وأوصى المعهد الذي يعتبر منظمة غير ربحية أو حزبية، تعمل على دعم وتعزيز المؤسسات الديمقراطية حول العالم، بضرورة قيام الجهات الرسمية بجملة من الإجراءات الخاصة لتعزيز نزاهة العملية الانتخابية، من بينها إصدار تعليمات خاصة بالإفصاح المالي للمرشحين، وتوضيح إجراءات تشكيل الحكومات البرلمانية للرأي العام، ومنع أي تأثير أو تدخل غير مبرر على الناخبين، بخاصة من "الأجهزة الأمنية".
جاء ذلك في تقرير أعدته بعثة من المعهد خلال زيارة له بدعوة من الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات النيابية والجهات الحكومية، خلال الفترة ما بين الرابع والثامن من الشهر الحالي، كجزء من مبادرة دولية محتملة لمراقبة الانتخابات النيابية.
ورصدت الدراسة التي نسخة منها، جملة من المشاهدات التي تسبق العملية الانتخابية المقررة في الثالث والعشرين من كانون الثاني (يناير) المقبل، كما اعتمدت على لقاءات أجراها الوفد مع مسؤولين حكوميين وممثلي أحزاب سياسية ومواطنين وناشطين سياسيين وصحفيين ومنظمات مجتمع مدني ومراقبي انتخابات محليين، إضافة إلى المسؤولين في الهيئة.
في الأثناء، أشارت البعثة في تقريرها، إلى ملاحظتها ما أسمته "انتشار" حالة من عدم الاهتمام لدى النخب السياسية الأردنية، وضعف الحماسة من قبل المواطنين العاديين للانتخابات القادمة، مردها إلى "ضعف الثقة" بالانتخابات والكيانات المنتخبة من جهة، والاستياء العام الذي أظهرته القوى السياسية من قانون الانتخاب، سواء المشاركة منها أو غير المشاركة.
ولفتت البعثة إلى رصدها حالة من القلق "الواسع" حول احتمالية التزوير أو التلاعب بالانتخابات، بما في ذلك شراء الأصوات، وبعض المخاوف بشأن الحاجة لتوفير كادر متفرغ في الهيئة، حيث إن غالبية الموظفين في الهيئة تم تعيينهم بموجب عقود قصيرة الأجل.
وخلص التقرير إلى أن الانتخابات التي ستشهدها البلاد، تأتي في خضم ضغوطات داخلية وخارجية، منها غياب الاستقرار الاقتصادي، واضطرابات إقليمية حادة، وهي قضايا ذات أولوية لدى القادة والمواطنين على حد سواء، فيما لفت إلى أن الأردن منذ بداية الربيع العربي شهد مظاهرات متواصلة على نطاق محدود، وبالتالي فإن حدة الاحتجاجات الأخيرة على رفع أسعار المشتقات النفطية تزيد من مستوى الغضب الشعبي واحتمالية المزيد من الانقسام والعنف.
كما توقفت البعثة، بحسب التقرير، عند الإيجابيات التي تسبق العملية الانتخابية، من اعتماد نظام نيابي مختلط ووجود هيئة مستقلة، وتخصيص قائمة وطنية بواقع 27 مقعدا، اعتبرتها استحداثا مهما رغم "محدودية" تأثيرها.
ونقلت البعثة ما أسمته "استمرار تركز الجدل بشكل كبير حول مساوئ النظام المختلط، ووجود بعض المسائل العالقة، في عدم معالجة قضية التقسيم غير العادل للدوائر الانتخابية لصالح المناطق الريفية، ما يضر بالمواطنين من أصل فلسطيني، والذين يقطن معظمهم المدن، وهم يشكلون نسبة كبيرة من السكان.
ورصد التقرير استياء قوى سياسية من عدم الأخذ بعين الاعتبار بمقعد المرأة في القائمة الوطنية، فيما أكد أن مسؤولين حكوميين اعترفوا علناً بضعف القانون، ولكنهم شجعوا المواطنين على المشاركة بالانتخابات سعياً لتفعيل إصلاحات اكثر عمقا من قبل البرلمان المقبل.
وأشار إلى أن غياب الوضوح في آلية تشكيل الحكومات قد يكون أحد عوامل الفتور الذي يبديه الأحزاب والمرشحون.
وبحسب الآراء التي استمعت إليها البعثة، رأت أن القانون الجديد لن يسمح بتشكيل تحالفات، حتى وإن حصل حزب أو مجموعة ما على ما نسبته 50% من الأصوات على المستوى الوطني، حيث سيحصل على 14 مقعدا فقط من المقاعد النسبية المستحدثة.
وبينت البعثة أن الآراء توافقت على أن النظام الحالي يعطي حوافز لوجهاء المناطق المحلية والعشائر لتشكيل قوائم نسبية من أجل تعزيز نفوذهم الشخصي، وهي ممارسات، بحسب التقرير، "بدأت فعلاً" ، قائلة إنها "تثبط من عزيمة الأحزاب للقيام بجهودها على المستوى الوطني".
وفي إطار التوصيات، اعتبرت البعثة أن توصياتها تأتي في سياق دعم تنمية العملية الديمقراطية وتعزيز نزاهة الانتخابات، وليس "تدخلا" في العملية الانتخابية، قائلة إن الأردنيين هم فقط من يستطيعون الحكم على مصداقية الانتخابات التي ستجري في بلدهم.
وتوزعت توصيات المعهد التي تعلقت بجملة من الإجراءات، بين الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، وبين السلطات أو الجهات الرسمية المعنية.
وفيما يخص عمل الهيئة، أوصت البعثة بسبع توصيات رئيسية، منها ضرورة إصدار تعليمات خاصة بالإفصاح المالي وتحديدها، بهدف منع تحايل الناخبين والحد من تأثير المال السياسي، فيما أشارت إلى أن مثل هذه التعليمات يمكن أن تلزم المرشحين والقوائم بإنشاء حسابات بنكية مخصصة للحملات وإطلاع الهيئة المستقلة للانتخاب على كشوف الحسابات، بما فيها المساهمات أو التبرعات ونفقات الحملة.
ودعت إلى ضرورة أن تنشئ الهيئة مكتباً مختصاً بالتدقيق في التبرعات للحملات ونفقاتها، وإلى ضرورة تنظيم حملة وطنية لتوعية وتثقيف الناخبين تتضمن التوعية على نظام القائمة الوطنية، وكيفية التصويت في الانتخابات على ورقتي انتخاب.
وتضمنت التوصيات أيضا، ضرورة تخصيص وقت متساو للقوائم الوطنية في وسائل الإعلام الرسمي من خلال تعليمات خاصة، وتشجيع تمثيل النوع الاجتماعي في تشكيل القوائم، على الرغم من "تأخر الوقت بإصدار تشريعات لكوتا نسائية ضمن القائمة الوطنية".
وفي السياق ذاته، دعت البعثة الهيئة إلى أن تصدر توصيتها إلى الأحزاب والأفراد الذين يقومون بتشكيل قوائم وطنية، لإدراج كوتا نسائية بشكل اختياري.
وفي التوصيات الإجرائية الأخرى للهيئة، شددت البعثة على ضرورة إصدار ورقة انتخابية موحدة ومطبوعة مسبقا على المستوى الوطني، ومستوى الدائرة الانتخابية، معتبرة أن هذا الإجراء من شأنه أن يساعد في ضمان سرية التصويت، وبما يتماشى مع المعايير الدولية، فيما اقترحت البعثة أن تتضمن الورقة أكبر قدر ممكن من العلامات المميٍّزة مثل الأسماء والأرقام والصور والرموز والألوان.
وبخصوص الناخبين من الأميين، اعتبرت البعثة أن استخدام الورقة المطبوعة، تساعد على تلافي أية مخاوف متعلقة بإساءة استغلال الإجراءات الخاصة بتصويت الأميين.
ورأت البعثة ضرورة إنشاء خط ساخن لتلقي الشكاوى المتعلقة بالحوادث الانتخابية، والإعلان عنه على نطاق واسع، ليصار إلى التحقيق بالشكاوى من قبل المسؤولين وتحويلها للمحاكمة بشكل فعّال ومحايد.
أما بشأن التوصيات الموجهة للسلطات الرسمية، فأجملتها البعثة بأربع، هي الإعلان عن تأسيس هيكلية دائمة للتوظيف في الهيئة المستقلة للانتخاب، لما يعطي ذلك من رسالة واضحة عن أهمية استقلالية الهيئة في الانتخابات المرتقبة، ووضع أساس قوي لاستمرارية الهيئة كمؤسسة مستقلة وغير منحازة.
وفيما يخص تشكيل الحكومات البرلمانية، أكدت البعثة ضرورة قيام السلطات بتوضيح إجراءات تشكيل الحكومات، من أجل تحقيق رؤية الملك نحو حكومة برلمانية، بحسب التقرير، من خلال توفير الإيضاح اللازم ومن ثم صياغة الإطار القانوني لآلية تشكيل الحكومات. وقالت البعثة إن مثل هذا الوضوح سيسهم في توفير بيئة ترفع من مستوى التنافس السياسي والحوافز الديمقراطية، ما يفيد عمل الأحزاب السياسية والمرشحين.
وأوصت أيضا بأن تقتصر مهمة إصدار بيانات رسمية خاصة بالعملية الانتخابية على الهيئة، إلى جانب منحها الاستقلالية التامة في إعداد نتائج الانتخابات وادارة الموظفين القائمين عليها.
وفي الإطار، لفتت البعثة إلى ضرورة منع التأثير غير المبرر على الناخبين، داعية السلطات أن تقوم بالإجراءات اللازمة لضمان توفير بيئة تشجع الناخبين على التعبير عن آرائهم بحرية، عن طريق قيام المسؤولين على جميع المستويات، بضمان حيادية أجهزة المخابرات والشرطة، وضمان أن لا تتم إساءة استخدام موارد الدولة بما فيها الأموال الحكومية والمركبات وأجهزة الاتصالات والمواد وأوقات عمل الموظفين الحكوميين لخدمة المرشحين.
كما شددت على ضرورة أن يتم التحقيق بأي تقارير عن أي تدخل أو إساءة استخدام الموارد العامة، وإيقاع عقوبات على الأفراد بما يتماشى مع القانون.
وأشار التقرير إلى أن الانتخابات المقبلة هي الأولى التي ستجري في الأردن منذ بدء الربيع العربي ووفق قانون انتخاب دائم، منذ العام 1989، وبإشراف هيئة مستقلة.