توجد فرصة حقيقية أمام الحكومة بأن تجعل من صندوق المحافظات مؤسسة تنموية وطنية عملاقة وذراعا استثماريا عابرا للمحافظات يمول عشرات المشاريع الكبيرة ومئات المشاريع المتوسطة والصغيرة التي تولد عشرات الآلاف من فرص العمل، لن يتم ذلك إلا إذا غيرتالحكومة من الأدوات والمنهجيات التقليدية في تعاملها مع التنمية المحلية وإدارة الموارد التي قادت إلى فشل التنمية في المحافظات لعقود طويلة، وإذا كفت عن تحويل هذه الفكرة إلى عبء على الموازنة المحملة بالاعباء، واذا ابتعدت عن الدعاية الرسمية الباهتة التي تحاول أن تجعل من المشروع مجرد صندوق للصدقات. المحافظات لا تحتاج إلى صندوق يمول من الصدقات وبدعاية رسمية باهتة، ولا توجد مصلحة وطنية اليوم للدخول في تفاصيل حجم موارد المحافظات التي استهلكت خلال العقود الماضية والتي أوجدت الفجوة التنموية القاسية، بل أبسط ما يمكن أن يفعل اليوم في التشريعات والسياسات الاقتصادية لكي تكون مساندة بالفعل لمبدأ الحقوق في التنمية المحلية، يكفي لبناء قاعدة موارد صلبة للصندوق بتعديل رسوم تعدين الفوسفات وتخصيص جزء منها للصندوق بعد عقود طويلة لم تحصد المحافظات من الفوسفات الا التلوث والخراب البيئي وتدمير المراعي، يكفي تخصيص بضعة فلسات على كل متر مكعب يضخ من مياه الديسي، يكفي بضعة قروش على أنشطة الميناء وبضعة قروش على استخدام قطاع النقل والشحن للطرق العابرة للمحافظات، ثمة عشرات الأفكار التي تؤهل هذا الصندوق ليكون أداة حقيقية لبناء قاعدة اجتماعية إنتاجية في المحافظات تحتاج إلى ثقافة الحقوق التي تولد إرادة الإنتاج وليس ثقافة الصدقات والانتفاع والسبيل.تتوفر للصندوق إرادة سياسية واضحة عبر الدعم الملكي والمتابعة المستمرة والتطلع أن يحدث الصندوق الفرق الحقيقي، ولكن إلى اليوم وبعد مرور ما يقارب عاما ونصف العام على طرح فكرة الصندوق وعبر ثلاث حكومات مرت، لا توجد رؤية واضحة للأهداف القصيرة والمتوسطة، وإلى أين نريد أن نصل به بعد عقد من الزمن، وهل ثمة أفكار ابتكارية في إدارته، ما يلاحظ خلال هذه الفترة يلخص باستمرار الأفكار التقليدية ذاتها التي استهلكت وأثبتت فشلها من خلال النوافذ التمويلية التقليدية. تلك الافكار تستعيد فكر الرعاية التنموية السلبي الذي حول الناس من فلاحين وزراع منتجين الى عاطلين ومعطلين يستجدون الصدقات السياسية والتي تأخذ في كل مرحلة شكلا جديدا يحافظ على فكرة العطايا والمنح والهبات والريع والقروض الوهمية، حيث لا مشاريع ولا إنتاج على الارض، فيما ازدهرت مؤسسات شبه أهلية من عملها كوكلاء لمنح تلك النوافذ التمويلية السابقة، فيما يدار الانتاج المزعوم عبر العلاقات العامة الناعمة والإعلام والتقارير التلفزيونية الباهتة. معظم الأفكار التي أطلقت خلال عقد مضى من أجل التنمية المحلية في المحافظات باءت بالفشل او ما تزال موضع نقاش حاد، بل أصبح بعضها بيئة خصبة للفساد ولم توفر أكثر من ازدياد مشاعر النقمة والاحتقان لدى المجتمعات المحلية التي تشاهد كيف تهدر الموارد باسمها دون طائل، في معظم تلك التجارب لم تكن المشكلة في الأفكار ونُبل مقاصدها، بل في الإدارات التنفيذية وفي الفكر الذي أدارها ومنهجيات التعامل مع الموارد والمجتمعات المحلية. لا توجد إلى اليوم قواعد معلومات وبحوث حقيقية وذات كفاءة حول المحافظات، والطامة الكبرى أن يلجأ القائمون على الصندوق إلى الخرائط الاستثمارية للمحافظات التي وضعت قبل عامين وأثبتت الوقائع أنها يمكن أن تصلح لأي مكان إلا المحافظات.basim.tweissi@alghad.jo