اخبار البلد : عمان ، 21 حزيران ، محمد شريف الجيوسي
نقلت وكالة الأنباء الأردنية بترا والصحافة الورقية نص حديث أجراه رئيس تحرير جريدة الحياة اللندنية غسان شربل مع الملك الأردني عبد الله الثاني في ختام زيارة عمل قام بها للعاصمة البريطانية لندن .
ورداً على أسئلة ملغمة في أغلبها وجهها شربل للملك ، قال الملك عبد الله الثاني أن الظروف والمتغيرات السياسية من حولنا تفرض علينا أعباء جديدة، فاستيعاب أعداد متزايدة من الأشقاء السوريين أمر ليس سهلاً بالنسبة الى بلد يعاني أساساً من شح الموارد، وتراجع حجم التجارة من سورية وإليها بسبب الأزمة هناك، له تأثير سلبي في وضعنا الاقتصادي ويزيد من حجم التحديات التي تواجهنا.
وعن الاتصالات بين الملك الأردني والرئيس العربي السوري دكتور بشار الأسد حالياً، قال ليس هناك اتصال شخصي ومباشر مع الرئيس بشار الأسد، وآخر اتصال كان منذ مدة ومع بداية الأزمة في سورية، حيث أرسلت رئيس الديوان الملكي الهاشمي في حينه ليُطلع الرئيس الأسد على الخطوات التي اتخذناها في الأردن لإطلاق عملية حوار وطني تؤسس للإصلاحات، علّها تكون مفيدة لهم، لكن الاتصالات توقفت عند تلك النقطة، وللأسف، رأينا الوضع في سورية يتجه نحو الأسوأ منذ ذلك الحين، والمزيد من استخدام العنف، وسفك الدماء وسقوط الآلاف من الضحايا من أبناء وبنات الشعب السوري الشقيق.
وأضاف : ما يحدث في سورية من تطورات متلاحقة ومتسارعة يُقلقنا، لا سيما أنه يؤثر في أمن واستقرار المنطقة برمتها.
وأعرب عن اعتقاده بان الحل الذي نؤيده للأزمة السورية هو حل سياسي سلمي ينهي النزاع والعنف، ويحقن دماء الأشقاء السوريين ويحافظ على وحدة التراب والشعب السوري الشقيق، حل يتضمن عملية سياسية تستجيب لطموحات الشعب السوري بالإصلاح، وإلى الآن لا تزال مبادرة المبعوث الأممي العربي كوفي أنان الأقدر على بلورة سيناريو شامل للحل، ونحن ملتزمون بدعمها ومستمرون بالعمل في إطار الجامعة العربية.
وأكدنا أكثر من مرة وخلال لقاءاتنا مع قادة الدول وكبار المسؤولين على الصعيد العربي والإقليمي والدولي، دعمنا لمهمة المبعوث الأممي والعربي إلى سورية كوفي أنان بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة يضع حداً للعنف وإراقة الدماء، ويحافظ على وحدة سورية وشعبها، ومرة أخرى، نحذّر من التداعيات الكارثية لما يجري على الساحة السورية وتأثيراتها في كل دول المنطقة.
لا بديل من الحل السياسي باعتقادنا واعتقاد الغالبية، لأن التدخل العسكري يُعقّد الوضع ويزيد من مخاطر الانفلات الأمني الشامل في المنطقة، يجب تكثيف الجهود العربية والدولية لإنهاء الأزمة سياسياً، والأهم من ذلك إنسانياً، ولكن يؤسفني، كما يؤسفنا جميعاً، أن نرى خطة المبعوث أنان تتعثر والكثير من بنودها لم يبدأ تطبيقه بعد.
الوضع في سورية مفتوح على كل الاحتمالات، فالتركيبة المعقدة للمجتمع السوري تزيد من تعقيدات الأزمة وخطورتها، ونافذة الحل والخروج من الأزمة آخذة بالانكماش، وعلى الجميع التنبه إلى خطورة التطورات والانزلاق نحو حرب أهلية، هذا أكثر شيء يقلقنا في سورية.
إن غياب الاستقرار واستمرار العنف في سورية خطر مباشر على جميع دول المنطقة، وقد بدأنا نعيش تبعات الأزمة السورية في شكل تدفق الأشقاء السوريين إلى الأردن بحثاً عن الأمان والمأوى لهم ولعائلاتهم، وتفاقم الوضع الإنساني في سورية يعني زيادة الضغط على الأردن، حيث يوجد لدينا حوالى 120 ألف سوري عبروا الحدود منذ بدء الأزمة وأحداث العنف.
هذا الرقم يترجم بدخول أكثر من 7 آلاف طالب سوري وأكثر إلى المدارس الأردنية، وتقديم الرعاية الصحية والخدمات للسوريين الموجودين في الأردن بالتنسيق مع مؤسسات إغاثة دولية وإقليمية، ما زاد الضغط على الخدمات والمصادر الطبيعية كالمياه.
إن الأردن بحاجة إلى دعم دولي مؤسسي ومستمر ليتمكن من القيام بهذا الواجب الإنساني الأساسي تجاه الأشقاء السوريين.
وفي سياق رد على سؤال لاحق حول الموقف الاردني من توجيه ضربة لإيران قال : إن الأردن معني بأمن المنطقة التي يعيش فيها واستقرارها، وهو ضد سياسة التدخلات في شؤون الدول العربية الداخلية ( والمقصود هنا دول مجلس التعاون الخليجي ) وهو مع الحفاظ على سيادة هذه الدول، ووحدة أراضيها ضد الأطماع الخارجية بغض النظر عن مصدرها.
وحول تدريبات الأسد المتاهب التي جرت مؤخراً على الأرض الردنية قال عبد الله الثاني : لا توجد أي علاقة لهذه المناورات التي تم تحديد موعدها منذ فترة طويلة، بالوضع في سورية، حيث ركزت على تدريبات وتمارين الحرب غير التقليدية التي تشمل مقاومة الإرهاب وأمن الحدود والنقل الاستراتيجي، ومواجهة التحديات الناشئة عن الأزمات، وهي تندرج ضمن المناورات الاعتيادية التي تجرى بين فترة وأخرى، بمشاركة قوات من دول عربية شقيقة وأجنبية وصديقة.
ونوه الملك الأردني رداً على سؤال أن الأردن يتابع باستمرار تطورات الأوضاع في لبنان الشقيق، وتُقلقنا بطبيعة الحال أحداث العنف والاشتباكات التي حدثت اخيراً، خصوصاً في مدينة طرابلس، وهذه نتيجة مباشرة لتأزم الأوضاع في سورية وانعكاساتها على لبنان بحكم الامتدادات السياسية والديموغرافية، ونتمنى أن تسود الحكمة ولغة الحوار وتغليب المصلحة الوطنية على الاحتقان والاصطفاف، فالمنطقة لا تحتمل بؤر توتر جديدة،
متسائلاً لمصلحة من تأجيج نار الفتن والتمحور والانقسام عوضاً عن تعظيم القواسم المشتركة التي تجمع بين أبناء الأمة الواحدة التي عانت ما عانت عبر تاريخها الطويل من مثل هذه الفتن؟ نحن بحاجة إلى صحوة حقيقية توحّد صفوف الأمة في مواجهة مختلف التحديات وفي سعيها لتحقيق الذات، ( خصوصاً في ظل الربيع العربي الذي جاء نتيجة تعطش الشعوب العربية للحرية والكرامة ) والأمل بغد أفضل.
وأقر الملك بأن المرحلة التي تمر بها الجامعة العربية حالياً لا تمثل إمكاناتها المستقبلية المتوقعة في ظل (عملية التحول والمخاض والربيع العربي) التي ستقود في مجملها إلى تقارب في المواقف والسياسات والتوجهات العامة العربية. قد يستغرق ذلك وقتاً، معتبراً أن الربيع العربي فرض أولويات محلية ووطنية بالدرجة الأولى، لكن بعد الاستجابة إلى هذه الأولويات، سيكون التركيز على البعد الإقليمي والعمق العربي وستكون المظلة الجامعة هي جامعة الدول العربية.
وجدد الملك القول بالتزام الأردن بمعاهدة السلام مع إسرائيل، والقنوات الدبلوماسية المفتوحة بيننا ساعدت كثيراً في حل مشاكل سياسية وأمنية، كما ساعدت على تقديم العون الإنساني للأشقاء الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة عبر السنين الماضية، خصوصاً خلال وقت الأزمات، كما أنها تساعد في الوصول إلى المؤمنين بعملية السلام ورسالة السلام في المجتمع الإسرائيلي. معتبراً أنها في نهاية المطاف (مسخّرة لخدمة قضايا الأمة وعلى رأسها القضية الفلسطينية).
وأتبع الملك : لا نزال نعتقد بأن فرص تحقيق السلام، القائم على إيجاد حل لجميع قضايا الوضع النهائي، خصوصاً القدس واللاجئين والحدود والمياه، موجودة، ولكن هذه الفرص لن تدوم طويلاً،وإذا استمرت حالة الجمود في جهود تحقيق السلام، فسيكون مستقبل المنطقة وشعوبها مظلماً، ولا يمكن التنبؤ به. لطالما حذرنا من انزلاق المنطقة إلى مزيد من العنف والتوتر بسبب غياب العدالة وفرص التنمية،
وحول احتمالات حدوث فوضى في الأردن اجاب، فليس هناك بلد أو مجتمع محصّن من خطر الفوضى،.. وفي إمكاننا أن نبني مناعة ضد الفوضى وتداعياتها من خلال المحافظة على متانة الجبهة الداخلية وتماسكها، ..
وعن نهج الحكومات الردنية قال أن تطوير نهج الحكومات البرلمانية يعتمد بشكل أساس على قدرة الأردن على بلورة بنية حزبية برامجية، تتطلب وجود أحزاب وكتل برلمانية قادرة على تمثيل غالبية المواطنين، بحيث تنتشر الثقافة الحزبية، وتكون هي القناة الرئيسة التي يعبّر الشعب من خلالها عن نفسه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
وعن إخوان الأردن الإخوان هم أحد مكونات المجتمع الأردني الذي نعتز به، وحزبهم السياسي، حزب جبهة العمل، هو جزء من الطيف السياسي، وحضورهم في الحياة السياسية مؤشر الى التنوع الذي طالما حرصنا على إثرائه، ومواقفهم من العملية السياسية الإصلاحية في الأردن باتت أخيراً محكومة باعتبارات ذاتية ومدخلات إقليمية. ومن الضروري أن نتذكر أن الحضور السياسي الذي يتمتع به الإخوان في الأردن هو حصيلة نهج التسامح والانفتاح والتعددية الذي تبناه الأردن تاريخياً، ما أتاح لهم خوض ميادين العمل العام منذ عقود طويلة من دون انقطاع،
وأتمنى على جميع الأحزاب والقوى السياسية أن ترتقي بأدائها السياسي إلى المستوى الذي تتطلبه منّا هذه المرحلة الحاسمة والدقيقة من مسيرة الوطن الإصلاحية
وشدد الملك من صعوية الأوضاع الاقتصادية في الردن قائلاً : المعركة ( يقصد في الأردن ) اليوم، إن جاز التعبير، هي الإصلاح الشامل في ظل ظروف اقتصادية صعبة ومعقدة واستثنائية، من الصعب جداً أن تخاطب الوعي والإرادة السياسية لدى الناس عندما تتصدر الأوضاع الاقتصادية أولوياتهم، والتحدي الرئيس هو كيف نقنع الناس بتشابك الاقتصادي بالسياسي، وأقر بأن الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي نعيشها اليوم بحاجة إلى قرارات وسياسات اقتصادية واجتماعية مدروسة وشاملة وطويلة المدى، تستند إلى إرادة شعبية من خلال ممثلي الشعب في البرلمان،
وأضاف أن الاقتصاد الوطني يواجه تحديات غير مسبوقة، من أبرزها تحدي التزود بالطاقة والارتفاع الكبير في فاتورة النفط والغاز وكلف استيراده، حيث نستورد نحو 96 % من حاجتنا للطاقة، إضافة إلى 87 % من احتياجاتنا الغذائية، بأسعار متقلبة غالباً نحو الأعلى،
منوهاً بان الأردن يعوّل على الشراكات مع الدول العربية الشقيقة وفي مقدمها مجلس التعاون لدول الخليج العربي، من طريق تعزيز قدرتنا على استقطاب الاستثمارات الخليجية، والبناء على ميزة الاستقرار الذي نتمتع به، وبما يمكننا من مواجهة التحديات الاقتصادية الصعبة.
علاقتنا بالمملكة العربية السعودية الشقيقة هي علاقة أخوّة وتعاون كامل وشراكة استراتيجية وتاريخية تقوم على التنسيق الدائم في الرؤى والمواقف إزاء شتى القضايا والتحديات التي تواجه بلدينا وشعبينا والدول العربية والإسلامية، ونقدر مواقف الملك السعودي عالياً الداعمة للأردن، ما مكننا من مواجهة الكثير من التحديات والصعوبات .. مثلما نقف دائماً في الأردن إلى جانب المملكة الشقيقة في كل الظروف والأحوال.
نحن حريصون على بناء علاقات تعاون وثيقة مع أشقائنا في مجلس التعاون لدول الخليج العربي، بغض النظر عن شكل ووصف هذه العلاقة،
والحديث مستمر وجار بين اللجان المختصة لتطوير العلاقة التشاركية والاستراتيجية ( مع دول مجلس التعاون ) لتصل إلى المستوى المطلوب الذي يعكس عمق العلاقة المميزة ووحدة المصير والهدف.
وعن رويته تجاه القضية الفلسطينية قال لا يوجد بديل يحقق طموح وحقوق وأماني الشعب الفلسطيني، واحتياجات إسرائيل للأمن والقبول في المنطقة إلا حل الدولتين: دولة إسرائيلية تعيش بأمن وسلام وقبول إلى جوار دولة فلسطينية مستقلة وقابلة للحياة على التراب الوطني الفلسطيني، وعلى خطوط الرابع من حزيران (يونيو) عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية والمرجعيات المتفق عليها بما في ذلك مبادرة السلام العربية
أؤكد أن الحلول من جانب واحد تعود دوماً بنتائج سلبية على الطرفين، خصوصاً الإجراءات الأحادية الجانب وسياسة الاستيطان .. وفي حديثنا عن السلام، يجب ألا ننسى مدينة القدس، فالأوضاع هناك مقياس دقيق لحالة العملية السلمية.
واجبي أن أستمر في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف، فالقدس أمانة في عنقي كهاشمي، ... وهي ( أي المقدسات ومدينة القدس ) في السياسات الإسرائيلية الأحادية والمتطرفة حالياً هي ليست قدس التنوع والتعدد والسلام والتعايش وحرية العبادة والشعائر، ويبقى الوضع في القدس مؤشراً على نيات إسرائيل الحقيقية تجاه جهود السلام برمتها، وتجاه فكرة التعايش والقبول في المنطقة، فلا سلام حقيقياً وثابتاً من دون حلول عادلة لهذه المدينة وواقع سكانها، أبنائنا وبناتنا من المسلمين والمسيحيين.
وحول ما أسماه الصحفي التمدد الإيراني في الشرق الأوسط الجديد؟ رد الملك ما يزعجنا حقيقة هو إثارة التوتر ومحاولة زعزعة استقرار المنطقة، وتهديد أمن بعض دولها، وأيضاً أن تُكرَّس ثروات المنطقة وإمكاناتها وأولوياتها نحو أهداف غير بنّاءة ولا منتجة، تعمق حالة الاستقطاب والتوتر، ( ربما قصد هنا المفاعلات النووية الإيرانية ) الحقائق الديموغرافية لمنطقة الشرق الأوسط تتطلب من دول المنطقة وجميع اللاعبين الرئيسين فيها التفكير بمسؤولية أكبر تجاه أجيال المستقبل..وتنفيذ حلول استراتيجية لقضايا الطاقة والمياه والغذاء، وهذا كله لن يتأتى في ظل أجواء إقليمية مشحونة تقوم على الاستقطاب.
وحول تحذير الأردن من عواقب ضرب إسرائيل للمفاعلات النووية الإيرانية قال ، كان تحذيرنا في سياق الحفاظ على أولوية القضية الفلسطينية على الأجندة الدولية، والضغط لإقناع إسرائيل والعالم بأن ما يحفظ أمنها هو تحقيق العدالة لجيرانها وفي مقدمهم الفلسطينيون. إن إنجاز حل عادل للقضية الفلسطينية سيحرم أي طرف من استغلال هذه القضية لأهداف سياسية وأطماع إقليمية، ( يقصد أن الحل سيحول دون استغلال إيران للقضية الفلسطينية ) ونحن على قناعة بأنه مع قيام الدولة الفلسطينية، فإن غالبية الدول في المنطقة ستكون حريصة على الحفاظ على الاستقرار والسلام، هذا كان منطق مقاربتنا، إضافة إلى خطورة تداعيات توجيه ضربة من هذا القبيل على أمن التزود بالطاقة، وإمكانية تأجيج صراع إقليمي لا تحمد عواقبه.
أقر الملك الأردني عبد الله الثاني، بالوقوف منذ البداية إلى جانب ليبيا وما زلنا نقف .. ونحن في الواقع نستضيف وحدات من الشرطة الليبية لتلقي التدريب المناسب الذي يمكّنها من القيام بواجباتها ومسؤولياتها في الحفاظ على الأمن والاستقرار، كما أن الأردن من أوائل الدول التي بادرت إلى استقبال الجرحى والمرضى الليبيين ومعالجتهم، إضافة إلى إرسال مستشفيات ميدانية عسكرية لتقديم الرعاية الصحية للأشقاء في ليبيا، وهناك حديث جار بيننا لتقديم كل ما نملكه من خبرات في المجالات المختلفة لمساندة الأشقاء في ليبيا،