اخبار البلد : تُعدُّ ظاهرةُ الاستهتارِ بالممتلكاتِ العامةِ في مؤسساتِ الدولةِ مشكلةً كُبرى ،نتيجةَ ضعفِ الوازعِ الدينيِّ والوطنِيِّ والأخلاقِيِّ ،وعدمِ الإحساسِ بالمسؤوليَّةِ الاجتماعيَّةِ ،والمجتمعيَّةِ ،وضعفِ الولاءِ والانتماءِ ،وغيابِ التنظيمِ والنظامِ والعقوباتِ الرادعةِ .
فخُطةُ وزارةِ التربيةِ والتعليمِ 'المكتوبة على الورق'تهدفُ للتخلصِ من المبانِي المستأجرةِ واستبدالِها بمبانٍ حكوميةٍ مهيأةٍ لذلكَ ،ولكن الذي يحصلُ على أرضِ الواقعِ عكسَ ذلك تمامًا ،وهو استبدالٌ للمبانِي الحكوميَّةِ المملوكةِ للدولةِ بمبانٍ مستأجرةٍ .وهذا ما يزيدُ الأوضاعَ سوءًا ،إذا عَلِمنا أنَّ التوسُّع في استئجارِ المواقعِ الحكوميَّةِ يستنزفُ جزءًا كبيرًا من مواردِ الدولةِ ،حيثُ تبلغُ الكلْفة الإجمالية للمبانِي الحكوميَّةِ المستأجرةِ في المملكةِ (5ر10) مليون دينار سنويًا،وفقَ المديرِ عامِّ دائرةِ الأبنيَةِ الحكوميَّةِ في وزارةِ الأشغالِ العامَّةِ والإسكانِ.
وهذا يكشفُ وبوضوحٍ تامٍ عدمَ وجودِ خططٍ واضحةٍ لدى بعضِ الجهاتِ الحكومِيَّةِ لتقليصِ عددِ المباني الحكوميَّةِ المستأجرةِ لوقفِ النزفِ في مواردِ الدولةِ ؛الذي يُعدُّ جريمةً في الحقِّ العامِّ لما تسببهُ من خسائرَ ماديَّةٍ فادحةٍ يعاقبُ عليها القانونُ في جميعِ دولِ العالَمِ 'إلَّا في الأردنّ طبعًا'. قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :[إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ].
لا يملكُ الناظرُ لمبنى مديريةِ تربيةِ إربدَ الثانِيَةِ المملوكِ للدولةِ على تلِّ إربدَ الأشمِّ ،والتي أخْلتْه المديرية قبلَ أكثرَ منْ عامين إلى بناءٍ مستأجرٍ ،إلَّا أنْ يقفَ مشدوهًا مرعوبًا بالمشهدِ المزرِي ،وهو يرقبُ 'كارثةً' حقيقيةً تنهشُ ذلكَ المبنَى مع كلَّ لحظةٍ زمنيَّةٍ تمرُ عليه . وما هي إلَّا رحمةُ القدرِ التي لازالتْ تدفعُ الأسبابَ شفقةً عليه مِنْ بني البَشَرِ ،علّ المسؤلين مِمَّن عندَهم بقية ضميرٍ يتداركونَه قبلَ أنْ تقعَ الكارثةُ. لقدْ تَعَرَّضَ لِجَريمةِ اغتيالٍ نَكْراءَ، لِطمْسِ قِيمَتِهِ ، وتَرْكهِ يُصَارِعُ قدْرَهُ الغاشِمَ،هَكَذا تملَّكتنِي الدَّهْشَةُ ساعةَ أنْ وقفتُ على أطلالِهِ . أحقًا ،هذهِ حالُ مؤسساتنا الحكومية؟! إنَّه يبكِي ويشتكِي وزارةَ التربية والتعليم إلى الله مما يعَانِيه مِنْ إهمَالٍ ، وتقصِيرٍ ،ونِسْيانٍ ، وتَهْمِيشٍ قَلَّ نَظِيرُه .
فكمْ وكم أنفقتْ الحكومةُ من أموالٍ باهظةٍ [ضَحِيَّةَ الفَسَادِ] لأجلِ هذهِ المشاريعِ ؟!وكثيرةٌ هي أنواعُ الإهدارِ للمالِ العامِّ على أخطاء وتجاوزاتِ الجهاتِ المؤتمَنةِ على مثلِ تلك المشاريعِ ، بسببِ الإهمالِ الحاصلِ والتسيُّبِ وعدمِ المتابعةِ واللامبالاةِ بالمالِ العامِ .
وكي أضعَ المواطنَ الكريمَ في الصورةِ وحجمِ الكارثةِ :يتكونُ مبنى مديريةِ إربدَ الثانيةِ من أربعةِ طوابقَ في وسطِ مدينةِ اربدَ الإقتصاديةِ بمساحة لاتقل عن [600م]لكل طابق،وقدْ تمَّ إخلاؤه قبلَ أكثرَ من عامين ،ولا زالَ مهجورًا لغاية الآنَ معَ العلمِ أنَّه بالإمكانِ استغلالُه بسهولةٍ ويسرٍ كونُه ملاصقًا لمدرسةِ عمَّار بن ياسر الثانويَّة للبنين ،المكتظةِ الصفوفِ ؛والذي يزيدُ عددُ الطلابِ في كلِّ صفٍ دراسيٍّ عنْ[60]ستين طالبًا .
علاماتُ استفهامٍ وتعجبٍ كبيرةٍ موجهةٌ لمديرِ التربيةِ والتعليمِ في إربدَ الثانيةِ أولاً ،ثمَّ لجهازِ الرقابةِ الماليَّة في وزارةِ التربيةِ والتعليمِ ،وكلّ مسؤولٍ تهمه أموالُ هذا الوطنٍ ،وعلى رأسهم هيئة مكافحة الفساد ،لِمَ تُرِكَ هذا المَبنى وكرًا لأصحابِ السوابِقِ يمارسون فيه الرذيلَة بكل أنواعها ؟وعلى رأسها شربُ الخمورِ و...،وللفئرانِ والجرذانِ ومكبًا للنفاياتِ والآوساخِ ؛وقد كبدْتُمْ الوطنَ مبالغَ ماليةٍ طائلةٍ تقدر ب [ثمانين ألفَ دينارٍ سنويًا]ويزيد ،تلبيةً لرغباتٍ غيرِ مسؤولةٍ وجريًا وراءَ شهواتٍ مسعورة ،بعدَ توقيع ِعقودٍ لا يعلمُ حيثياتِها إلا علاَّم الغيوبِ . فأيّ انحدارٍ وإهدارٍ بعدَ هذا الإهدارِ!! أمَا كانَ الأولى البقاء في المبنى وتوفير عبءِ الإيجارِ على خزينةِ الدولةِ التي تشكو الطفرَ ومديونيةً لا يعلمُ بها إلَّا علاَّمُ الغيوبِ ،أو استغلاله فيما يعودُ على الوطنِ والمواطنِ بالنفعِ. ألا ينبغي أن تكون مؤسسات الدولة المعنيِّة بالمراقبة والتصدي لقضايا الناس وعلى رأسها مجلس النواب الحيِّ الميِّت يقظةً وفاعلةً ، وغيرَ مُجامِلةٍ في أيِّ تقصير من أيِّ جهة كانت ، والتحقيقَ في أي إخفاق ، وتحديدَ المسؤوليةِ والمحاسبة؟
تاركًا لكمْ مشاهدَ مصورةَ ،تقشعر منها الأبدان ،والتي تُجسِّدُ المأساةَ الحقيقيِّة لهذا 'الصرح الحكومي 'والتي أنقلُهَا إليكمُ منْ أرضِ الواقعِ كمَا هِيَ .