من حق بعض السياسيين أن يستكينوا لفكرة الوقت, لتبرير حالة تهاوي الدولة , بعد نجاح الثورة , ومن حق بعض آخر أن يستكين الى الوقت كي يقول إن الانجاز بعد عقود الخراب يحتاج لإضعاف تلك العقود ليحدث التغيير المنشود, وكل هذا يأتي في إطار التبرير لقلة المنجز بسبب الانشغال في السلطة على حساب الفكرة , فكل الشعارات المطروحة قبل نجاح الثورة كانت تتحدث عن القدرة والمقدرة على انجاز الأهداف لحظة الوصول, وقصة الوقت لم يتم الحديث عنها إلا بعد الوصول الى السلطة ومواجهة لحظة العقل بعد الانتهاء من لحظة العواطف الجياشة .
مصر تقترب من لحظة فارقة , أثبت " الثوار " أنهم مخيفون بنفس درجة نظام مبارك وأمن الدولة , فمرشح الثورة -كما يطلق محمد مرسي على نفسه- طالب امس خلال حواره مع محمود سعد تحويل 5 ملايين مصري الى القضاء بتهمة الخيانة لأنهم قاموا بجرم انتخاب احمد شفيق , وكال آلاف التهم لحفنة حول "شفيق” ناسيا انهم 5 ملايين واكثر, أي نفس العدد الذي يلتف حوله , فلماذا يصف غيره بالخيانة بعد فرحه بحكم قضائي من أعلى محكمة مصرية , والحكم يتناغم تماما مع الشرعة الدولية لحقوق الانسان التي يسعى "مرسي” وغيره الى الانقضاض عليها وتفصيلها بحسب رغبته , مؤكدا ان ثورة عارمة في طريقها الى مصر إن خسر الرئاسة ؟!
في غزة يعلن الإسلامي العاقل والهادئ , إسماعيل هنية يوم 14 حزيران يوم الشرطة الفلسطينية , لأن دولته قام بتخريج فوج من مائة شرطي فلسطيني, ولمن ينسى , هذا اليوم هو ذكرى الحسم العسكري كما تقول حماس , وذكرى الانقسام كما يقول الشارع الفلسطيني , وذكرى الانقلاب كما تقول السلطة الوطنية , فأي منطق في الاحتفال والتسمية والثمن شهداء يفوق عددهم عدد الغزو الصهيوني على غزة.
في نفس الاحتفال المهيب , يعلن وزير داخلية قطاع غزة انه لن يسمح بعودة العلمانيين ولن يفتح حوارا معهم , وان المائة خريج سيكونون شرطة القدس ويعيدون أمجاد الفاروق وحمزة , وان هؤلاء القديسين سيعيدون وهج الصحابة , غافلا عن ان السياسة لا تتناسب مع طهارة العقيدة , وانه طالما قبل لعبة السياسة فعليه أن يخلع رداء القداسة فلا نص مقدس في السياسة , إلا عند تجار الدين ومستثمري العقيدة , الحفل والتصريحات خرجت وحماس تعقد جولات مصالحة بالمناسبة .
في تونس وبعد عام على الخلافة الراشدة السادسة -كما قال الجبالي- نستنسخ حظر التجول , ونطلق النار على المتظاهرين , ويسقط قتيل لا شهيد لأن القاتل اختلفت هويته السياسية والدم واحد , ويعلن الغنوشي الحرب على القاعدة , ويتهم الظواهري بأنه عنصر تخريب ودمار حيثما حلّ وارتحل هو وقاعدته , لأنه طالب المجتمع التونسي بالانقلاب على النهضة الحزب , علما بأن تصريحا واحدا من كل التيارات الإخوانية لم يتعرض الى القاعدة والسلفية طوال عمر الربيع العربي .
في العراق يشارك الهاشمي في سلطة الاحتلال, ويقبل اللعبة الطائفية ومحاصصتها , ويتشارك في مثلث الحكم مع المالكي على أسس طائفية محضة , وعند الافتراق السياسي يطالب المجتمع العراقي والدولي بوقف الطائفية التي اكتشفها لحظة الفراق السياسي وكأنها لم تكن موجودة قبلا .
ما سبق ليس عرضا لقبول القائم وفساده وتسلطه , ولكنه عرض لكي نعلي قيمة العقل والانتباه , فالسياسة لعبة واخطرها حين تلبس لبوس الدين الطاهر وهي ليست كذلك , هي دعوة لقراءة اللحظة بعين العقل , فالدين لله والوطن للجميع ولا ميزة لملتح على يساري في المواطنة والانتماء , وعلينا الانتباه لظاهرة التهم الملقاة في الطرقات مثل عرائش البطيخ , فمن يقبل لعبة التهم الملقاة لا يفرق عمن سبقه.
الثورة تعني ان تكون الدولة لكل الناس , والثورة تعني قوة الدولة ومنعتها لا تفكيكها وضرب بنية مواطنيها وتقسيمهم بحسب صوتهم الانتخابي الى عملاء وثوريين, نريد الدولة ونريد الثورة , وهذا لا يتم بوجود من يدعو الى الفرقة ويريد الفوز سلفا حتى يمنحنا صك الثورة .