محمد علاونة
"الغربان تحوم فوق بيتنا، يا الله كم حامت وكم ستحوم ستبقى الدار..وسيبقى الغد لنا"، بهذه الكلمات عبّر ماجد توبة الصحفي في صحيفة الغد في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، وبالمناسبة هو من خيرة الصحفيين الذين انتقلوا من صحيفة العرب اليوم للمساهمة في مشروع الغد.
الدار مصطلح أطلقه قبل أكثر من 15 عاما الناشر رياض الحروب عند إطلاق العرب اليوم كثالث صحيفة يومية مستقلة في البلاد على سبيل التغيير مع وجود صحيفتي الرأي، تملك مؤسسة الضمان الاجتماعي 55 في المئة منها، والدستور، 7 في المئة، قبل أن تشتبك "العرب اليوم" مع حكومة عبد الرؤوف الروابدة آنذاك وتتعرّض لانتكاسة خلصت إلى بيع الصحيفة، بعد أن طرحت مواضيع حساسة تتعلّق بالمياه والغذاء، وليس أخيرا بيع أنابيب النفط العراقية.
مناقلات وتغييرات سريعة في الوسط الصحفي تمّت ملاحظتها خلال العامين الماضيين، وهو عمر الربيع العربي، يشي بوجود أيد خفية تتحرك باتجاه الإعلام، كما تحرّكت في ملفات أخرى مهمّة -على سبيل المثال لا الحصر- تجاه "الاحتجاجات" و"الانتخابات" وقرارات اقتصادية، وكأنها ترغب بضبط الإيقاع؛ ليتماشى مع تلكؤ في ملف الإصلاح الشامل، وبقاء الحال كما هي عليه، لكنها تتجاهل أنّ المرحلة حساسة ولا تحتمل مزيدا من التأزيم.
يلاحظ إعلاميون على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" غياب أعمدة ثلاثة كتاب رئيسيين في صحيفة الغد، يتساءل أحدهم: "ما الذي يحدث في الغد؟"، يشاطره زميل بجملة مقتضبة: "منذ أيام لم أقرأ الغد لسبب ما"، يأتي جواب الثالث مطمئنا: "صديقي، الأيام تكشف عن كل شيء".
الإعلامي موسى برهومة عبّر عن تضامنه مع الكتّاب الذين توقّفوا عن الكتابة؛ احتجاجا على التدخلات التي وصفها بـ"العرفية" التي "ضاقت ذرعا بسقف التعبير في الصحيفة التي اختارت الاعتصام بالحقيقة، ورفضت تزييف وعي القراء، والانضمام إلى ميليشيات الكذب والتحشيد والكراهية".
برهومة نفسه قبل أن يؤسس موقعا إلكترونيا حمل اسم "في المرصاد"، طلبت منه إدارة الغد تقديم استقالته قبل إنهاء عقده، في جوّ غامض لم تعرف تفاصيله بعد، باستثناء أنّه يتعلق بالحريات وخط الصحيفة.
الكتّاب هم رئيسة تحرير الصحيفة جمانة الغنيمات التي نشر مقالها الأخير في 21 من الشهر الماضي وكان بعنوان "لا تقاعد للنواب"، تثني فيه على قرار الملك عبد الله الثاني بعدم الموافقة على إعلان بطلان القانون المؤقت المعدّل لقانون التقاعد المدني، وبالتالي عدم منح النواب والأعيان والوزراء تقاعداً أبدياً.
الزميلة جمانة التي تسلّمت رئاسة تحرير الصحيفة بداية العام الحالي أثارت قضايا عدة تمسّ حياة الناس، من خلال تشخيص الفقر والبطالة، وليس أخيرا السياسات الاقتصادية المتّبعة وعلاقتها بالممارسات الخاطئة التي تراكمت عبر الحكومات المتعاقبة.
شخصيا أجزم بأنّ غنيمات عارضت بشدة قرارات الحكومة الأخيرة المتعلقة برفع الدعم عن المشتقات النفطية، على الأقل من حيث الشكل والطريقة رغم أنّها تدعو إلى معاجلة سياسة الدعم ككل على اعتبار اختلالها، لكنها لطالما كانت متعاطفة مع الطبقات المتوسطة والفقيرة.
الكاتب الآخر هو فهد الخيطان، الذي تمّ تعيينه في الصحيفة بالتزامن مع تسلُّم غنيمات منصبها وبوظيفة مستشار تحرير وكاتب يومي، كان قد خاض تجربة سابقة في "العرب اليوم" عندما كان يرأس تحريرها، وتوقّف عن الكتابة آنذاك فجأة، ليكشف للرأي، مع رئيس مجلس إدارتها طاهر العدوان ومدير تحرير الدائرة الاقتصادية سلامة الدرعاوي، عن تقديم استقالتهما؛ بسبب ما برروه بـ"التباين في وجهات النظر بين رؤية رئاسة تحرير الصحيفة وتصورات المالك الجديد"، بعد أن أصبحت بين يدي مالك جديد، وهو رجل أعمال يدعى إلياس جريسات.
الثالث هو الدكتور محمد أبو رمان، الذي نشر آخر مقالاته في 28 الشهر الماضي عندما تساءل فيه عمّا حدث لـ"منطقة معان التنموية"؟ وعرض في أكثر من مقال الوضع المأزوم في البلاد، دون أن يغفل عن التذكير بالحلول وطرح كثيرا من المقترحات.
العدوان بدأ يكتب مقالا يومياً في صحيفة الرأي شبه الحكومية، بحكم ملكية كبرى لمؤسسة الضمان الاجتماعي، واستقالته من "العرب اليوم" جاءت بعد أن شغل منصب وزير دولة لشؤون الإعلام والاتصال قبل استقالته من الحكومة؛ بسبب قوانين "تقييد حرية الرأي" في 21 حزيران الماضي.
الدرعاوي زامل العدوان في "الرأي" قبل أن يعلنان عن مشروع صحيفة إلكترونية حملت اسم "المقر"؛ إذ يرأس مجلس إدارتها الثاني ورئاسة تحريرها الأول، وما يجب التوقف عنده أنّ المموِّل الرئيس هو الدكتور رجائي المعشر طرف الصفقة الثاني في بيع "العرب اليوم" للطرف الأول جريسات.
"المقر" وعلى لسان الدرعاوي، روَّجت لنفسها قبل انطلاقها بداية الشهر الحالي بأنّها ستضمّ "نخبة الإعلاميين في الأردن، ونقصد بكلمة النخبة الأكثر خلقا وأدبا ومهنية".
قبل أن يشرح في انطلاقتها الرسمية بأنّ أولوياتها "احترام الرأي وتعزيز الحريات ومكافحة الفساد وتقديم الحقيقة بمهنيّة وموضوعيّة، بالاعتماد على استقصاء المعلومة والبحث عن الخبر وما وراء الخبر من خلال تغطيات شاملة لآخر المستجدات والأخبار، وتقديم أدقّ التحاليل والتقارير والندوات الفكرية المتخصصة مستعينين بالتكنولوجيا الحديثة".
لا يمكن وصف تلك التنقلات بـ"التحولات الدراماتيكية"، لولا أنّها تحدث في بلد عدد الصحف اليومية فيها أربع فقط بارزة: "الرأي" وهي تحمل وجهة نظر الحكومة، "الدستور" شبه حكومية، "العرب اليوم" التي عانت أزمتين بعد صدورها بعامين منذ أكثر من 15 عاما عندما اشتبكت مع الروابدة، والآن عند نقل ملكيتها بالتزامن مع استقالة ثلاثة كتاب رئيسيين، و"السبيل" التي تحوّلت إلى يومية بعد أن صدرت لمدة 17 عاما كأسبوعية، ومحسوبة على خط المعارضة مع تأكيدها أنّها تسعى للحقيقة بشتى أشكالها.
وبموضع سؤال: هل تمارس ضغوط رسمية على الإعلام؟ الجواب نعم على لسان كثير من الإعلاميين، لكن هل اختلفت وسائل الضغط تلك في ظلّ تحوّلات تشهدها المنطقة، وانعكست على شكل احتجاجات في الشارع، أفضت إلى طريق مسدود بين قوى المعارضة المطالبة بالإصلاحات والدولة؟
ذلك يقود إلى سؤال أكثر أهمية: إن كانت الجهات الرسمية تعي ضحالة ردّة فعلها على الوضع القائم، تحديدا تجاه الحريات وفي هذا الوقت الحساس، حتى أنّ إعلاميا يستغرب مستهزئا أنّ تلك التدخلات لاقت رفضا قاطعا في زمن الاستقرار! فكيف ستكون تداعياتها الآن في ظلّ جوّ مشحون محليا وإقليميا؟
تلك التنقلات تعكس أيضا وجود شرخ داخل الوسط الإعلامي بين من استسلم لتطويع حكومي؛ لرغبة في الكتابة، وبقاء العلاقة وطيدة مع مهنة لا تفرز إلاّ للإدمان وكسب العيش، والبحث عن طريق سالك يضمن حرية الكتابة وطرح الرأي بدون مضايقات.
في كل الأحوال، فإنّ تطويع الإعلام لم يكن مجديا قبل الآن، فهل سيكون ذا جدوى في زمن "الربيع العربي" و"التغريد"؟
"الغربان تحوم فوق بيتنا، يا الله كم حامت وكم ستحوم ستبقى الدار..وسيبقى الغد لنا"، بهذه الكلمات عبّر ماجد توبة الصحفي في صحيفة الغد في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك"، وبالمناسبة هو من خيرة الصحفيين الذين انتقلوا من صحيفة العرب اليوم للمساهمة في مشروع الغد.
الدار مصطلح أطلقه قبل أكثر من 15 عاما الناشر رياض الحروب عند إطلاق العرب اليوم كثالث صحيفة يومية مستقلة في البلاد على سبيل التغيير مع وجود صحيفتي الرأي، تملك مؤسسة الضمان الاجتماعي 55 في المئة منها، والدستور، 7 في المئة، قبل أن تشتبك "العرب اليوم" مع حكومة عبد الرؤوف الروابدة آنذاك وتتعرّض لانتكاسة خلصت إلى بيع الصحيفة، بعد أن طرحت مواضيع حساسة تتعلّق بالمياه والغذاء، وليس أخيرا بيع أنابيب النفط العراقية.
مناقلات وتغييرات سريعة في الوسط الصحفي تمّت ملاحظتها خلال العامين الماضيين، وهو عمر الربيع العربي، يشي بوجود أيد خفية تتحرك باتجاه الإعلام، كما تحرّكت في ملفات أخرى مهمّة -على سبيل المثال لا الحصر- تجاه "الاحتجاجات" و"الانتخابات" وقرارات اقتصادية، وكأنها ترغب بضبط الإيقاع؛ ليتماشى مع تلكؤ في ملف الإصلاح الشامل، وبقاء الحال كما هي عليه، لكنها تتجاهل أنّ المرحلة حساسة ولا تحتمل مزيدا من التأزيم.
يلاحظ إعلاميون على مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" غياب أعمدة ثلاثة كتاب رئيسيين في صحيفة الغد، يتساءل أحدهم: "ما الذي يحدث في الغد؟"، يشاطره زميل بجملة مقتضبة: "منذ أيام لم أقرأ الغد لسبب ما"، يأتي جواب الثالث مطمئنا: "صديقي، الأيام تكشف عن كل شيء".
الإعلامي موسى برهومة عبّر عن تضامنه مع الكتّاب الذين توقّفوا عن الكتابة؛ احتجاجا على التدخلات التي وصفها بـ"العرفية" التي "ضاقت ذرعا بسقف التعبير في الصحيفة التي اختارت الاعتصام بالحقيقة، ورفضت تزييف وعي القراء، والانضمام إلى ميليشيات الكذب والتحشيد والكراهية".
برهومة نفسه قبل أن يؤسس موقعا إلكترونيا حمل اسم "في المرصاد"، طلبت منه إدارة الغد تقديم استقالته قبل إنهاء عقده، في جوّ غامض لم تعرف تفاصيله بعد، باستثناء أنّه يتعلق بالحريات وخط الصحيفة.
الكتّاب هم رئيسة تحرير الصحيفة جمانة الغنيمات التي نشر مقالها الأخير في 21 من الشهر الماضي وكان بعنوان "لا تقاعد للنواب"، تثني فيه على قرار الملك عبد الله الثاني بعدم الموافقة على إعلان بطلان القانون المؤقت المعدّل لقانون التقاعد المدني، وبالتالي عدم منح النواب والأعيان والوزراء تقاعداً أبدياً.
الزميلة جمانة التي تسلّمت رئاسة تحرير الصحيفة بداية العام الحالي أثارت قضايا عدة تمسّ حياة الناس، من خلال تشخيص الفقر والبطالة، وليس أخيرا السياسات الاقتصادية المتّبعة وعلاقتها بالممارسات الخاطئة التي تراكمت عبر الحكومات المتعاقبة.
شخصيا أجزم بأنّ غنيمات عارضت بشدة قرارات الحكومة الأخيرة المتعلقة برفع الدعم عن المشتقات النفطية، على الأقل من حيث الشكل والطريقة رغم أنّها تدعو إلى معاجلة سياسة الدعم ككل على اعتبار اختلالها، لكنها لطالما كانت متعاطفة مع الطبقات المتوسطة والفقيرة.
الكاتب الآخر هو فهد الخيطان، الذي تمّ تعيينه في الصحيفة بالتزامن مع تسلُّم غنيمات منصبها وبوظيفة مستشار تحرير وكاتب يومي، كان قد خاض تجربة سابقة في "العرب اليوم" عندما كان يرأس تحريرها، وتوقّف عن الكتابة آنذاك فجأة، ليكشف للرأي، مع رئيس مجلس إدارتها طاهر العدوان ومدير تحرير الدائرة الاقتصادية سلامة الدرعاوي، عن تقديم استقالتهما؛ بسبب ما برروه بـ"التباين في وجهات النظر بين رؤية رئاسة تحرير الصحيفة وتصورات المالك الجديد"، بعد أن أصبحت بين يدي مالك جديد، وهو رجل أعمال يدعى إلياس جريسات.
الثالث هو الدكتور محمد أبو رمان، الذي نشر آخر مقالاته في 28 الشهر الماضي عندما تساءل فيه عمّا حدث لـ"منطقة معان التنموية"؟ وعرض في أكثر من مقال الوضع المأزوم في البلاد، دون أن يغفل عن التذكير بالحلول وطرح كثيرا من المقترحات.
العدوان بدأ يكتب مقالا يومياً في صحيفة الرأي شبه الحكومية، بحكم ملكية كبرى لمؤسسة الضمان الاجتماعي، واستقالته من "العرب اليوم" جاءت بعد أن شغل منصب وزير دولة لشؤون الإعلام والاتصال قبل استقالته من الحكومة؛ بسبب قوانين "تقييد حرية الرأي" في 21 حزيران الماضي.
الدرعاوي زامل العدوان في "الرأي" قبل أن يعلنان عن مشروع صحيفة إلكترونية حملت اسم "المقر"؛ إذ يرأس مجلس إدارتها الثاني ورئاسة تحريرها الأول، وما يجب التوقف عنده أنّ المموِّل الرئيس هو الدكتور رجائي المعشر طرف الصفقة الثاني في بيع "العرب اليوم" للطرف الأول جريسات.
"المقر" وعلى لسان الدرعاوي، روَّجت لنفسها قبل انطلاقها بداية الشهر الحالي بأنّها ستضمّ "نخبة الإعلاميين في الأردن، ونقصد بكلمة النخبة الأكثر خلقا وأدبا ومهنية".
قبل أن يشرح في انطلاقتها الرسمية بأنّ أولوياتها "احترام الرأي وتعزيز الحريات ومكافحة الفساد وتقديم الحقيقة بمهنيّة وموضوعيّة، بالاعتماد على استقصاء المعلومة والبحث عن الخبر وما وراء الخبر من خلال تغطيات شاملة لآخر المستجدات والأخبار، وتقديم أدقّ التحاليل والتقارير والندوات الفكرية المتخصصة مستعينين بالتكنولوجيا الحديثة".
لا يمكن وصف تلك التنقلات بـ"التحولات الدراماتيكية"، لولا أنّها تحدث في بلد عدد الصحف اليومية فيها أربع فقط بارزة: "الرأي" وهي تحمل وجهة نظر الحكومة، "الدستور" شبه حكومية، "العرب اليوم" التي عانت أزمتين بعد صدورها بعامين منذ أكثر من 15 عاما عندما اشتبكت مع الروابدة، والآن عند نقل ملكيتها بالتزامن مع استقالة ثلاثة كتاب رئيسيين، و"السبيل" التي تحوّلت إلى يومية بعد أن صدرت لمدة 17 عاما كأسبوعية، ومحسوبة على خط المعارضة مع تأكيدها أنّها تسعى للحقيقة بشتى أشكالها.
وبموضع سؤال: هل تمارس ضغوط رسمية على الإعلام؟ الجواب نعم على لسان كثير من الإعلاميين، لكن هل اختلفت وسائل الضغط تلك في ظلّ تحوّلات تشهدها المنطقة، وانعكست على شكل احتجاجات في الشارع، أفضت إلى طريق مسدود بين قوى المعارضة المطالبة بالإصلاحات والدولة؟
ذلك يقود إلى سؤال أكثر أهمية: إن كانت الجهات الرسمية تعي ضحالة ردّة فعلها على الوضع القائم، تحديدا تجاه الحريات وفي هذا الوقت الحساس، حتى أنّ إعلاميا يستغرب مستهزئا أنّ تلك التدخلات لاقت رفضا قاطعا في زمن الاستقرار! فكيف ستكون تداعياتها الآن في ظلّ جوّ مشحون محليا وإقليميا؟
تلك التنقلات تعكس أيضا وجود شرخ داخل الوسط الإعلامي بين من استسلم لتطويع حكومي؛ لرغبة في الكتابة، وبقاء العلاقة وطيدة مع مهنة لا تفرز إلاّ للإدمان وكسب العيش، والبحث عن طريق سالك يضمن حرية الكتابة وطرح الرأي بدون مضايقات.
في كل الأحوال، فإنّ تطويع الإعلام لم يكن مجديا قبل الآن، فهل سيكون ذا جدوى في زمن "الربيع العربي" و"التغريد"؟
