إن الدور التآمري التخريبي الذي يلعبه آل سعود اليوم إن هو إلا استمرار لخيانات اقترفوها من قبل , وتكشف عن طبيعة العقلية التي تحكمهم . |

آل سعود ووثائق الخيانة - 1
1974 تحت عنوان " وثائق سرية من السعودية " .
ولقد بات من الضروري الآن تذكير الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي بهذه الوثائق التي يسهم مضمونها في فهم كيفية تفكير الحكام من آل سعود .
ونورد فيما يلي النص الكامل للوثيقة الأولى :
نص الوثيقة الأولى
المملكة العربية السعودية
مكتب جلالة الملك
الرقم 342- ك م ر – س
التاريخ : 15 رمضان 1386هـ
الموافق 27 ديسمبر 1966م
حضرة صاحب الفخامة الرئيس ليندن جونسون
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
واشنطن دي سي
يا فخامة الرئيس العظيم
في الزيارة التي قمت بها في مايو 1966 إلى الولايات المتحدة الأمريكية تشرفت بمقابلتكم , واغتبطت أبلغ الاغتباط لما أبديتموه من اهتمام زائد بما شرحته لفخامتكم عن دور مصر الخطير في اليمن والمنطقة بوجه عام , بدعمها للثوار , وإلهاب إذاعاتها لمشاعر الناس ضدنا جميعاً , أي ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية ودأب مصر المستمر لإسقاط حكمنا . لكن فخامتكم رأيتم { أن أحسن طريقة لاتقاء شرّها هي الاستمرار في بذل الجهود وتوسيط الوسطاء للتقرب إلى مصر بالذات لعلنا عن طريق هذا التقارب نضمن صمت إذاعاتها عن المملكة السعودية التي هي دعامتنا الكبيرة في المنطقة نظراً لقداسة أراضيها . أما الولايات المتحدة فلا يهمها ما تقوله مصر وغيرها فيها . وباتفاق المملكة السعودية مع مصر فقد نصل إلى حل الكثير من المشاكل في المنطقة بما فيها مشكلة اليمن } . هكذا قلتم يا فخامة الرئيس .. ولا يخفى عليكم يا فخامة الرئيس ما بذله الوسطاء من أمثال الرئيس السوداني محمد محجوب وشخصيات غيره وما بذلته أنا شخصياً من جهود في هذا الصدد منذ أن توليت حكم البلاد .
ففي 9 أغسطس 1964 التقيت بالرئيس المصري عبد الناصر في مؤتمر القمة بالإسكندرية والتقينا أيضاً في مؤتمر { عدم الانحياز } في القاهرة في أكتوبر 1964 وتم الاتفاق بيننا في كلا المؤتمرين على النقاط التالية :
1} إيقاف حملات التشهير الإذاعية المنطلقة من القاهرة ضدّنا .
2} حل الخلافات القائمة بين الأطراف المختلفة باليمن وذلك بما نراه مناسباً كالتالي :
أ- سحب الجيش المصري من اليمن .
ب- إبعاد العناصر الثورية المتطرفة التي أطاحت بالملك محمد البدر وعائلته أمثال السلال والجزيلان وغيرهما .
ج- اشتراك الملكيين في الحكم مع أوناس { المقصود أُناس } يتسمون بالاعتدال .
د- عند ذلك تتعهد المملكة السعودية بإيقاف أيّ إمداد خارجي للملكيين .
هذا هو ما اتفقنا عليه مع عبد الناصر . لكنه خالف كل ما اتفقنا عليه , واستمرّت إذاعاته تتهمنا بالعمالة لأمريكا وإسرائيل علماً أننا لم ننكر صداقتنا لأمريكا لما في هذه الصداقة لنا من شرف عظيم . ومع أن مصر لم تفِ بوعودها فقد ضبطنا أنفسنا , وبعثنا باقتراح لعبد الناصر قلنا فيه : إننا لكي نوقف تدفق الدم في اليمن لا بدّ من أن نعمل معاً على إيجاد الحلول المعقولة التالية :
أولاً – إيجاد مجلس رئاسي في صنعاء يتكون من خمسة أعضاء من الملكيين والآخرين ممن تهمهم مصلحة اليمن فقط .
ثانياً – إيجاد مجلس وزراء يتفق على عدد أعضائه .
ثالثاً – إيجاد مجلس شورى يساعد في الإشراف وإدارة الحكم على أن تستمرّ هذه التشكيلة لمدة ستة أشهر أو سنة كفترة انتقال يتم خلالها الآتي :
1} انسحاب القوات المصرية من اليمن .
2} حالما يبدأ انسحاب القوات المصرية تتوقف المملكة السعودية عن إعطاء أية مساعدات مالية أو عسكرية للملكيين .
3} يجري استفتاء شعبي على نوع الحكم الذي ترتضيه القبائل والأطراف المختلفة من الشعب اليمني .
4} تتعهد المملكة السعودية بأنها لن تقدّم أيّ عون عسكري أو غير عسكري لأية حكومة يمنية قادمة ما لم تطلب العون منا هذه الحكومة أو تلك ..
هذا هو أحد المشاريع التي قدمناها لمصر , فوافقت مصر على هذا المشروع . ومع ذلك فلم تتوقف مصر عن التدخل في شؤون اليمن ولم يحترم المصريون أيّ اتفاق , بل ازداد تدخلهم حتى أصبحوا مصدر الإمدادات الوحيد لأعدائنا . وزاد في ذلك أنهم ضاعفوا قواتهم بعد أن قتل منهم قرابة الـ 15000 عسكري وقرابة المائة ألف يمني ملكيين وجمهوريين , وبعد أن عمّ الاستياء كافة أنحاء اليمن ضد المصريين توجه عدد كبير من قادة اليمن طالبين { تدخلنا لإيقاف المستعمرين المصريين عند حدهم } . ثم سار إلينا عددٌ من شيوخ قبائل اليمن وعقدوا مؤتمراً في أوائل شهر أغسطس 1965 تعاهدوا في هذا المؤتمر بميثاق أصدروه باسم { ميثاق الطائف } بايعونا فيه وطالبونا { بالعمل معهم لإخراج المصريين والعمل بما يضمن لهم انشغال المصريين عنهم وعن غيرهم بأنفسهم } .
واستمرّ جهاد قادة اليمن ضدّ المصريين وضدّ أعداء الملكية في اليمن مما جعل عبد الناصر نفسه يركع أمام هذا الجهاد ويتحرك بنفسه نحونا . وهكذا جاء عبد الناصر إلى جدة ليقبل جبيني ووجنتي على الطريقة العربية طالباً { حلّ مصيبة اليمن } .. وانتهى اجتماعنا إلى الاتفاق الذي سميناه باسم { اتفاق جدة } , وأذعنا بنود هذا الاتفاق على الناس واستغرقت اجتماعاتنا أيام 22, 23, 24 أغسطس 1965 . ومن ضمن ما قررناه في اتفاق جدة ما يلي :
1 – تشكيل مؤتمر يتكون من خمسين عضواً يمثلون جميع القوى الوطنية وأهل الحل والعقد للشعب اليمني . ويعقد هذا المؤتمر في مدينة حرض اليمنية يوم 23 نوفمبر 1965 ليقرر هذا المؤتمر المقررات التالية :
أ } تقرير طريقة الحكم للشعب اليمني .
ب} تشكيل وزارة مؤقتة .
ج} يجري استفتاء عام في موعد أقصاه يوم 23 نوفمبر 1966 .
د} تتوقف المملكة السعودية عن كافة مساعداتها العسكرية للملكيين .
هـ} تسحب مصر كافة قواتها العسكرية من اليمن في ظرف عشرة شهور ابتداءً من يوم 23 نوفمبر 1965 .
و} تقوم لجنة رقابة سعودية ولجنة رقابة مصرية بالإشراف على تنفيذ هذه المقررات .
هذا .. وبالفعل تمّ عقد المؤتمر في موعده بحضور لجنتي الرقابة السعودية والمصرية . لكن جلساته دامت من 23 نوفمبر 1965 حتى 6 يناير 1966 دون أن يأتي بأدنى نتيجة تذكر لصالح الملكيين .
ولعل الكتاب الذي بعث لي به رئيس الوفد الملكي في هذا المؤتمر السيّد أحمد الشامي يكشف بجلاء مدى تعنّت المصريين والطرف الآخر { الجمهوري } حينما قال أحمد الشامي في كتابه { أولاً – إن وفد الجانب الآخر يضمّ بين أعضائه شرذمة من السفاحين الذين قتلوا النفوس البريئة ونهبوا الأموال وعاثوا بالحرمات تحت شعار الجمهورية المفروضة علينا بقوة سلاح المصريين المعتدين . ثانياً – إن التعنت الذي اتبعه أعضاء الوفد المسمّى بالجمهوري بإنكارهم لاتفاقية جدة لا يستمد إلا من قوة الدعم المصري . ثالثاً – إن الجيش المصري حسب معلوماتنا الأكيدة لن ينسحب من اليمن وإن هذا المؤتمر وغيره لن يكون إلا لكسب الوقت لصالح المصريين والشراذم الجمهورية . رابعاً – لقد فهمنا أن اتفاقية جدة تعني اختيار الطريق الوسط لحكم يقوم في اليمن لا جمهوري ولا ملكي , لكن من يسمون أنفسهم بالجمهوريين أفهمونا أنهم غير مستعدين للسير خطوة واحدة للالتقاء بالملكيين في حل وسط . وإن الجمهوريين يتمسكون بنظام شرعي قائم ومعترف به من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية . علماً بأن أمريكا وبريطانيا والمملكة السعودية والدول الملكية كلها لم تعترف بهذا الحكم الجمهوري المفروض ... إلخ } .
ومن رسالة السيد أحمد الشامي هذه وغيرها من التقارير تبيّن لنا بجلاء ما يلي :
ثبت أنه حتى وإن – ذهب – حكام اليمن الثوريين بعيداً عن حكم اليمن , فإنه ما لم ينسحب الجيش المصري من اليمن فإن خطورة هذا الجيش المصري أو أيّ وجود مصري آخر في اليمن ستكون عقباها غير حميدة ليس لنا وحدنا بل لأصدقائنا أمريكا وبريطانيا والدول الغربية , خاصة بعد أن صرّح جمال عبد الناصر في خطابه في اليمن معلناً أنه سيمدّ الثوار في الجنوب حتى اليوم الذي يتمكن فيه الثوار من إخراج الانكليز صاغرين من هذه الأرض العربية التي أطلقوا عليها اسم محمياتهم .
هكذا يا فخامة الرئيس .. ثم يتابع عبد الناصر خطابه قائلاً : " إن الجيش المصري سيبقى في اليمن ولن ينسحب منها ما لم تتوقف السعودية عن إمدادها لشراذم الملكيين وما لم ينسحب آخر جندي بريطاني من جنوب جزيرة العرب " . وقال عبد الناصر أيضاً : " من ذلك يتضح أن الجيش المصري ما جاء غازياً لليمن ولا مرتزقاً ولا منتفعاً باليمن بل جاء ليريق دمه وينفق ماله للدفاع عن ثورة اليمن وتراب اليمن من خطر السعودية الذي هو خطر أمريكا وبريطانيا . لهذا جاء الجيش المصري لليمن لدعم ثوار الجنوب وثوار الجزيرة العربية " . واختتم عبد الناصر قوله هذا بقوله المهين " إن جزمة أصغر جندي يقاتل الرجعية السعودية وأذنابها أشرف عندنا من تاج الملك فيصل وعقاله الذهبي " .
هذا هو رأي مصر الأخير بصراحة يا فخامة الرئيس . إنه رأي مصر { الجديدة } بقيادة عبد الناصر وزمرته موديل عام 1966 , وهو رأي يذكرنا بالرأي القديم لمصر القديمة بقيادة محمد علي باشا وإبراهيم باشا في عام 1818 حينما قضوا على أوائل أسرتنا السعودية والأسرة الوهابية وقتلوا بعض أجدادنا والبعض الآخر حملوهم مكبلين بالقيود إلى مصر وسلقوا بعضهم في قدور كبيرة أوقدوا تحتها النار وهم أحياء وأبقوا على البقية من أسرتنا أسرى في مصر .
تبريرات محمد علي :
وقد برّر محمد علي باشا هذا الفعل بقوله " ما قصدت بالقضاء على الأسرتين السعودية والوهابية إلا قطع دابر الفتنة التي سئل عنها النبي العربي مرّة فأجاب مردّداً ثلاث مرات " الفتنة تنبع من نجدٍ وإليها تعود " . وها نحن قضينا على الفتنة السعودية الوهابية لكيلا تعود إلى نجد المسلمة العربية ثانية " .
هكذا قال محمد علي . لكن ما تبقى من أجدادنا استطاعوا النجاة ليعيدوا للعالم الحر هذا الطراز القويّ والمحارب الأول من نوعه للمبادئ الهدّامة . ولذلك يعمل حكام مصر الجديدة الآن ما بوسعهم لإعادة تاريخهم في القضاء علينا من جديد . لكنهم إن تمكنوا سابقاً لعدم وجود دولة كبيرة صديقة حميمة هي أمريكا العظيمة فإنهم لن يتمكنوا الآن .
لذلك يا فخامة الرئيس , نقول لكم بصراحة ما قلناه لأسلافكم . كلمة واضحة نقولها , وهي أن المصير الذي يربط هذه الأسرة السعودية بأمريكا لا تستمدّ قوته إلا من نفس الأهداف التي تربط أمريكا بأسرتنا وبالاعتماد علينا في العالمين العربي والإسلامي كقوة كبرى تحمي المصالح المشتركة وتكافح الشيوعية وتحارب المبادئ الهدّامة ما ظهر منها وما بطن , سواء جاءت هذه المبادئ باسم " الثورية " أو " الجمهورية " أو " محاربة الامبريالية " أو باسم " القومية العربية والحرية والاشتراكية والوحدة أو باسم الوحدة والحرية والاشتراكية .
فكل هذه المبادئ ومثلها لا تتصدّى لها الأسرة السعودية إلا لكونها لافتات طريق الشيوعية العدوّة اللدودة للجميع الساعية لابتلاع المصالح المشتركة التي تربط الجميع .
فباسم هذا المصير الواحد والمصالح المشتركة نتساءل يا فخامة الرئيس : ما هو رأي الولايات المتحدة في حماية عرشنا من خطر هذه المبادئ التي نقل عدواها إلى مملكتنا انتصارات المصريين ووجود الجيش المصري في حدودنا , وإشاعتها إذاعات مصر في أجوائنا ؟ .
من كل ما تقدّم يا فخامة الرئيس , ومما عرضناه بإيجاز يتبيّن لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعاً , وأن هذا العدو إن ترك يحرّض ويدعم الأعداء الكثر إعلامياً وعسكرياً , فلن يأتي عام 1970 – كما قال الخبراء الأمريكان – وعرشنا ومصالحنا المشتركة في الوجود . ولذلك فإنني أبارك ما سبق للخبراء الأمريكان في مملكتنا أن اقترحوه لأتقدم بالاقتراحات التالية :
1 – أن تقوم أميركا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن حيوية في مصر لتضطرها بذلك لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طوةيلة لن يرفع بعدها أيّ مصري رأسه بعيداً عن القنال محاولاً إعادة مطامع محمد علي وجمال عبد الناصر في وحدة عربية . ونكون بذلك قد أعطينا لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية المبادئ الهدّامة عن أجسادها لا في مملكتنا بل وفي البلاد العربية . ومن ثم , فلا مانع من إعطاء المعونة لمصر وشبيهاتها من الدول اقتداء بهذا القول " ارحموا شرّير قوم ذل " { الأصل : ارحموا عزيز قوم ذل } .
وكذلك اتقاءً لأصوات إعلامهم المكروهة .
2 – إن سوريا هي الثانية يجب ألا تسلم من هذا الهجوم , مع اقتطاع جزء من أراضيها يشغلها عنّا لكيلا تتفرّغ هي الأخرى بعد سقوط مصر " لسد الفراغ " المصري في القومية العربية .
3 – كذلك الاستيلاء على قطاع غزة الواقعة تحت الحكم المصري , والاستيلاء على الضفة الغربية من الأردن مهم جداً لكي لا تبقى للفلسطينيين أية مطامع في أية أرض واقعة تحت أية إدارة عربية تسمح للفلسطينيين بعد ذلك بالتحرك من خلالها أو تستقبلهم فيها أية دولة عربية بحجة " تحرير فلسطين " وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة , ويسهل ضرب الرافضين منهم في أية دولة عربية مجاورة لإسرائيل , لأنه ما من دولة تريد أن تتحمل نتائج أعمالهم , كما تسهل عملية توطينهم في الدول العربية .
4 - تقوية الملا مصطفى البرزاني وإمداده لإقامة حكومة كردية في شمال العراق مهمتها إشغال أي حكم عربي ينادي بالوحدة العربية من على شمال مملكتنا في أرض العراق سواء في الحاضر أو في المستقبل , علماً أننا منذ العام الماضي بدأنا بإمداد مصطفى البرزاني بالمال والسلاح من داخل العراق وعن طريق تركيا وإيران { أي نظام الشاه البائد في إيران } .
يا فخامة الرئيس .. إنكم ونحن متضامنين جميعاً سنضمن لمصالحنا المشتركة ولمصيرنا المعلق بتنفيذ هذه المقترحات أو عدم تنفيذها دوام البقاء أو عدمه وأخيراً .. أنتهز هذه الفرصة لأجدّد الإعراب لفخامتكم عمّا أرجوه لكم من عزة وللولايات المتحدة من نصر وسؤدد ولمستقبل علاقاتنا ببعضنا من نمو وارتباط أوثق وازدهار .
في 27 ديسمبر 1966 الموافق 15 رمضان 1386
المخلص فيصل بن عبد العزيز
ملك المملكة العربية السعودية
ملاحظة : يلي بعد ذلك توقيع الملك فيصل وخاتمه المكتوب عليه : المملكة العربية السعودية – مكتب جلالة الملك بالرياض .
• تعقيب :
هناك عدّة نقاط هامة يحسن بنا الإشارة إليها في معرض التعقيب على مضمون هذه الوثيقة :
1 – إنه رغم انسحاب القوات المصرية من اليمن قبل عدوان حزيران , ورغم نتائج عدوان حزيران الكارثية , فإن مملكة آل سعود لم تستطع إلغاء النظام الجمهوري في اليمن أو إعادة النظام الملكي إليه . وهذا يدلل على أن الموقف المصري كان متساوقاً مع الإرادة الشعبية اليمنية .
2 – من الخطأ أن يتصوّر أحدٌ في ضوء هذه الوثيقة أن حكومة آل سعود هي التي حددت للكيان الصهيوني مخطط حرب حزيران عام 1967 وأهدافها , وأنه لولا رغبة الملك السعودي " السامية !! " لما وقع العدوان . فالوثيقة تكشف أن الملك السعودي تبنّى أو بارك " ما سبق للخبراء الأمريكان " في المملكة أن اقترحوه . ومعنى ذلك أن الأميركيين نقلوا إلى ملك آل سعود نوايا إسرائيل العدوانية وأبعادها المرسومة مسبقاً , فوافق عليها الملك وتبناها , وطالب بتنفيذها .
3 – من الواضح أن عقدة الإعلام الناصري كانت تشغل آل سعود كثيراً في تلك الفترة . وكان الإعلام آنذاك يعتمد على البث الإذاعي . ومن هنا جاءت الخطط السعودية القطرية لاحقاً والموصى بها من جهات استخبارية وإعلامية وتقنية بريطانية وفرنسية وأمريكية لإيجاد أدوات إعلامية ملائمة تساعد آل سعود وشركاءهم في تآمرهم على الأقطار الأخرى , فكانت فضائيتا الجزيرة والعربية والعديد من الفضائيات المساعدة الممولة بهدف اغتصاب الفضاء الإعلامي . وحين أخذت أكاذيب إعلامهم تتكشف راحوا يحاربون الإعلام السوري ويحاولون حجبه عن المشاهدين بكل السبل والوسائل .
4 – واضح أن ذريعة تبرير التحالف مع أمريكا { وإسرائيل ضمناً } بحجة محاربة الشيوعية والأفكار الأخرى القومية والاشتراكية , تحولت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي إلى شعارات أخرى , مثل محاربة الثورة الإسلامية في إيران , ثم إحلال " الشيعة " محل " الشيوعية " كعدو يتم التحالف مع أميركا وإسرائيل في مواجهته . وباتت إيران – بدل مصر – هي الممثل في نظرهم للخطر الأكبر , وتأتي معها سوريا والمقاومتان اللبنانية والفلسطينية , كما استمرت المحاولات السعودية لتقسيم العراق وزعزعة أمنه واستقراره بعد احتلاله من قبل القوات الأمريكية واضطرار هذه القوات للانسحاب .
5 – من يقرأ الوثيقة التي أوردناها بتمعن , ويقارن بين الخطط العدوانية التي نفذت آنذاك , والتمهيد السعودي الرجعي لها في ذلك الحين , يمكنه استخلاص النتيجة القائلة بأن محاولات العبث بالأوضاع في المنطقة الآن من قبل الولايات المتحدة والأنظمة الموالية لها يمكن أن تكون جزءاً من خطة عدوانية إسرائيلية شاملة مدعومة أمريكياً يجري تنفيذها بوسائل مبتكرة لإدارة الصراع تفادياً للمخاطر الكبيرة التي تهدّد الكيان الصهيوني في حالة لجوئه إلى حرب مفتوحة . وبالتالي , فإن بعض دول مجلس التعاون الخليجي تلعب دور مخلب القط لأميركا وإسرائيل وتدير النشاط الإرهابي الوهابي التكفيري على هذا الأساس .
6 – لا ريب أن ما جاء في الوثيقة حول المقاومة الفلسطينية ونوايا آل سعود الحقيقية تجاهها , وتجاه حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة , ومطالبة الملك السعودي لإسرائيل باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة , يساعد في كشف الكثير من عناصر التآمر الذي تعرضت له المقاومة الفلسطينية في مراحل متعاقبة . وحين نجد اليوم بأنه في ظل الحرب الإرهابية على سوريا يجري تحريض اللاجئين الفلسطينيين فيها للهجرة إلى البلدان الإسكندنافية , وأن فصولاً مماثلة تعرض لها الفلسطينيون في لبنان , وأن أوضاع الفلسطينيين في الضفة والقطاع ليست أحسن حالاً , فلا بدّ لنا من الاستنتاج بأن محاولات تصفية القضية الفلسطينية على النحو الذي يرضي الصهاينة هو في مقدمة الأهداف المرسومة للمؤامرة .
ولقد بات من الضروري الآن تذكير الرأي العام العربي والإسلامي والعالمي بهذه الوثائق التي يسهم مضمونها في فهم كيفية تفكير الحكام من آل سعود .
ونورد فيما يلي النص الكامل للوثيقة الأولى :
نص الوثيقة الأولى
المملكة العربية السعودية
مكتب جلالة الملك
الرقم 342- ك م ر – س
التاريخ : 15 رمضان 1386هـ
الموافق 27 ديسمبر 1966م
حضرة صاحب الفخامة الرئيس ليندن جونسون
رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
واشنطن دي سي
يا فخامة الرئيس العظيم
في الزيارة التي قمت بها في مايو 1966 إلى الولايات المتحدة الأمريكية تشرفت بمقابلتكم , واغتبطت أبلغ الاغتباط لما أبديتموه من اهتمام زائد بما شرحته لفخامتكم عن دور مصر الخطير في اليمن والمنطقة بوجه عام , بدعمها للثوار , وإلهاب إذاعاتها لمشاعر الناس ضدنا جميعاً , أي ضدّ الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة السعودية ودأب مصر المستمر لإسقاط حكمنا . لكن فخامتكم رأيتم { أن أحسن طريقة لاتقاء شرّها هي الاستمرار في بذل الجهود وتوسيط الوسطاء للتقرب إلى مصر بالذات لعلنا عن طريق هذا التقارب نضمن صمت إذاعاتها عن المملكة السعودية التي هي دعامتنا الكبيرة في المنطقة نظراً لقداسة أراضيها . أما الولايات المتحدة فلا يهمها ما تقوله مصر وغيرها فيها . وباتفاق المملكة السعودية مع مصر فقد نصل إلى حل الكثير من المشاكل في المنطقة بما فيها مشكلة اليمن } . هكذا قلتم يا فخامة الرئيس .. ولا يخفى عليكم يا فخامة الرئيس ما بذله الوسطاء من أمثال الرئيس السوداني محمد محجوب وشخصيات غيره وما بذلته أنا شخصياً من جهود في هذا الصدد منذ أن توليت حكم البلاد .
ففي 9 أغسطس 1964 التقيت بالرئيس المصري عبد الناصر في مؤتمر القمة بالإسكندرية والتقينا أيضاً في مؤتمر { عدم الانحياز } في القاهرة في أكتوبر 1964 وتم الاتفاق بيننا في كلا المؤتمرين على النقاط التالية :
1} إيقاف حملات التشهير الإذاعية المنطلقة من القاهرة ضدّنا .
2} حل الخلافات القائمة بين الأطراف المختلفة باليمن وذلك بما نراه مناسباً كالتالي :
أ- سحب الجيش المصري من اليمن .
ب- إبعاد العناصر الثورية المتطرفة التي أطاحت بالملك محمد البدر وعائلته أمثال السلال والجزيلان وغيرهما .
ج- اشتراك الملكيين في الحكم مع أوناس { المقصود أُناس } يتسمون بالاعتدال .
د- عند ذلك تتعهد المملكة السعودية بإيقاف أيّ إمداد خارجي للملكيين .
هذا هو ما اتفقنا عليه مع عبد الناصر . لكنه خالف كل ما اتفقنا عليه , واستمرّت إذاعاته تتهمنا بالعمالة لأمريكا وإسرائيل علماً أننا لم ننكر صداقتنا لأمريكا لما في هذه الصداقة لنا من شرف عظيم . ومع أن مصر لم تفِ بوعودها فقد ضبطنا أنفسنا , وبعثنا باقتراح لعبد الناصر قلنا فيه : إننا لكي نوقف تدفق الدم في اليمن لا بدّ من أن نعمل معاً على إيجاد الحلول المعقولة التالية :
أولاً – إيجاد مجلس رئاسي في صنعاء يتكون من خمسة أعضاء من الملكيين والآخرين ممن تهمهم مصلحة اليمن فقط .
ثانياً – إيجاد مجلس وزراء يتفق على عدد أعضائه .
ثالثاً – إيجاد مجلس شورى يساعد في الإشراف وإدارة الحكم على أن تستمرّ هذه التشكيلة لمدة ستة أشهر أو سنة كفترة انتقال يتم خلالها الآتي :
1} انسحاب القوات المصرية من اليمن .
2} حالما يبدأ انسحاب القوات المصرية تتوقف المملكة السعودية عن إعطاء أية مساعدات مالية أو عسكرية للملكيين .
3} يجري استفتاء شعبي على نوع الحكم الذي ترتضيه القبائل والأطراف المختلفة من الشعب اليمني .
4} تتعهد المملكة السعودية بأنها لن تقدّم أيّ عون عسكري أو غير عسكري لأية حكومة يمنية قادمة ما لم تطلب العون منا هذه الحكومة أو تلك ..
هذا هو أحد المشاريع التي قدمناها لمصر , فوافقت مصر على هذا المشروع . ومع ذلك فلم تتوقف مصر عن التدخل في شؤون اليمن ولم يحترم المصريون أيّ اتفاق , بل ازداد تدخلهم حتى أصبحوا مصدر الإمدادات الوحيد لأعدائنا . وزاد في ذلك أنهم ضاعفوا قواتهم بعد أن قتل منهم قرابة الـ 15000 عسكري وقرابة المائة ألف يمني ملكيين وجمهوريين , وبعد أن عمّ الاستياء كافة أنحاء اليمن ضد المصريين توجه عدد كبير من قادة اليمن طالبين { تدخلنا لإيقاف المستعمرين المصريين عند حدهم } . ثم سار إلينا عددٌ من شيوخ قبائل اليمن وعقدوا مؤتمراً في أوائل شهر أغسطس 1965 تعاهدوا في هذا المؤتمر بميثاق أصدروه باسم { ميثاق الطائف } بايعونا فيه وطالبونا { بالعمل معهم لإخراج المصريين والعمل بما يضمن لهم انشغال المصريين عنهم وعن غيرهم بأنفسهم } .
واستمرّ جهاد قادة اليمن ضدّ المصريين وضدّ أعداء الملكية في اليمن مما جعل عبد الناصر نفسه يركع أمام هذا الجهاد ويتحرك بنفسه نحونا . وهكذا جاء عبد الناصر إلى جدة ليقبل جبيني ووجنتي على الطريقة العربية طالباً { حلّ مصيبة اليمن } .. وانتهى اجتماعنا إلى الاتفاق الذي سميناه باسم { اتفاق جدة } , وأذعنا بنود هذا الاتفاق على الناس واستغرقت اجتماعاتنا أيام 22, 23, 24 أغسطس 1965 . ومن ضمن ما قررناه في اتفاق جدة ما يلي :
1 – تشكيل مؤتمر يتكون من خمسين عضواً يمثلون جميع القوى الوطنية وأهل الحل والعقد للشعب اليمني . ويعقد هذا المؤتمر في مدينة حرض اليمنية يوم 23 نوفمبر 1965 ليقرر هذا المؤتمر المقررات التالية :
أ } تقرير طريقة الحكم للشعب اليمني .
ب} تشكيل وزارة مؤقتة .
ج} يجري استفتاء عام في موعد أقصاه يوم 23 نوفمبر 1966 .
د} تتوقف المملكة السعودية عن كافة مساعداتها العسكرية للملكيين .
هـ} تسحب مصر كافة قواتها العسكرية من اليمن في ظرف عشرة شهور ابتداءً من يوم 23 نوفمبر 1965 .
و} تقوم لجنة رقابة سعودية ولجنة رقابة مصرية بالإشراف على تنفيذ هذه المقررات .
هذا .. وبالفعل تمّ عقد المؤتمر في موعده بحضور لجنتي الرقابة السعودية والمصرية . لكن جلساته دامت من 23 نوفمبر 1965 حتى 6 يناير 1966 دون أن يأتي بأدنى نتيجة تذكر لصالح الملكيين .
ولعل الكتاب الذي بعث لي به رئيس الوفد الملكي في هذا المؤتمر السيّد أحمد الشامي يكشف بجلاء مدى تعنّت المصريين والطرف الآخر { الجمهوري } حينما قال أحمد الشامي في كتابه { أولاً – إن وفد الجانب الآخر يضمّ بين أعضائه شرذمة من السفاحين الذين قتلوا النفوس البريئة ونهبوا الأموال وعاثوا بالحرمات تحت شعار الجمهورية المفروضة علينا بقوة سلاح المصريين المعتدين . ثانياً – إن التعنت الذي اتبعه أعضاء الوفد المسمّى بالجمهوري بإنكارهم لاتفاقية جدة لا يستمد إلا من قوة الدعم المصري . ثالثاً – إن الجيش المصري حسب معلوماتنا الأكيدة لن ينسحب من اليمن وإن هذا المؤتمر وغيره لن يكون إلا لكسب الوقت لصالح المصريين والشراذم الجمهورية . رابعاً – لقد فهمنا أن اتفاقية جدة تعني اختيار الطريق الوسط لحكم يقوم في اليمن لا جمهوري ولا ملكي , لكن من يسمون أنفسهم بالجمهوريين أفهمونا أنهم غير مستعدين للسير خطوة واحدة للالتقاء بالملكيين في حل وسط . وإن الجمهوريين يتمسكون بنظام شرعي قائم ومعترف به من الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية . علماً بأن أمريكا وبريطانيا والمملكة السعودية والدول الملكية كلها لم تعترف بهذا الحكم الجمهوري المفروض ... إلخ } .
ومن رسالة السيد أحمد الشامي هذه وغيرها من التقارير تبيّن لنا بجلاء ما يلي :
ثبت أنه حتى وإن – ذهب – حكام اليمن الثوريين بعيداً عن حكم اليمن , فإنه ما لم ينسحب الجيش المصري من اليمن فإن خطورة هذا الجيش المصري أو أيّ وجود مصري آخر في اليمن ستكون عقباها غير حميدة ليس لنا وحدنا بل لأصدقائنا أمريكا وبريطانيا والدول الغربية , خاصة بعد أن صرّح جمال عبد الناصر في خطابه في اليمن معلناً أنه سيمدّ الثوار في الجنوب حتى اليوم الذي يتمكن فيه الثوار من إخراج الانكليز صاغرين من هذه الأرض العربية التي أطلقوا عليها اسم محمياتهم .
هكذا يا فخامة الرئيس .. ثم يتابع عبد الناصر خطابه قائلاً : " إن الجيش المصري سيبقى في اليمن ولن ينسحب منها ما لم تتوقف السعودية عن إمدادها لشراذم الملكيين وما لم ينسحب آخر جندي بريطاني من جنوب جزيرة العرب " . وقال عبد الناصر أيضاً : " من ذلك يتضح أن الجيش المصري ما جاء غازياً لليمن ولا مرتزقاً ولا منتفعاً باليمن بل جاء ليريق دمه وينفق ماله للدفاع عن ثورة اليمن وتراب اليمن من خطر السعودية الذي هو خطر أمريكا وبريطانيا . لهذا جاء الجيش المصري لليمن لدعم ثوار الجنوب وثوار الجزيرة العربية " . واختتم عبد الناصر قوله هذا بقوله المهين " إن جزمة أصغر جندي يقاتل الرجعية السعودية وأذنابها أشرف عندنا من تاج الملك فيصل وعقاله الذهبي " .
هذا هو رأي مصر الأخير بصراحة يا فخامة الرئيس . إنه رأي مصر { الجديدة } بقيادة عبد الناصر وزمرته موديل عام 1966 , وهو رأي يذكرنا بالرأي القديم لمصر القديمة بقيادة محمد علي باشا وإبراهيم باشا في عام 1818 حينما قضوا على أوائل أسرتنا السعودية والأسرة الوهابية وقتلوا بعض أجدادنا والبعض الآخر حملوهم مكبلين بالقيود إلى مصر وسلقوا بعضهم في قدور كبيرة أوقدوا تحتها النار وهم أحياء وأبقوا على البقية من أسرتنا أسرى في مصر .
تبريرات محمد علي :
وقد برّر محمد علي باشا هذا الفعل بقوله " ما قصدت بالقضاء على الأسرتين السعودية والوهابية إلا قطع دابر الفتنة التي سئل عنها النبي العربي مرّة فأجاب مردّداً ثلاث مرات " الفتنة تنبع من نجدٍ وإليها تعود " . وها نحن قضينا على الفتنة السعودية الوهابية لكيلا تعود إلى نجد المسلمة العربية ثانية " .
هكذا قال محمد علي . لكن ما تبقى من أجدادنا استطاعوا النجاة ليعيدوا للعالم الحر هذا الطراز القويّ والمحارب الأول من نوعه للمبادئ الهدّامة . ولذلك يعمل حكام مصر الجديدة الآن ما بوسعهم لإعادة تاريخهم في القضاء علينا من جديد . لكنهم إن تمكنوا سابقاً لعدم وجود دولة كبيرة صديقة حميمة هي أمريكا العظيمة فإنهم لن يتمكنوا الآن .
لذلك يا فخامة الرئيس , نقول لكم بصراحة ما قلناه لأسلافكم . كلمة واضحة نقولها , وهي أن المصير الذي يربط هذه الأسرة السعودية بأمريكا لا تستمدّ قوته إلا من نفس الأهداف التي تربط أمريكا بأسرتنا وبالاعتماد علينا في العالمين العربي والإسلامي كقوة كبرى تحمي المصالح المشتركة وتكافح الشيوعية وتحارب المبادئ الهدّامة ما ظهر منها وما بطن , سواء جاءت هذه المبادئ باسم " الثورية " أو " الجمهورية " أو " محاربة الامبريالية " أو باسم " القومية العربية والحرية والاشتراكية والوحدة أو باسم الوحدة والحرية والاشتراكية .
فكل هذه المبادئ ومثلها لا تتصدّى لها الأسرة السعودية إلا لكونها لافتات طريق الشيوعية العدوّة اللدودة للجميع الساعية لابتلاع المصالح المشتركة التي تربط الجميع .
فباسم هذا المصير الواحد والمصالح المشتركة نتساءل يا فخامة الرئيس : ما هو رأي الولايات المتحدة في حماية عرشنا من خطر هذه المبادئ التي نقل عدواها إلى مملكتنا انتصارات المصريين ووجود الجيش المصري في حدودنا , وإشاعتها إذاعات مصر في أجوائنا ؟ .
من كل ما تقدّم يا فخامة الرئيس , ومما عرضناه بإيجاز يتبيّن لكم أن مصر هي العدو الأكبر لنا جميعاً , وأن هذا العدو إن ترك يحرّض ويدعم الأعداء الكثر إعلامياً وعسكرياً , فلن يأتي عام 1970 – كما قال الخبراء الأمريكان – وعرشنا ومصالحنا المشتركة في الوجود . ولذلك فإنني أبارك ما سبق للخبراء الأمريكان في مملكتنا أن اقترحوه لأتقدم بالاقتراحات التالية :
1 – أن تقوم أميركا بدعم إسرائيل بهجوم خاطف على مصر تستولي به على أهم الأماكن حيوية في مصر لتضطرها بذلك لا إلى سحب جيشها صاغرة من اليمن فقط لإشغال مصر بإسرائيل عنا مدة طوةيلة لن يرفع بعدها أيّ مصري رأسه بعيداً عن القنال محاولاً إعادة مطامع محمد علي وجمال عبد الناصر في وحدة عربية . ونكون بذلك قد أعطينا لأنفسنا مهلة طويلة لتصفية المبادئ الهدّامة عن أجسادها لا في مملكتنا بل وفي البلاد العربية . ومن ثم , فلا مانع من إعطاء المعونة لمصر وشبيهاتها من الدول اقتداء بهذا القول " ارحموا شرّير قوم ذل " { الأصل : ارحموا عزيز قوم ذل } .
وكذلك اتقاءً لأصوات إعلامهم المكروهة .
2 – إن سوريا هي الثانية يجب ألا تسلم من هذا الهجوم , مع اقتطاع جزء من أراضيها يشغلها عنّا لكيلا تتفرّغ هي الأخرى بعد سقوط مصر " لسد الفراغ " المصري في القومية العربية .
3 – كذلك الاستيلاء على قطاع غزة الواقعة تحت الحكم المصري , والاستيلاء على الضفة الغربية من الأردن مهم جداً لكي لا تبقى للفلسطينيين أية مطامع في أية أرض واقعة تحت أية إدارة عربية تسمح للفلسطينيين بعد ذلك بالتحرك من خلالها أو تستقبلهم فيها أية دولة عربية بحجة " تحرير فلسطين " وحينها ينقطع أمل الخارجين منهم بالعودة , ويسهل ضرب الرافضين منهم في أية دولة عربية مجاورة لإسرائيل , لأنه ما من دولة تريد أن تتحمل نتائج أعمالهم , كما تسهل عملية توطينهم في الدول العربية .
4 - تقوية الملا مصطفى البرزاني وإمداده لإقامة حكومة كردية في شمال العراق مهمتها إشغال أي حكم عربي ينادي بالوحدة العربية من على شمال مملكتنا في أرض العراق سواء في الحاضر أو في المستقبل , علماً أننا منذ العام الماضي بدأنا بإمداد مصطفى البرزاني بالمال والسلاح من داخل العراق وعن طريق تركيا وإيران { أي نظام الشاه البائد في إيران } .
يا فخامة الرئيس .. إنكم ونحن متضامنين جميعاً سنضمن لمصالحنا المشتركة ولمصيرنا المعلق بتنفيذ هذه المقترحات أو عدم تنفيذها دوام البقاء أو عدمه وأخيراً .. أنتهز هذه الفرصة لأجدّد الإعراب لفخامتكم عمّا أرجوه لكم من عزة وللولايات المتحدة من نصر وسؤدد ولمستقبل علاقاتنا ببعضنا من نمو وارتباط أوثق وازدهار .
في 27 ديسمبر 1966 الموافق 15 رمضان 1386
المخلص فيصل بن عبد العزيز
ملك المملكة العربية السعودية
ملاحظة : يلي بعد ذلك توقيع الملك فيصل وخاتمه المكتوب عليه : المملكة العربية السعودية – مكتب جلالة الملك بالرياض .
• تعقيب :
هناك عدّة نقاط هامة يحسن بنا الإشارة إليها في معرض التعقيب على مضمون هذه الوثيقة :
1 – إنه رغم انسحاب القوات المصرية من اليمن قبل عدوان حزيران , ورغم نتائج عدوان حزيران الكارثية , فإن مملكة آل سعود لم تستطع إلغاء النظام الجمهوري في اليمن أو إعادة النظام الملكي إليه . وهذا يدلل على أن الموقف المصري كان متساوقاً مع الإرادة الشعبية اليمنية .
2 – من الخطأ أن يتصوّر أحدٌ في ضوء هذه الوثيقة أن حكومة آل سعود هي التي حددت للكيان الصهيوني مخطط حرب حزيران عام 1967 وأهدافها , وأنه لولا رغبة الملك السعودي " السامية !! " لما وقع العدوان . فالوثيقة تكشف أن الملك السعودي تبنّى أو بارك " ما سبق للخبراء الأمريكان " في المملكة أن اقترحوه . ومعنى ذلك أن الأميركيين نقلوا إلى ملك آل سعود نوايا إسرائيل العدوانية وأبعادها المرسومة مسبقاً , فوافق عليها الملك وتبناها , وطالب بتنفيذها .
3 – من الواضح أن عقدة الإعلام الناصري كانت تشغل آل سعود كثيراً في تلك الفترة . وكان الإعلام آنذاك يعتمد على البث الإذاعي . ومن هنا جاءت الخطط السعودية القطرية لاحقاً والموصى بها من جهات استخبارية وإعلامية وتقنية بريطانية وفرنسية وأمريكية لإيجاد أدوات إعلامية ملائمة تساعد آل سعود وشركاءهم في تآمرهم على الأقطار الأخرى , فكانت فضائيتا الجزيرة والعربية والعديد من الفضائيات المساعدة الممولة بهدف اغتصاب الفضاء الإعلامي . وحين أخذت أكاذيب إعلامهم تتكشف راحوا يحاربون الإعلام السوري ويحاولون حجبه عن المشاهدين بكل السبل والوسائل .
4 – واضح أن ذريعة تبرير التحالف مع أمريكا { وإسرائيل ضمناً } بحجة محاربة الشيوعية والأفكار الأخرى القومية والاشتراكية , تحولت بعد تفكك الاتحاد السوفياتي إلى شعارات أخرى , مثل محاربة الثورة الإسلامية في إيران , ثم إحلال " الشيعة " محل " الشيوعية " كعدو يتم التحالف مع أميركا وإسرائيل في مواجهته . وباتت إيران – بدل مصر – هي الممثل في نظرهم للخطر الأكبر , وتأتي معها سوريا والمقاومتان اللبنانية والفلسطينية , كما استمرت المحاولات السعودية لتقسيم العراق وزعزعة أمنه واستقراره بعد احتلاله من قبل القوات الأمريكية واضطرار هذه القوات للانسحاب .
5 – من يقرأ الوثيقة التي أوردناها بتمعن , ويقارن بين الخطط العدوانية التي نفذت آنذاك , والتمهيد السعودي الرجعي لها في ذلك الحين , يمكنه استخلاص النتيجة القائلة بأن محاولات العبث بالأوضاع في المنطقة الآن من قبل الولايات المتحدة والأنظمة الموالية لها يمكن أن تكون جزءاً من خطة عدوانية إسرائيلية شاملة مدعومة أمريكياً يجري تنفيذها بوسائل مبتكرة لإدارة الصراع تفادياً للمخاطر الكبيرة التي تهدّد الكيان الصهيوني في حالة لجوئه إلى حرب مفتوحة . وبالتالي , فإن بعض دول مجلس التعاون الخليجي تلعب دور مخلب القط لأميركا وإسرائيل وتدير النشاط الإرهابي الوهابي التكفيري على هذا الأساس .
6 – لا ريب أن ما جاء في الوثيقة حول المقاومة الفلسطينية ونوايا آل سعود الحقيقية تجاهها , وتجاه حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة , ومطالبة الملك السعودي لإسرائيل باحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة , يساعد في كشف الكثير من عناصر التآمر الذي تعرضت له المقاومة الفلسطينية في مراحل متعاقبة . وحين نجد اليوم بأنه في ظل الحرب الإرهابية على سوريا يجري تحريض اللاجئين الفلسطينيين فيها للهجرة إلى البلدان الإسكندنافية , وأن فصولاً مماثلة تعرض لها الفلسطينيون في لبنان , وأن أوضاع الفلسطينيين في الضفة والقطاع ليست أحسن حالاً , فلا بدّ لنا من الاستنتاج بأن محاولات تصفية القضية الفلسطينية على النحو الذي يرضي الصهاينة هو في مقدمة الأهداف المرسومة للمؤامرة .