باستثناء الكتمان الشديد الذي رافق اسم رئيس الحكومة , فإن اختيار الدكتور عبد الله النسور ليس غريبا ولا خارج سياق التوقع النظري , فالرجل برلماني عريق ووزير معتق , ومن القلائل الذين يجمعون خبرة سياسية واقتصادية , وعقلية منفتحة وخبرة ادارية من الزمن الجميل , وظل على الدوام صاحب وجهة نظر تقول بضرورة ان تكون الخزينة الاردنية مليئة بالسيوف التي يختار منها صانع القرار سيفا لكل مرحلة .
ودون شك فإن نظريته قد طالته ليكون اول سيف للمرحلة الجديدة او مرحلة الاستحقاق الدستوري , فرحيل حكومة الدكتور فايز الطراونة كان بداية الاستحقاق , وبذلك تكون هي الحكومة الاردنية الاولى التي ترحل وفقا لتطبيق نصوص الدستور , واولى البشائر لتفعيل النصوص الدستورية القاضية باستقالة الحكومة التي تقوم بحل البرلمان خلال اسبوع , وتكون حكومة الدكتور عبد الله النسور اول حكومة تأتي وفقا لنفس القاعدة .
يعلم الرئيس المكلف اكثر من غيره حجم المسؤولية التي عبر عنها كتاب التكليف السامي بكل وضوح , ومدى حراجتها ومدى ضيق الوقت امام الحكومة الجديدة لكسب ثقة الناس , اولا عبر الفريق الحكومي الذي يجب ان يكون رشيقا وقليل العدد , ودون خضوع لحسابات الجغرافيا والديمغرافيا , وثانيا عبر اختيار الفريق على القياس السياسي والسياسي فقط , وانعدام شبهة الفساد السياسي او المالي من سيرة فريقه الحكومي .
فتكليفه بالذات يحمل نَفس الحكومة البرلمانية القادمة , فقد لجأ الملك الى اختيار شخصية برلمانية طويلة الخبرة ليؤكد الملك على ان الحكومة البرلمانية دخلت حيّز التنفيذ , ولا مجال للعودة الى الخلف . واداؤه النيابي المعارض في البرلمان له دلالته الخاصة ايضا , فهو لم يمنح الثقة لكل حكومات البرلمان السادس عشر , وكان له انتقادات قاسية على شكل الحكومات وادائها , وآلية ادارتها للازمات ابَان مرحلة الربيع العربي , والاهم ملاحظاته الجريئة على قانون الانتخاب والتعديلات الدستورية .
ويعلم الرئيس المكلف ان تسليف الثقة لم يعد وارادا عند الشارع الاردني , فهو سيراقب الاداء منذ اليوم الاول , لان فسحة المئة يوم غير متوفرة لعمر حكومته بالذات رغم عدم وجود موانع دستورية ليكون هو رئيس الحكومة البرلمانية لمرحلة ما بعد الانتخابات وكل هذا مرهون بقدرته على دعم الهيئة المستقلة في اجراء انتخابات نزيهة وقدرته على اقناع اطياف سياسية واسماء ثقيلة في الدخول الى الترشيح وخاصة تلك الاسماء التي تتخوف من الاجراءات الانتخابية أكثر من تخوفاتها من القانون الاشكالي .
الرئيس المكلف يدخل الى الدوار الرابع مثل المتسابقين في سباق الحواجز وعليه تجاوزها بسرعة وبمهارة فائقة وليونة سياسية تخلو من امكانية العصر السياسي , فسباق الحواجز يتطلب عضلات قوية وليونة جسدية , ولا اظنه يفتقر الى ذلك , لكن اللحظة الراهنة لا تمنحه رفاه الوقت ولا فسحته , لتليين عضلاته كثيرا او ما يسمى في الرياضة بمرحلة الإحماء .
فهناك قوى سياسية غاضبة وهناك حراكات عاتبة , وجلّها في المحافظات والاطراف , وعتبها مبرر بعد مرحلة التهميش والتغييب وانعدام الحوار معها , رغم انها مؤمنة بيقين بالدولة الاردنية وتماسكها ومستقبلها , وهناك قوى سياسية غاضبة من ثنائية الحكومة والاخوان , وترى في ذلك تهميشا لها وقفزا عن امالها , رغم عدم انكارها لحجم ووزن الجماعة الاخوانية وحزبها , وهي تطالب بعدالة الحوار لا بالانفراد به على حساب القوى الاخرى .
العتب والغضب هما الحاجزان المطلوب تجاوزهما بسرعة والارضية جاهزة , فلا احد يريد اكثر من نزاهة الاجراءات وتوفير بيئة سياسية ضامنة للانتقال الى مرحلة تعظيم الاصلاح واعادة فتح قانون الانتخاب والقوانين الناظمة للحياة السياسية الدستورية , وكل هذا مرهون بتعظيم الثقة في الانتخابات القادمة وازالة ما علق بالانتخابات من مثالب وخطايا , لأن البرلمان القادم هو بيت التغيير ومكانه , ولا يمكن ان نعيد الكرّة بنفس الوجوه اذا بقي الحال كما هو عليه الان من عزوف عن الترشيح بعد ان تجاوز الشارع الشعبي حاجز العزوف عن التسجيل وتلك المهمة القادمة بل لعلها الاكثر اهمية .