أخبار البلد -
الاهتمام غير العادي بمسلسل عمر، ربما يرجع الى عنصرين لافتين هما: تجسيد الخلفاء الراشدين لاول مرة في مسلسل سني الاعداد. والنظر الى المسلسل باعتباره احد ارهاصات الاشتباك السني الشيعي، الذي يتفاعل بابعاده المتعددة هذه الايام. وبالطبع فان عمر بن الخطاب، من اهم مواد هذا الاشتباك تاريخيا ومذهبيا.
ومن خلال ما بث من حلقات، يلاحظ ان المسلسل قد حظي بعناية كبيرة، ووفرت له كل المستلزمات الضرورية لوضعه في مقدمة الاعمال التاريخية الدرامية. وربما تحقق هذا الهدف حتى قبل بثه على الجمهور. ومع ذلك فانه لن يكون في منأى عن ابداء الملاحظات عليه. وفي هذا الصدد، فالملاحظ ان النص عموما بدا اقل قوة وتماسكا، مما اعتاد المبدع وليد سيف كتابته لمسلسلات كصقر قريش او ربيع قرطبة على سبيل المثال. كما انه لم يأت بجديد في المعلومة التاريخية عن سيرة عمر. وربما في ذلك عذر مقبول، فالروايات التاريخية عن الفاروق قبل وبعد اسلامه الى ان اصبح خليفة، شحيحة ونادرة، ولاتعبر عن دوره المحوري، رغم انه كان يتحرك في الدائرة المقربة من الرسول صلى الله عليه وسلم ويعتبر المساهم الاكبر في البيعة لابي بكر، ومستشاره الاول. ومن هنا يفسر غياب عمر عن العديد من احداث المسلسل الذي بدا في بعض الاحيان، وكأنه مسلسل عن تاريخ الاسلام، اكثر منه مسلسلا عن عمر. ولهذا يلاحظ ان الكاتب قد اضطر الى حشر عمر في احداث لاعلاقة له بها، لكي يقلل من نسبة هذا الغياب، ومنها مثلا معركة بدر، حيث اختطف المسلسل جزءا من الدور القيادي لحمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه في المعركة، واعطاه دون مبرر لابن الخطاب.
كما ان اللقاء الاول بين عمر وعلي بن ابي طالب رضي الله عنه، تمت صياغته بكثير من المبالغة والحميمية التي ابداها عمر تجاه علي، وبدا ان ذلك جزءا من محاولات يبذلها المسلسل، لنفي ما يقوله الشيعة عن علاقة سلبية ومشوشة بين الصحابيين. غير ان المحاولة كانت مكشوفة، لما فيها من تزيد غير محبب. وفي جانب اخر اورد المسلسل على لسان ابوبكر ان الرسول «ص» قال ان «سلمان منا اهل البيت «، والصحيح انه قال «سلمان منا ال البيت» وهناك فارق بين القولين.
لم يعط تركيب صوت مبالغ في جهوريته بعدا ايجابيا لشخصية عمر، وكان واضحا ان العملية كلها، لم تكن ملائمة في جميع جوانبها. كما ان اختيار من يمثل دوري علي وخالد بن الوليد، لم يكن موفقا، ولايعبر عن ما ورد عنهما في التاريخ، او عن رصيدهما في المخيال الشعبي.
ملاحظات عديدة تاريخية وفنيه على المسلسل، الذي لم يكن بحق يساوي حجم المتوقع من كاتب مبدع ومخرج موهوب، عالجا شخصية عبقرية في التاريخ. ومع ذلك يسجل للمسلسل انه حقق اختراقا بتجاوزه لاحد المحرمات الفنية، حول تجسيد شخصيات الخلفاء، مما يفتح الباب لاخرين للعمل محتجين بهذه السابقة.