أخبار البلد -
هناك لهجة إعلامية سادت في العقود المنصرمة، إبان مرحلة الضياع والتيه التي مر بها العالم العربي، وقفز إلى السلطة أنظمة وشخصيات متسلطة متعطشة للسلطة بالدم والبارود وجاءت في خلسة من الجماهير وتحت جنح الظلام، واستطاعت ان تمارس التضليل والخداع الإعلامي اللذين يقومان على مجموعة مرتكزات:
المرتكز الأول يتمثل بشيطنة الخصوم السياسيين وتشويه المعارضة السياسية والارتكاز على مقولات الاتهام بالعمالة والخيانة والإمبريالية وتجنيد المرتزقة من أصحاب الأقلام لممارسة هذه الحرب الدعائية الغوغائية الرخيصة.
المرتكز الثاني: تبني الادعاء بالتقدمية والثورية، والمفاهيم الاشتراكية الرنانة التي تبنتها الثورة البلشفية في الاتحاد السوفييتي، ويترافق ذلك مع اتهام المخالفين بالرجعيّة، والتخلف والماضوية والظلامية، والرجوع إلى القرون الوسطى، والدين أفيون الشعوب وما شابه...!!
المرتكز الثالث: الاستثمار في القضية الفلسطينية ومقولات المدافعة والممانعة ومحور المقاومة، ومعاداة الصهيونية والإمبريالية والاستعمار لفظاً وعلى الورق وفي الفراغ الفضائي الإعلامي. جزء من هذه السياسات الإعلاميّة أصبحت ممجوجة وممّلة وسمجة، وتؤذي أسماع الأجيال خاصة بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانهيار المنظومة الاشتراكية، و عندما تحول العالم نحو سياسة القطب الواحد، بدأت هذه الأنظمة تتحول رويداً رويداً نحو الخطاب الأمريكي وتملقه، وعندما جاء بوش الابن والمحافظون الجدد وأقاموا الحلف العالمي لمقاومة "الإرهاب" تحول كل هؤلاء الثوريون والثرثارون إلى خطاب مكافحة "الإرهاب". وأصبحت أمريكا تعتبر كل من يعارض احتلالها وسيطرتها هم مجموعات إرهابية وأصبح مصطلح الإرهاب يكاد يكون مقتصراً على اللون الإسلامي.
الأنظمة العربية ركبت الموجة الأمريكية العالمية، وأصبحت تصف معارضيها بأنهم مجموعات إرهابية وتمارس الحرب ضدهم تحت هذا الغطاء لضمان سكوت المعلّم الأكبر.
في هذه الأيام تعود إلينا اللغة الإعلامية الخشبية القديمة، فترى بعضهم عاد ليستخدم ما تربى عليه سابقاً وما اعتاد عليه لسانه من كثرة التكرار والتلقين ولذلك أصبحنا نسمع مصطلحات الرجعية والظلامية والعصابات الإرهابية والسلفية والأصولية، وكلها تتعلق بالإسلاميين فقط، وأصبح هؤلاء أدوات بيد الأنظمة القمعية التسلطية الاستبدادية وأصبحوا جزءاً من الحملة الأمريكية العالمية على (الإرهاب) وأدوات في مقاومة المد الإسلامي!!
وعادت لغة التخوين والعمالة مرّة أخرى والمسارعة الى فبركة المؤامرات والتحالفات، وإخراج المشاهد الدرامية بطريقة مسرحية ساذجة، وتجد هؤلاء يكتبون بلغة الواثق وكأنهم كانوا شهوداً على مجالس العقود والتحالفات وإجراء الصفقات.
ولكن ما أود قوله في هذا السياق ان كل هذه الاستراتيجيات الإعلاميّة القائمة على الوصف بالرجعية والتخلف والظلامية، أو العمالة والخيانة هي جزء من مخلفات العهود البائدة، أو من يجعل نفسه الوكيل الحصري للقضية الفلسطينية ومعاداة الصهيونية، وأنه هو وحده الذي يتولى توزيع الوثائق والمستندات الخاصة بها، وعلى جميع القوى السياسية الناهضة والفاعلة في عمق مشهد التحولات العربية ان يأتوا ليأخذوا أوراق اعتمادهم من هؤلاء الوكلاء على المقاومة والممانعة ومعاداة الصهيونية، وهؤلاء هم الذين يعطون صكوك البراءة بعد تحقق شروطهم، كل ذلك جزء من الماضي ومحنطات المتاحف الأثرية.