قانون الانتخاب الجديد لمجلس النواب لعام 2012 لم يجد قبولاً واسعاً لدى الأوساط الحزبية والسياسية والنقابية، فهو موضع انتقاد شديد، وهناك أحزاب وقوى سياسية معارضة ترفضه، وتلّوح بمقاطعة الانتخابات التي تجري على أساسه بل إن بعضها اتخذ قراراً بذلك.
وهذا الوضع ليس جديداً، فقد كانت الانتخابات السابقة وطيلة العقدين الماضيين وفقاً لقانون مؤقت تضعه السلطة التنفيذية ( الحكومة) وقليلاً ما يحظى بالتوافق الوطني الواسع، وكثيراً ما كانت قوى المعارضة تلجأ إلى مقاطعة الانتخابات بسبب ذلك القانون المؤقت ومضامينه.
هذه المرّة جاء القانون دائماً، أي أنه صدر عن السلطة التشريعية (مجلس الأمة بشقيه: النواب والأعيان).. وقد جرى تعديله أو تعديل مادة وحيدة منه بناء على رغبة ملكية، ومع ذلك فإن التعديل، والقانون الأصلي، لم يحظيا بالقبول لدى المعارضة الممثلة بجبهة العمل الإسلامي وبعض الأحزاب اليسارية والقومية.
لا أعتقد أن هناك قانوناً يحظى بإجماع وطني. فثمة من يعترض عليه، أفرادا، أو جماعات أو مؤسسات، لسبب أو لآخر.ولو حاولت الجهات المعنية صياغة قانون وفقاً لتوجهات الأحزاب والقوى السياسية لما استطاعت الوصول إلى نتيجة تذكر!! والسبب هو أن المصالح الجهوية والفئوية متناقضة حدّ التصادم، وما يرضي هذه الجهة يغضب الجهة الأخرى!!
غير أن هناك توجهاً عاماً بعدم قبول قانون الصوت الواحد، وهذه هي الحجة الأساسية التي ترفض بسببها قوى المعارضة القانون الحالي، ورفضت بموجبها العديد من القوانين السابقة، في العقدين الماضيين.
والذّي يدقق في القانون الجديد لا يجد أن هذه الدعوى صحيحة أو سليمة، فالقانون ينص على وجود دائرتين: محلية وعامة، للانتخاب، ولكل مواطن صوتان: واحد للدائرة المحلية والآخر للدائرة العامة أو القائمة الوطنية (على مستوى المملكة). وهذا يعني أن مبدأ الصوت الواحد، قد انتهى! ومع ذلك فهناك تحريف لمعنى الصوت الواحد، بحيث ينطبق عليه المثل القائل « عنزة ولو طارت».
لا شك أن في القانون الجديد ثغرات، وأنه لا يلبي كل التطلعات والآمال، ولكنه أصبح قانوناً نافذاً بعد مروره بكل مراحله الدستورية، وهو لا يشكل عائقاً أمام ممارسة المواطن لحقوقه وواجباته، ثم لا مانع من المطالبة، دائماً، بتعديل القانون وصولاً إلى وضع أفضل.
أكاد أجزم أن المقاطعة هي سلوك سلبي، وتقصير بواجب وطني، وتفريط بحق دستوري، وقد سبق أن لجأت المعارضة إلى المقاطعة، غير أنها لم تحقق الأهداف المرجوة من قرارها بل جرت الانتخابات ووصل إلى مقاعد البرلمان أعضاء تعتقد قوى المعارضة أنهم لا يمثلون الناس، وأنهم غير أكفاء.
ولستُ هنا بصدد مناقشة كل هذه المسائل المُثارة فهي خلافية وجدلية، ونحن نحترم حق المعارضة في إبداء الرأي والتّعبير عنه بوضوح بشأن القانون ومعطياته وأبعاده السياسية والاجتماعية.
غير أن المسألة أبعد من ذلك، فالمواطن الذي يتخلّى عن حقه ولا يقوم بواجبه، وفقاً للدستور والقانون، هو نفسه الذي يعود بعد ذلك ليطعن في الانتخابات، وينتقد المجلس المنتخب الذي يعتقد أنه « لا يمثل الشعب...»!! ثم يبني على ذلك مواقف سياسية مختلفة، وهذا يضعنا في دوامة لا تنتهي!
إن السبيل الأسْلًمْ، في ما أرى، هو أن نُشارك جميعاً وننتخب وفقاً لهذا القانون النافذ، ثم ليقُم المجلس الجديد بوضع قانون آخر يلبي تطلعات جميع الأطراف، أو يكون أقرب إلى ذلك.
وهذه ليست أحجية ولا لُغْزَاَ يستعصي على الحل!
فالأهم من ذلك كله نزاهة الانتخابات وسلامة إجراءاتها.
لا شك أن في القانون الجديد ثغرات، وأنه لا يلبي كل التطلعات والآمال، ولكنه أصبح قانوناً نافذاً بعد مروره بكل مراحله الدستورية، وهو لا يشكل عائقاً أمام ممارسة المواطن لحقوقه وواجباته، ثم لا مانع من المطالبة، دائماً، بتعديل القانون وصولاً إلى وضع أفضل.