رغم مرور سنوات عديدة على رحيل فقيد الوطن والأمة والإنسانية جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين بن طلال طيب الله ثراه
ففي السابع من شباط لعام 1999 ودعنا الأب الحاني والملك الباني بقلوب يملئوها الحزن ويغمرها الألم وبنفوس خاشعة راضية بقضاء الله وقدره عشنا صدمة فراقه ورحيله في ذلك اليوم المشهود وقعت نازلة القدر فلم نعد حينها نرى مواقع خطانا فقدنا شيخ العشيرة وقائد المسيرة هدي الأمة وصاحب المناقب الحميدة والخصال المجيدة والسجايا العطرة التليدة

سديد الرأي وحكيم القيادة حليم العقل وحصيف المنطق الوفي لأهله ووطنه وأمته الذي وضع القواعد ورفع البنيان لوطن ما كان يوما إلا صحراء مقفرة وتجمع بشري متنقل تملاء حياته البداوة

لقد كان المصاب كبير وجلل والوفاء اليوم واجب مثل ما كان حقا على العين أن تدمع وعلى القلب أن يصدع وعلى النفس أن تجزع على رحيلك أيها الملك والأب والأخ الصادق الصدوق ولكنها إرادة الله وقضائه أن نعيش معك ونفارقك ونبكي عليك ونحزن بعدك

فلقد كنت في حياتك عظيما جوادا عطوفا تدين لك الرجال بالحكمة وسداد المشورة ورجاحة العقل والرأي وهكذا جاءوا يوم وداعك ليسجلوا أمام مهابتك تقديرا واحتراما وحزنا ما حازه من قبلك ولا غيرك أحدا من الملوك والزعماء


لقد غبت عنا ووضعت وطنا صغيرا فقيرا فوق ذرى المجد وبين الحضارات والأمم حينما تحققت المعجزات التنموية الشاملة التي جبلت بكدك وجهدك وفكرك وعطاء كل الأردنيين

ففي كل ذرة من تراب الأردن نلحظ صوتك الهادر ثقة ورجولة نردد صداه كلما تاهت بنا دروب الحياة

في كل دقة قلب ونبض حياة نلمس خيرك وبذلك وعطاءك وفوق كل جبين لطفل يتيم أو عاجز مقهور أو أرملة مستغيثة نرى يداك تمتدان وفيهما الخير والكرم والأمل

وفي كل درب أو مسيرة نتطلع إلى إنسانيتك الفريدة التي نحتمي بها حين تعصف بنا الرياح العاتيات وتدلهم علينا الخطوب

ولعفوك وصفحك وسماحتك بكت العاديات وضحى بعدما ترجل فارسها وشاخ الحزن في أفئدتها

أنت فينا وستبقى بيننا معنا لم ترحل وان غاب منك الجسد نراك في كل انجاز يزين صروح الوطن العامرة بالتميز والإبداع

فكم عثرة لمضطر أقلت وكم عن مسئ سامحت وعفوت وكم مريضا واسيت وكم من طالب علمت وكم من يتيم رعيت وكم من محتاج أعنت و كم من ملهوفا أغثت وما ضاق صدرك لتناقضات الأهل وظلم ذوي القربى فما جردت سيفك يوما من غمده لتنتقم لنفسك

إذا هي إرادة الله التي مضت بك الى رحمه وفضله حين تبعك هدير البكاء دما صادقا ينزع القلوب

يا رب العائلة وسيد القوم وشيخ العشيرة يا عميد البيت كيف لا وأنت السند والمعتمد يا من جعلت من الأردن وشعبه شغل نهارك وهم ليلك وشاغل فجرك نم في لحدك الطاهر قرير العين في ظلال رحمة ربك فها هو صفيك وخيارك ونسلك يستحث الخطى بعزم الأوفياء وصدق المخلصين على طريق دربك الشريف بالروح الأردنية الصافية والهاشمية النقية ليبقى الأردن في أروع صور التلاحم والتماسك والمواطنة والوطنية ترتسم على جباله الشامخة وفوق هضابه الشماء لوحة العز العربية الفريدة محبة ووفاء مابين الشعب والقيادة

ونحن الأهل والعشيرة الشعب والجيش المهاجرين والأنصار عزوتك على العهد الذي قطعه الأجداد والإباء باقون نلتف حول الوطن والقيادة نضع الأردن في حدقات العيون نسورا أردنية هاشمية تحرس الأرض وسنابل القمح وطرقات الوطن

نحمل رسالتك الخالدة ونسير على نهجك القويم بخطاك نقتدي وبفكرك نهتدي لنا العزم والعزة والعزوة والأمل في كل الأردنيين الشرفاء المخلصين الذين تركتهم في كل حقل وميدان وفي أيديهم معاول البناء وحبات العرق الطاهرة تقطر من جباههم ليكملوا مسيرة البناء والنماء ويرفعوا راية أردن العروبة والمجد فوق ذرى المجد والسؤدد

عهدا لروحك الطاهرة أبى عبد الله الهاشمي الأجل وفي هذا الزمن الصعب والوطن يختلف أهله على مستقبله والخناجر تستل لغدرنا والخناجر المنافقة أتلفت سمعنا وحكوماتنا لم ترحم ضعفنا وشدت الأحزمة على بطوننا حتى بان عظمنا وتركوا كل فاسد يتلوا علينا قيم الشرف والأمانة ومحبة الوطن انقسمنا بعدك سيدي موالاة ومعارضة ونحن جميعا قلوبنا على الوطن ومستقبل أجياله لكنها سياسة الحكومات شقت صفنا الوطني الواحد بعدما سرق ونهب أزلامها وكتائب المحاسيب والأقارب والانسباء كل الشركات الوطنية التي بنيت لتكون عدة ورصيد لعزة وكرامة الأجيال

لقد تهافت علينا من بعدك يا ابن الهوا شم وزراء بلا خبرات أضاعوا كل المكتسبات والانجازات وأصبحنا نسابق الزمن في تغيير الحكومات وتفريخ الوزارات ومجالس نوابنا غدت الرديف والسند للحكومات يبحثون عن المزايا والتقاعد وألون الجوازات وأسوئها مجلس أل 111 المزور لا رده الله لنا ولا أسف عليه بعدما انحل ومات

معارضتنا كما هي يسيطر عليها لون واحد يجيش الشارع يأتون متأخرين ويجلسون في المقدمة المصالح أولا وليس الأردن وأحزابنا لا زالت تحبوا على خطى جدتي مصابة بالكساح وانتخاباتنا النيابية والبلدية معطلة بالتأجيل وفي غيبوبة قد تطول

أما عن الفاسدين فقد غطوا البلاد ظلما للعباد ومنذ رحيلك حتى الساعة لم نستطيع استعادة أي شئ من المنهوب أو المسروقات وكل رئيس حكومة يأتي يطالب الشعب بالأدلة والبراهين والبيانات والغلاء اهلك أرواحنا ولا يوجد من يرحم ضعفنا وأصبحنا نقف طوابير على أبواب المساجد والجمعيات وأولادنا يستجدون أهل الخير على الإشارات
مديونيتنا متصاعدة وميزانيتنا شائخة وعاجزة نستجدي النفط والغاز ولا مجيب لنا بعدما افتقدنا حكمتك وعقلك وطريقتك السحرية في إدارة العلاقات الأردنية مع الأشقاء والأصدقاء

شوارعنا ودوا ويرنا وساحاتنا ملتهبة في كل جمعة نعيش طوارئ الزحمة والاغلاقات والخوف من المجهول وأفواه جديدة انفتحت علينا لا تراعي حرمة ولا محرمات كل الخطوط الحمراء تبدلت والسجون امتلأت بشباب الحراكات والربيع العربي اقتلعت رياحه بعض أوتاد خيمتنا ولكن عمودها صامد لازال يقاوم ليبقى الأردن واحة أمن ورخاء يكون فيه الإنسان أغلى ما نملك كما كنت تردد في كل الارجاء

لقد تبدلت وجوهنا وقناعاتنا وانتماءاتنا ولو قدر الله لك عودة إلينا لفوجئت بما آل إليه حال الوطن ومصيرنا من عذاب وردة وظلم كل أصحاب الكروش المنفوخة بمال الحرام أكلوا حقنا في الحياة الكريمة والقوة التنفيذية ( الحكومات ) تحميهم وتتستر عليهم ونحن الفقراء لا زلنا يا سيدي وحق من أنت في حياض رحمته ندفع فاتورة الفساد والمديونية والعجز بقسوة وظلم واستقواء من قوت أطفالنا وستر حرائرنا

لكنه الوطن الأردن الأشم الذي بنيت لن نخونه ولن نتحول عنه ولن نرضى بديل له ورغم كل الذي كان وسيكون نعاهد الله ثم روحك الطاهرة:

أن يبقى السيف الذي بين أيدينا قرشيا عربيا أردنيا وعهدا أن تبقى السواعد الوفية قابضة على جمر الوحدة الوطنية لا يشق صفها عابث ولا فاسد ولا مشكك وان تبقى صخرة التحدي الوطنية صلدة في كل قرية ومدينة وبادية ومخيم ليظل الأردن منيعا عزيزا شامخا في إنسانه وكيانه كما أردته دوما والله نسأل لك الرحمة والمغفرة والجنة