بسام البدارين: لا أحد في الأردن يريد مناقشة الأرقام مجددا فآخر إستطلاع للرأي العام صدر عن الجامعة الأردنية يفيد بان نحو 56 % من المواطنين سيشاركون في الإنتخابات المقبلة رغم أن عدد المسجلين حتى اللحظة لا يزيد عن 35 % من المواطنين عموما.
أرقام من هذا النوع لا علاقة لها بالمنهجية العلمية بقدر ما لها علاقة بالذهنية المراوغة عموما عند المواطن خصوصا عندما توجه له أسئلة مباشرة .
رغم ذلك ينتقد التيار الإسلامي هذه الإستطلاعات ويصفها الرجل الثاني في جماعة الأخوان المسلمين الشيخ زكي بني إرشيد بانها إستطلاعات توجهها السلطة.
لكن دلالات هذه الأرقام لا تقف عند هذه الحدود فالهيئة المستقلة لإدارة الإنتخابات أعلنت بأن قطار التسجيل للإنتخابات إنطلق في عمان العاصمة بعدما تجاوز عدد المسجلين لحاجز نصف مليون مسجل للإنتخابات .
ضمنيا تريد الهيئة القول بأن برنامج المقاطعة لم يؤثر كثيرا في إتجاهات الرأي العام في مدن الكثافة السكانية بدليل تحسن معدلات التسجيل في العاصمة لكن المعارضة تقول بان عدد أفراد الهيئة المقترعة وجمهور الناخبين في العاصمة لا يقل عن مليون ناخب مفترض .
يعني ذلك أن الهيئة تحتفل بنصف عدد الناس الذين يفترض أن يتجهوا لكشوفات التسجيل في عاصمة يفترض أنها مسيسة وتترقب إنتخابات فاصلة ومهمة وتاريخية .
هذا العدد يالتأكيد لا يكفي -يقول عضو البرلمان محمد الحجوج- لكن أوساط السلطة تستعيد الذكريات التي تقول بان العاصمة عمان لم يسبق لها أن شاركت أصلا بأي إنتخابات بنسبة تزيد عن 30 % من القاطنين فيها في إتجاهات التسجيل وليس الإقتراع الفعلية .
بالنسبة للمحلل السياسي البارز الدكتور عامر سبايلة يريد أصحاب القرار في الدولة القول اليوم بان الدولة تستطيع تنظيم إنتخابات حقيقية ونزيهة ولو لمرة واحدة, الأمر الذي يبرر {تحصين} هيئة إدارة الإنتخابات من كل المؤثرات الجانبية وإصدار تعليمات ملكية بأن تعمل وحيدة في الميدان وبكامل صلاحياتها وبعيدا عن مراكز القوى والتجاذب.
الهوس بإثبات القدرة الرسمية على تنظيم إنتخابات نزيهة ولو لمرة واحدة يخاطب ضمنيا عواصم الغرب التي تتطلع للأردن كدولة صامدة ومستقرة قياسا بالإقليم بعد الربيع العربي وهو بكل الأحوال هوس له ما يبرره لكن سلسلة الأزمات التي يعيشها الشارع اليوم ولدت بعد التزوير الفاضح لإنتخابات عامي 2007 و2012 .
يتطلب النجاح بهذه المهمة أن تترك هيئة إدارة الإنتخابات مستقلة تماما لكن رئيسها المخضرم عبد الإله الخطيب تحدث عدة مرات وعلنا عن بعض الجهات الرسمية التي لم تعتاد بعد على وجود هيئة مستقلة .
لذلك قررت الهيئة مؤخرا تمديد فترة التسجيل لأسبوعين بالتوازي مع إرجاء الدورة العادية للبرلمان على أمل تجاوز حاجز المليوني مسجل وهو خيار أصبح متاحا رغم الأجواء الساحة في الشارع مع الإسلاميين اليوم.
بالمقابل إصرار الخطيب على الإلتزام الحرفي بسلسلة مهمة من المعايير الدولية في عملية التسجيل للإنتخابات وبقية المراحل مرده السعي لإنجاح مهمة (لفت نظر) العالم لإن الإنتخابات يمكنها أن تكون نزيهة في الأردن ردا على سعي المعارضة الإسلامية للفت نظر العالم بالمقابل بأنها تتبنى خطاب الإصلاح السياسي وليس مؤسسات الدولة.
مفارقات الأرقام في عملية التسجيل سياسيا تبدو أكثر طرافة عندما تتجلى بعض الحقائق فأفصل نسب تسجيل حتى الأن في الإنتخابات قياسا بعدد السكان يمكن توثيقها لصالح مدن جنوبية من طراز الكرك والطفيلة .
هذه المدن هي الأنشط والأسخن في عملية الحراك السياسي ..رغم ذلك يسجل الناس فيها للمشاركة في الإنتخابات التي ينظم الإسلاميون والحراك مظاهرة ضخمة ضدها الجمعة المقبلة .
تلك مفارقة لا يمكنها أن تحصل إلا في الساحة الأردنية حسب الكثير من المراقبين قد تنتهي بطرح تساؤلات بعنوان خلفيات الحراك السياسية او الإقتصادية أو التقليدية وبمدى تمثيله فعلا لبرنامج سياسي محدد.
أحد المصادر أبلغ القدس العربي بان من بين قادة تنشيط الحراك في مدينة صحراوية مثل المفرق لم يحصل فيها أي حراك بالماضي القريب شخص أشرف شخصيا على حرق مقر الأخوان المسلمين .
وهذا الشخص حسب المصدر يتصدر هتافات قاسية ضد النظام بعدما تصدى لمحاولات التحريك في مدينته قبل عدة أسابيع .
ونفس المصدر يشير إلى أن مسئولين محليين وزعوا أموالا نقدية لبعض من خرجوا للشارع بهدف الضغط حراكيا على النظام وتغيب هؤلاء قليلا عن الفعاليات لكنهم عادوا للتصعيد بعدما أنفق المبلغ المالي.
لذلك تبدو الأرقام الإستطلاعية وعند قرائتها سياسيا مضللة عندما يقارن المرء مستوى السخونة أو البرودة في بعض المناطق قياسا بأرقام المسجلين فيها للإنتخابات التي تريدها الدولة وسيلة لإحتواء الحراك الشعبي وإغلاق صفحته فيما يريدها الحراكيون الأكثر تأثيرا وهم الإسلاميون أداة للإنتقال من دائرة الحراك المحلي إلى مستوى نسخة من الربيع.