كنا نحو خمسين نائبا في حافلة "الجت" التي أقلتنا من مجلس النواب إلى الديوان الملكي، للقاء جلالة الملك وتناول طعام الغداء بمعيته.
كان النواب يتهامسون عن سر دعوة الغداء مع الملك، ولم يمض أكثر من ثلاثة أسابيع على اللقاء مع المكتب الدائم للمجلس ورؤساء الكتل واللجان النيابية.
أغلب النواب كانوا يتداولون "رواية" أن الملك سيحث النواب على الإسراع في إنجاز قانون الانتخاب، و"سيبشرهم" بموافقته على الراتب التقاعدي.
لم أكن أهضم هذه الرواية النيابية "شبه الرسمية". وبحشرية السياسي، وصلت إلى "سر" هذا اللقاء والغداء الملكي. والله أعلم.
"أصل الحكاية" أن نواب الخط الساخن مع الديوان نقلوا رسالة عتب نيابية عن اللقاء "الناشف" بين الملك والمكتب الدائم ورؤساء الكتل واللجان النيابية، الذي جرى قبل ثلاثة أسابيع. إذ استغرق اللقاء عشر دقائق فقط، طلب فيه الملك من الحضور، وتمنى عليهم، إنجاز ما تبقى من مشاريع قوانين الإصلاح السياسي، وبعض التشريعات المتعلقة بهذا الإصلاح. وانتهى اللقاء دون أن تتاح فرصة الكلام لأي من الحضور، سوى مداخلة مقتضبة لرئيس المجلس، تحدث فيها عن خطة النواب لإنجاز ما هو مطلوب منهم. وقد لاحظ النواب في المقابل، أن لقاء الملك مع الأعيان، والذي جرى لنفس الغاية بعد يومين من لقاء النواب، كان مفتوحاً للنقاش والحوار مع الملك، وأخذ وقته.
وصادف أن ألغيت جلسة لمجلس النواب بعد لقاء الملك مع الأعيان لعدم اكتمال النصاب، ما دفع المراقبين إلى تفسير ذلك على أنه عتب نيابي.
الملك بطبعه عملي؛ يحب أن تنجز المهمة "أمس"، أي قبل أن يأمر بها. ولكنه بالقطع لا يرغب في أن يساء فهمه، فكان اللقاء والغداء تعبيرا عن احترام الملك للنواب وتقديرا لهم.
لم يكن في ذهن غالبية النواب ولا في واردهم هذه "الحكاية". وما طغى على حوار النواب في رحلة الحافلة من المجلس إلى الديوان، هو سؤال المليون: هل ستجرى الانتخابات النيابية هذا العام؟ أكثر من نائب أجاب بالنفي. أحدهم دفعته الحماسة إلى إعلان أنه سيولم للنواب وليمة يخصص فيها لكل نائب خروفا كاملا إذا خاب توقعه. وآخر أيده، وقال إن معركة رئاسة مجلس النواب قد انطلقت. وثالث حلف لي أغلظ الأيمان أن أحد كبار الأعيان، من المطلين على مطبخ القرار، قال له إن قانون الانتخاب سيحتاج إلى شهرين في مجلس الأعيان.
أمام هذه المعلومات الصادقة، "اهتزت" قناعاتي، لكني بقيت على عنادي؛ أتحدى وأكرر أن الانتخابات ستجرى قبل نهاية هذا العام. فذكروني بمقال لي نشرته في "الغد" قبل شهر تقريباً تحت عنوان: لا انتخابات هذا العام. فقلت بأنني استندت في ذلك إلى مدة الـ160 يوماً التي يحددها مشروع قانون الانتخاب لإتمام الإجراءات التمهيدية، وصولاً إلى يوم الاقتراع. وبعد أن قرعت الجرس، يجري العمل الآن على اختصار المدة إلى 90 يوما فقط، وهناك تفكير لم يحسم لإلغاء البطاقة الانتخابية، ما يختصر المدة 30 يوما إضافية.
في القصر الملكي، طلب إلينا أن نتجمع ككتل نيابية، لأن الملك سيمر على كل مجموعة ويتبادل معها الحديث.
قررت أن أسأل الملك سؤالا مباشرا: هل ستجرى الانتخابات هذا العام؟ وكان ذلك. وما إن سمع الملك السؤال، حتى أجاب من فوره بلغة جادة وحازمة وقطعية: الانتخابات هذا العام (وقال جملة توحي بالصرامة). فقلت في حضرة الملك: نسمع كلاما آخر يا سيدي! فرد الملك بلغة قاطعة مانعة: أنا متفق مع كل الجهات المعنية أن تجرى الانتخابات هذا العام. وسأل الملك: من الذي يقول غير ذلك؟ فصمت، وأخذتني الحماسة "وهجمت" على الملك وقبلت وجنتيه. فخاطبنا الملك قائلا: "شدوا حيلكو". فقلت معلقاً: "شد علينا يا سيدي".