أخبار البلد -
مثل كرة الثلج، تدحرجت ردود الفعل على العملية الإرهابية التي حصدت أرواح سبعة عشر مجنداً مصرياً وأصابت عشرات آخرين، اختار القتلة لفعلتهم النكراء هذه أن تتزامن مع آذان المغرب واستعداد الضحايا لتناول إفطارهم الرمضاني ما منح العملية دليلاً آخر على حجم الإجرام والنذالة الذي يتوفر عليه هؤلاء وتهافت الخطاب والمبررات – إن كانت ثمّة مبررات أصلاً – الذي يحاولون تسويقه وإلباسه لبوساً جهادياً أو تحررياً أو معاداة لإسرائيل والمشروع الصهيوني الاستيطاني الإحلالي في فلسطين.
وليس بعيداً عن غموض دوافع المعتدين وردود الفعل الإسرائيلية التي عكست يقظة وجهوزية (إسرائيلية) لافتة محمولة على تحذير «ساخن» أطلقته أجهزة الأمن الإسرائيلية للسياح اليهود في سيناء بضرورة مغادرتها فوراً ثم مسارعة إسرائيل إلى تسليم جثث الإرهابيين الستة الذين قضوا في ناقلة الجنود المصرية المسروقة والتي عبروا بها الحدود بين مصر وإسرائيل، فإنّ الخطوات التي اتخذتها الحكومة المصرية تدفع للاعتقاد (وبعيداً عن نظرية المؤامرة الجاهزة) بوجود صلة ما بين المنفذين ودوائر إسرائيلية أرادت تغيير قواعد اللعبة الجديدة التي فرضتها ثورة 25 يناير رغم اطمئنانها (تل أبيب) إلى الضمانات والتعهدات التي قطعها الرئيس المصري (الإخواني حتى لا ننسى)، ومن قبله جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها لواشنطن بعدم فتح اتفاقية كامب ديفيد، أو نقضها أو التهديد بإلغائها..
ما يؤشر أيضاً إلى أن السُرعة التي اتخذت فيها القاهرة قرارها بإغلاق معبر رفح إلى إشعار آخر (وهو المعبر الذي كان الرئيس المصري قد أمر بفتحه على مدار الساعة ودخول فلسطينيي غزة دون تأشيرات بعد استقباله «التاريخي» لرئيس الحكومة المقالة «الإخواني» إسماعيل هنية في القصر الرئاسي) إضافة إلى البدء بحملة عنيفة، لم يُقْدِم عليها نظام حسني مبارك، يضع أكثر من علامة سؤال حول ما إذا كانت الرئاسة المصرية قد وقعت في خطيئة الانفعال والغضب الذي أعماها عن التفكير ببرود والتساؤل عمّن هو المستفيد من عملية إجرامية كهذه لم يكن تخطيطها وليد الساعة كما يعكسها عدد المشاركين الكبير (35 عنصرا) والمدة الزمنية الطويلة التي استغرقها الإعداد لجريمة مهولة كهذه، ثم التساؤل عمّا اذا كان مسارعة الإرهابيين باتجاه الأراضي الإسرائيلية هو لارتكاب عملية ام للهرب والاحتماء لدى مَنْ – ربما – منحهم إسناداً ووعدهم بالحماية؟
لن تغيب الأسئلة عن عملية غامضة ومعقدة، يكاد فيها خيط الحقيقة ان يضيع أو ربما ضاع فعلا وإلاّ ما الذي تريده إسرائيل عندما توافق «بلا تردد» على عبور أعداد ضخمة من الجنود والعربات المصفحة والطائرات الحربية من أباتشي وأخرى مقاتلة قناة السويس، وعمق المنطقة «ج» (وما ادراك ما المنطقة ج) كي تقوم بعمليات عسكرية هي الأضخم منذ حرب أكتوبر 73 والهدف ملاحقة الخلايا المسلحة والإرهابية وتدمير الانفاق (كافة) فيما لم يكن رد الفعل (المصري) هذا او اقل منه بكثير، عندما عبرت قوة عسكرية إسرائيلية الحدود المصرية وقتلت ستة جنود مصريين بدم بارد وكان اعتذارها (المتأخر) ملتبسا بل هو أسف أكثر منه اعتذاراً؟
هل قلنا المنطقة «ج»؟
نعم.. حيث قسمت اتفاقية كامب ديفيد، سيناء إلى ثلاث مناطق، منطقة (أ) ينتشر فيها الجيش المصري بعديد يصل إلى 22 ألف جندي وتشرف عليها لجنة تضم 3 ضباط (مصري، إسرائيلي وأميركي) للتأكد من تعداد أفراد الجيش المصري وعدد قطع الأسلحة المتفق عليها، إما المنطقة (ب) فتضم قوات شرطة «فقط» في حين تُعْتَبَر المنطقة «ج» المنطقة الملاصقة للحدود المصرية الإسرائيلية، ولا يُسمح فيها إلاّ بوجود قوات حرس حدود بتسليح شخصي (بنادق آلية للجنود ومسدسات للضباط) إلى جانب القوات متعددة الجنسيات وخاصة الاميركية، زد على ذلك انه يُحْظَر على الطائرات الحربية المصرية التحليق إلاّ في سماء المنطقة (أ) التي تبعد عن إسرائيل آلاف الأميال، كذلك يُحْظَر على مصر إنشاء أي مطار أو ميناء حربي في سيناء وحول شواطئها.
فهل تغيرت قواعد اللعبة؟ ومَن الذي غيرها؟ وقبل كل شيء مَنْ سيدفع ثمن هذا التغيير الدراماتيكي الذي تشي مقدماته بأنها غزة وشعبها المحاصر بكل ما يرتبه ذلك من أكلاف واستحقاقات على مستقبل القضية الفلسطينية؟