في الأنباء، أن السيد أحمد داود أوغلو عرض على قمة الناتو التي أنهت أعمالها مؤخراً في شيكاغو، مخاوف بلاده ومصادر قلقها وتحسبها جرّاء استمرار الأزمة السورية وتفاقمها...أوغلو توقف بشكل خاص أمام «عودة الروح» للعلاقة بين حزب العمال الكردستاني من جهة والنظام السوري من جهة أخرى، على أننا نعلم أن لتركيا مخاوف وحسابات، تتعدى هذا البند، إلى بنود أخرى عديدة، من بينها المسألة الكردية ودور أنقرة الإقليمي ومنظومة مصالحها في سوريا أو تلك العابرة للحدود والأراضي السورية...ومن نافل القول، أننا نتفهم هذه المصالح وندرك أهمية وحساسية تلك المخاوف والتحسبات.
على أن تركيا لا تستطيع أن تدعي «البراءة» في تعاملاتها مع الملف السوري، ولا أن تتقمص دور «الضحية»...فالمناطق الحدودية التركية – السورية، تحوّلت إلى ملاذات آمنة لكل «المجاهدين» و»المهربين» و»المناضلين» و»المسلحين» و»المخبرين» و»المخابراتيين»...وأخيراً «العون الطبي» الإسرائيلي الذي كشف عنه عضو الكنيست ونائب الوزير الإسرائيلي أيوب قرا...منها يتهرب السلاح وينطلق المسلحون إلى عمق الأراضي السورية، وإليها يؤوب كل من ينشد «استراحة المحارب» أو يتطلع لتدريب أدق وتأهيل أعمق، وتحت سمع الحكومة التركية وبصرها.
تحدث لـ»قناة الجديد»، أحد المشتبهين بخطف الرهائن اللبنانيين الملقب بـ»البطريق»، عارضاً سيرته الذاتية غير المشرّفة، كـ»مهرب» محترف امتهن تهريب كل شيء، قبل الثورة السورية وبعدها.
عندما اندلعت الأزمة السورية – التركية عام 1998، وقفنا إلى جانب الأصدقاء الأتراك، وطالبنا النظام السوري في كل ما كتبنا وتحدثنا به عبر شاشات الفضائيات و»التلفزيون الأردني» كذلك، بفك ارتباطه بالحزب، ما تسبب لنا بمشكلة مع سوريا، حرمتنا الدخول إليها لسنوات، إلى أن تشرفنا بزيارتها بمعية جلالة الملك عبد الله الثاني في أول زيارة له لسوريا بعد توليه مقاليد الحكم، قبل أن نعود ونمنع من دخولها ثانية ولسنوات طوال...وكنا قد استجبنا في حينه لدعوة كريمة من وزير خارجية تركيا المرحوم إسماعيل جيم، وكانت الزيارة الأولى لنا لتركيا، حيث توفرت لنا فرصة اللقاء بعدد كبير من قادة الأحزاب والنواب وخبراء ومختصين في مجالات مختلفة.
سعدنا بعودة العلاقات بين الجانبين، ورأينا فيها بداية استرجاع للعلاقات التركية العربية (لا السورية فحسب)، إلى ان اندلع الخلاف بين البلدين الجارين على خلفية الأزمة السورية، ولقد تابعنا باهتمام وتفهم يلامسان ضفاف التأييد والمباركة، «نصائح» تركيا للأسد في بواكير الأزمة، وحرصها على الاستمرار في استخدام وسائل «الدبلوماسية الناعمة» في التعامل مع الأزمة السورية، إلى أن بدأ الانقلاب في الموقف التركي، وذهبت أنقرة أبعد مما ينبغي في ردات فعلها على تنكر النظام لنصائحها وإنكاره لواقع الحال المأزوم الذي يضرب سوريا.
التغيير في سوريا مطلوب ومرغوب، بل وهو يتصدر قائمة أولويات الشعب السوري المنكوب بقيادته و»بعض معارضاته» وأولوياتنا..لكننا هنا لا نتحدث عن «التغيير بأي ثمن» و»كيفما اتفق»...نحن ننشد تغيير النظام لا تغيير خرائط سوريا...ننشد مستقبلاً حراً وديمقراطياً وتعددياً لسوريا، لا إمارة ظلامية، تعيد إنتاج «مملكة الأنبار» أو إمارة طالبان»...نحن نريد لسوريا أن تظل قلعة من قلاع الصمود في وجه المشروع الصهيوني الزاحف على فلسطين والمنطقة برمتها، ولا نريدها بوابة لإعادة إنتاج كامب ديفيد الذي لم يخرج بعد من البوابة المصرية لكي يعود إلينا من النافذة السورية.
ما تفعله أنقرة على الأرض، وما يفصح به خطابها الحكومي، لا يدعو للتفاؤل بأننا وتركيا نريداً أمراً واحداً...وقل لي منهم هم حلفاؤك أقل لك من أنت، وحلفاء أنقرة في الأزمة السورية، هي النظم الأكثر شمولية وتعسفاً و»أحادية» في العالم العربي، وعلى الأرض تسمح تركيا لكل قوى التطرف والأصولية أن تعيث فساداً في سوريا من على أرضها وعبر حدودها، وهي تحت ضغط السياسات الإقليمية وصراعات الأدوار المحكومة بالإنقسام المذهبي الإقليمي، تُضطر لابتلاع كل مخاوفها وهواجسها من «الكيانية الكردية» الصاعدة بقوة، في العراق وسوريا على حد سواء...وهي تجهد في إدارج الملف السوري في استراتيجيات «الناتو»، وتجربتنا مع «الناتو» والقوى المتنفذة فيه لا تدفعنا على التفاؤل أبداً، بأن ما سيأتي به سيكون في صالح سوريا وشعبها ومستقبل المشروع الديمقراطي فيها.
لم يعد الإنكار التركي لكل هذه «التورطات» أمراً قابلاً للتصديق أو عملاً يؤخذ على محمل الجد، بعد أن تواترت التقارير المصورة والمسجلة والمبثوثة في كل المحافل والمنابر، التي تؤكد هذه «الإرتكابات»...فهل يكفي أن تلقي الدبلوماسية التركية باللائمة على نظام الأسد؟...أين مسؤولية أنقرة فيما يجري، وهل تخدم سياساتها مستقبل سوريا وشعبها، مستقبل الحرية والديمقراطية (دعم عنك مواجهة إسرائيل واحتلالاتها)...هل تخدم أنقرة مصالحها البعيدة وهي تستخدم اليوم كل وسيلة لتبرير غايتها في رحيل الأسد أو ترحيله؟
إن ظل الحال على هذا المنوال، سينتهي نظام الأسد (وهو سينتهي في كل حال)، لكن سوريا الجديدة لن تكون نسخة عن النموذج التركي في طبعته السابقة لـ»ربيع العرب» التي أحببنا وأثار إعجابنا، زمن تصفير المشاكل بدل تسعيرها، زمن القوة الناعمة بدل توفير الملاذات لـ»المجاهدين» ومختلف صنوف الأجهزة المخابراتية...زمن الموقف المستقل في الحرب على العراق وقبل زرع الدرع الصاروخية...زمن الموقف الحازم من إسرائيل وقبل العودة النشطة للقنوات الخلفية والأمامية المفتوحة استجابة لضغوط الناتو وحسابات العلاقات الاستراتيجية المُستعادة مع واشنطن.
سوريا الجديدة ستكون أقرب إلى الإمارات الطالبانية المتحدة، أو غير المتحدة...وسيتعين على أنقرة (وعلنيا جميعاً) أن تتعامل مع تحدٍ كهذا، كما سيتعين عليها أن تواجه «ربيعاً كردياً» بدأ مبكراً في شمال العراق، ولن يتوقف في شمال شرق سوريا.
على أن تركيا لا تستطيع أن تدعي «البراءة» في تعاملاتها مع الملف السوري، ولا أن تتقمص دور «الضحية»...فالمناطق الحدودية التركية – السورية، تحوّلت إلى ملاذات آمنة لكل «المجاهدين» و»المهربين» و»المناضلين» و»المسلحين» و»المخبرين» و»المخابراتيين»...وأخيراً «العون الطبي» الإسرائيلي الذي كشف عنه عضو الكنيست ونائب الوزير الإسرائيلي أيوب قرا...منها يتهرب السلاح وينطلق المسلحون إلى عمق الأراضي السورية، وإليها يؤوب كل من ينشد «استراحة المحارب» أو يتطلع لتدريب أدق وتأهيل أعمق، وتحت سمع الحكومة التركية وبصرها.
تحدث لـ»قناة الجديد»، أحد المشتبهين بخطف الرهائن اللبنانيين الملقب بـ»البطريق»، عارضاً سيرته الذاتية غير المشرّفة، كـ»مهرب» محترف امتهن تهريب كل شيء، قبل الثورة السورية وبعدها.
عندما اندلعت الأزمة السورية – التركية عام 1998، وقفنا إلى جانب الأصدقاء الأتراك، وطالبنا النظام السوري في كل ما كتبنا وتحدثنا به عبر شاشات الفضائيات و»التلفزيون الأردني» كذلك، بفك ارتباطه بالحزب، ما تسبب لنا بمشكلة مع سوريا، حرمتنا الدخول إليها لسنوات، إلى أن تشرفنا بزيارتها بمعية جلالة الملك عبد الله الثاني في أول زيارة له لسوريا بعد توليه مقاليد الحكم، قبل أن نعود ونمنع من دخولها ثانية ولسنوات طوال...وكنا قد استجبنا في حينه لدعوة كريمة من وزير خارجية تركيا المرحوم إسماعيل جيم، وكانت الزيارة الأولى لنا لتركيا، حيث توفرت لنا فرصة اللقاء بعدد كبير من قادة الأحزاب والنواب وخبراء ومختصين في مجالات مختلفة.
سعدنا بعودة العلاقات بين الجانبين، ورأينا فيها بداية استرجاع للعلاقات التركية العربية (لا السورية فحسب)، إلى ان اندلع الخلاف بين البلدين الجارين على خلفية الأزمة السورية، ولقد تابعنا باهتمام وتفهم يلامسان ضفاف التأييد والمباركة، «نصائح» تركيا للأسد في بواكير الأزمة، وحرصها على الاستمرار في استخدام وسائل «الدبلوماسية الناعمة» في التعامل مع الأزمة السورية، إلى أن بدأ الانقلاب في الموقف التركي، وذهبت أنقرة أبعد مما ينبغي في ردات فعلها على تنكر النظام لنصائحها وإنكاره لواقع الحال المأزوم الذي يضرب سوريا.
التغيير في سوريا مطلوب ومرغوب، بل وهو يتصدر قائمة أولويات الشعب السوري المنكوب بقيادته و»بعض معارضاته» وأولوياتنا..لكننا هنا لا نتحدث عن «التغيير بأي ثمن» و»كيفما اتفق»...نحن ننشد تغيير النظام لا تغيير خرائط سوريا...ننشد مستقبلاً حراً وديمقراطياً وتعددياً لسوريا، لا إمارة ظلامية، تعيد إنتاج «مملكة الأنبار» أو إمارة طالبان»...نحن نريد لسوريا أن تظل قلعة من قلاع الصمود في وجه المشروع الصهيوني الزاحف على فلسطين والمنطقة برمتها، ولا نريدها بوابة لإعادة إنتاج كامب ديفيد الذي لم يخرج بعد من البوابة المصرية لكي يعود إلينا من النافذة السورية.
ما تفعله أنقرة على الأرض، وما يفصح به خطابها الحكومي، لا يدعو للتفاؤل بأننا وتركيا نريداً أمراً واحداً...وقل لي منهم هم حلفاؤك أقل لك من أنت، وحلفاء أنقرة في الأزمة السورية، هي النظم الأكثر شمولية وتعسفاً و»أحادية» في العالم العربي، وعلى الأرض تسمح تركيا لكل قوى التطرف والأصولية أن تعيث فساداً في سوريا من على أرضها وعبر حدودها، وهي تحت ضغط السياسات الإقليمية وصراعات الأدوار المحكومة بالإنقسام المذهبي الإقليمي، تُضطر لابتلاع كل مخاوفها وهواجسها من «الكيانية الكردية» الصاعدة بقوة، في العراق وسوريا على حد سواء...وهي تجهد في إدارج الملف السوري في استراتيجيات «الناتو»، وتجربتنا مع «الناتو» والقوى المتنفذة فيه لا تدفعنا على التفاؤل أبداً، بأن ما سيأتي به سيكون في صالح سوريا وشعبها ومستقبل المشروع الديمقراطي فيها.
لم يعد الإنكار التركي لكل هذه «التورطات» أمراً قابلاً للتصديق أو عملاً يؤخذ على محمل الجد، بعد أن تواترت التقارير المصورة والمسجلة والمبثوثة في كل المحافل والمنابر، التي تؤكد هذه «الإرتكابات»...فهل يكفي أن تلقي الدبلوماسية التركية باللائمة على نظام الأسد؟...أين مسؤولية أنقرة فيما يجري، وهل تخدم سياساتها مستقبل سوريا وشعبها، مستقبل الحرية والديمقراطية (دعم عنك مواجهة إسرائيل واحتلالاتها)...هل تخدم أنقرة مصالحها البعيدة وهي تستخدم اليوم كل وسيلة لتبرير غايتها في رحيل الأسد أو ترحيله؟
إن ظل الحال على هذا المنوال، سينتهي نظام الأسد (وهو سينتهي في كل حال)، لكن سوريا الجديدة لن تكون نسخة عن النموذج التركي في طبعته السابقة لـ»ربيع العرب» التي أحببنا وأثار إعجابنا، زمن تصفير المشاكل بدل تسعيرها، زمن القوة الناعمة بدل توفير الملاذات لـ»المجاهدين» ومختلف صنوف الأجهزة المخابراتية...زمن الموقف المستقل في الحرب على العراق وقبل زرع الدرع الصاروخية...زمن الموقف الحازم من إسرائيل وقبل العودة النشطة للقنوات الخلفية والأمامية المفتوحة استجابة لضغوط الناتو وحسابات العلاقات الاستراتيجية المُستعادة مع واشنطن.
سوريا الجديدة ستكون أقرب إلى الإمارات الطالبانية المتحدة، أو غير المتحدة...وسيتعين على أنقرة (وعلنيا جميعاً) أن تتعامل مع تحدٍ كهذا، كما سيتعين عليها أن تواجه «ربيعاً كردياً» بدأ مبكراً في شمال العراق، ولن يتوقف في شمال شرق سوريا.