شكرت جماعة الأخوان المسلمين مساء الجمعة ثلاثة أطراف بعد تنظيمها المسيرة الأضخم في تاريخ الحراك الشعبي لكنها أثارت في اليوم التالي عاصفة من الجدل على المستوى السياسي والإعلامي.
وقدم التنظيم الأخواني الشكر للإعلام ولأجهزة الأمن وللمواطن الأردني الشريف الذي شارك في المسيرة وأظهرحرصا على المطالبة بالإصلاح.
وتباينت ردود الفعل على المستوى الحكومي والصحفي والسياسي فقد سارع وزراء الحكومة لإعلان سلسلة تعليقات تحاول التخفيف من الزخم الشعبي للمسيرة فيما أعلن بيان للأخوان المسلمين بأن عدد المشاركين زاد عن 70 ألفا من المواطنين.
ورفض الناطق الرسمي بإسم الحكومة وزير الإتصال سميح المعايطة (أخواني سابقا) مبالغات الأرقام ساخرا من تضخيم الرقم على إعتبار أن الحكومة تعرف تماما (مساحة) الميدان الذي جرت فيه المسيرة وتعرف سعته.
وزير الحارجية ناصر جوده دخل بنفسه على الخط أيضا عندما أبلغ إحدى الفضائيات بأن عدد المشاركين لم يتجاوز ثمانية ألاف مواطن عبروا عن رأيهم في رفض قانون الإنتخاب مقابل مليوني مواطن سجلوا في كشوفات الناخبين.
هوس الرقم طال العديد من التحليلات والأرقام وإنتشر كالعاصفة في وسائط التعبر الإلكترونية وشغل جميع أفراد النخبة بسبب أهميته في توازنات الصراع بين الإسلاميين والسلطة لاحقا.
الكاتب الصحفي الساخرأحمد أبو خليل قال أنه لن يدخل في مسألة الرقم رغم خبراته في القياس والعد مشيرا لإنه تجول شخصيا في جميع أروقة المسيرة وما لفت نظره هو المشاركة النسائية فقد شارك أكثر من ألفي إمرأة بصورة منظمة.
ما لفت نظر أبو خليل هو التنظيم رفيع الدقة للإسلاميين الذين قدموا برأيه دليلا على قدراتهم الإنضطباطية العالية خصوصا عند الإستماع للمنصة وتوفير مساحات فراغات أثناء الطوابير والمسير مشيرا لإن المشاركين حضروا من عدة جهات لم تتوقعها السلطات الأمنية.
ما إعتبره ابو خليل تنظيما رآه الكاتب خالد المجالي إيحاء عسكريا.
لكن الكاتب والمحلل السياسي فهد الخيطان ركز في مقال حول إنطباعاته عن المسيرة من داخلها على بعدها (الإجتماعي والديمغرافي) ولاحظ بأن الجسم المركزي للمسيرة كان من عمان والزرقاء بالدرجة الأولى... شباب من مختلف الأعمار ونساء تجمهرن في الصفوف الخلفية.
اللافت وفقا للخيطان في ذلك أن الحركة الإسلامية نجحت، وربما للمرة الأولى، في حشد أردنيين من أصل فلسطيني خلف برنامج الإصلاحات الداخلي، وليس لأمر يتعلق بالقضية الفلسطينية كما جرت العادة في السابق ولهذا التحول في اهتمامات هذا المكون الرئيس في المجتمع دلالات ينبغي التوقف عندها من طرف الدولة.
وقال الخيطان: شعر قادة الحركة الإسلامية أثناء المسيرة أنهم نجحوا في اختبار القدرة، وهو ما يحفزهم على تنظيم مسيرات مماثلة في الأشهر التي تفصلنا عن الانتخابات النيابية المبكرة. الهدف الرئيس سيكون نزع الشرعية الشعبية عن الانتخابات، وضرب مصداقية المجلس الجديد قبل ولادته.
في الإتجاه نفسه كتب في صحيفة العرب اليوم ناهض حتر يعتبر أحد البنود السبعة للإصلاح المطروحة في المسيرة وهو (دولة المواطنة على أساس الحقوق والواجبات) هو نفسه مطلب تيار الحقوق المنقوصة وبنفس السياق كتب صحفي أخر في نفس الصحيفة عن سياقات الوطن البديل التي ظهرت في مشهد مسيرة إنقاذ الوطن.
لكن المداخلة الأكثر عمقا كانت بقلم الكاتب المخضرم باسم سكجها في صحيفة الدستور عندما قال بأنه بات واضحا قرار الحركة الإسلامية في اشغال ميادين الأردن بالمسيرات المتكررة، كما قال المراقب العام الشيخ همام سعيد، وفي التصعيد المتواصل وصولاً الى تغيير الدستور كما قال نائبه زكي بني رشيد، وهي رسالة موجهة الى المسؤولين كما قال الشيخ حمزة منصور رئيس حزب جبهة العمل الإسلامي.
القرار الرسمي، في المقابل، كان واضحاً ومعلناً ايضاً، فالحكومة راحلة بعد يومين تليها اخرى مهمتها اجراء الانتخابات في موعدها، وفقاً للاجندة المسبقة، فليس هناك لا تغيير على قانون الانتخاب ولا على الدستور، وعلى من يريد التغيير فليشارك ويغيّر من داخل المؤسسات الدستورية.
وختم سكجها قائلا : مضى يوم امس بالشكل الحضاري الذي نريد، ولم يُسجّل حادث امني مهم واحد، ولكننا نتساءل عن الفترة المقبلة، والأشهر الثلاثة التي ستسبق الانتخابات، ويوم الانتخابات، والنتائج، وفترة المجلس النيابي المقبل، نحن نتساءل - دون مواربة- عن موعد وكيفية خروجنا من الأزمة ما دام كل الأطراف الفاعلة يصرعليها.