملك يؤكد مرة اخرى انه مع المطالب العادلة للحراك والمسيرات السلمية ،والتي تركز على اعادة توزيع مكتسبات التنمية بشكل اكثر عدالة، ولا يقلق النظام دخول اشخاص بين الحراك والمسيرات السلمية بغرض التخريب واثارة الفزع بين صفوف المواطنين، فحرية التعبير حق اصيل للمواطن كفله الدستور لا يستطيع احد ان يسرقه .
اما عن الانتخابات، فالملك ارادها وسيلة عبور لمرحلة انتقالية جديدة حيث تبدأ مرحلة الاصلاح من داخل البرلمان وليس الشارع ؟ فالتغيير يحدث عبر المؤسسات الدستورية ان وجدت، فهي تحل محل الشارع الذي يعمل وقت الفراغ في العمل المؤسسي الرسمي، فالانتخابات ليست نهاية عملية الاصلاح، انما هي البداية لتأسيس مرحلة جديدة في التنمية الشاملة باشراف مؤسسات الدولة الدستورية المنتخبة من الشارع نفسه.
لذلك كان التأكيد الملكي من جديد على ان قانون الانتخاب الحالي ليس نهائيا، لكنه في متناول مجلس النواب القادم، الذي يملك قرار نفسه بتغيير ما يشاء ويعدل وفق آراء المجتمع، فالاصلاحات تاتي من رحم المؤسسات الدستورية اولا واخيرا .
الحدث الملكي ركز على أن الانتخابات النيابية المقبلة نقطة تحول في عملية الاصلاح باتجاه تعزيز مفهوم المساءلة والمحاسبة والمراقبة، فالمجلس القادم سيحتل جزءا كبيرا في المشهد السياسي المحلي، بسبب دوره الرقابي من قبل نوابه الممثلين للناخبين ، فالمساءلة والمشاركة السياسية لا تنتهي بالاقتراع، بل هي عملية مفتوحة ومستمرة عبر رقابة أداء النواب ووضعهم أمام مسؤولياتهم، مع ترسيخ عملية مساءلة الناخبين للنواب والحكومة المنبثقة عن البرلمان القادم من حيث التزامهم ببرامجهم الانتخابية، ووضع الحلول لمختلف التحديات.
الملك حدد منذ الان اولويات عمليات الاصلاح المقبلة والتحدي الرئيس امام المجلس النيابي المقبل، فهناك اولويات لا يجوز للنواب تجاوزها، فهي على رأس المطالب الاصلاحية التي لا يجوز تأخيرها مثل قوانين الكسب غير المشروع الرادع للفساد، وقانون ضريبة دخل تصاعدي وقانون الضمان الاجتماعي، وقانون المالكين ومستأجرين، وقانون انتخاب يطور التمثيل الحزبي ويرسخ تجربة الحكومات البرلمانية، وقانون حماية المستهلك، وقوانين تشجيع استثمار قادرة على جذب الاستثمارات النوعية والمولّدة لفرص العمل للأردنيين ورفد الاقتصاد الوطني,ودعم تلك التشريعات بحزمة سياسات قابلة للتنفيذ مثل سياسات وطنية للتشغيل وتوليد فرص العمل، والارتقاء بخدمات التعليم، وتحسين خدمات الصحة والنظافة العامة، بالإضافة إلى تشجيع وتسهيل الاستثمار في قطاع الطاقة خاصة مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة، وإيجاد مبادرات سريعة لمواجهة مشاكل وتحديات النقل العام. ومن الأولويات أيضاً الاستثمار والتخطيط الجيد في قطاع الزراعة بما يحقق مستوى أعلى من الاعتماد على الذات والأمن الغذائي، وترشيد الإنفاق الحكومي والاستهلاك العام للطاقة والمياه، والاستغلال الأمثل للموارد، والاستمرار في حماية الحريات الإعلامية المسؤولة، وإصلاح القطاع العام.
حديث الملك واضح في تبيان مسيرة الاصلاح الوطني، لكن المهم ان تلتقط القوى الوطنية والحكومة معا النقاط المضيئة التي رسمها جلالته، للخروج بأردن اكثر امنا واستقرارا ليصبح انموذجا اصلاحيا في منطقة يشوبها الاضطراب وعدم الاستقرار والاحتقان الشعبي.