ويقضي ذلك المشروع، سواء المنوي طرحه أمام "الكنيست" أم تقديمه للكونغرس، وفق وسائل إعلام الاحتلال، تغيير سياسة الوضع الراهن في القدس المحتلة، بهدف فرض السيادة الصهيونية على الحرم القدسي الشريف وأداء اليهود لصلواتهم وطقوسهم المزعومة فيه، سبيلاً لتأكيد مزاعم "حق الشعب اليهودي غير القابل للتصرف في الوصول الكامل إليه"، وتثبيت الرواية الصهيونية الزائفة حول الاعتراف "بالقدس عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل"، وفق مزاعمهم.
ومن شأن هذا التحرك أن يُطلق يدّ المستوطنين المتطرفة في المسجد الأقصى المبارك، عبر اقتحامه الجماعي وتنظيم الجولات الاستفزازية وأداء الصلوات والطقوس التلمودية المزعومة، بما يجعل تحركهم لا ينحصر فقط في محاولات تقسيمه زمنياً ومكانياً، بل يمتد نحو فرض السيطرة الكاملة عليه، وهي خطوة يسعى إليها اليمين المتطرف برعاية رئيس حكومة الاحتلال "بنيامين نتنياهو" وأعضاء حكومته المتطرفة.
وفي ذات الوقت، تواصل سلطات الاحتلال مساعي عزل مدينة القدس عن نسيجها الفلسطيني ومحيطها في الضفة الغربية، عبر محاولات فرض سياسات عزل ممنهجة على القرى الواقعة شمال غرب مدينة القدس، خاصة (قرى بيت إكسا والنبي صموئيل وحي الخلايلة)، من خلال تصنيفها كمناطق "تماس" مع الكيان المُحتل، وإجبار سكانها الفلسطينيين على الحصول على تصاريح خاصة للتنقل من وإلى قراهم.
وقالت محافظة القدس، في تصريح لها أمس، إن الاحتلال بدأ منذ مطلع شهر أيلول (سبتمبر) الماضي بإصدار ما يُعرف بـ "تصاريح مناطق التماس" لأهالي القرى المقدسية، بحيث لن يُسمح لأي شخص لا يحمل هذا التصريح بعبور الحاجز العسكري الذي يفصل القرى الثلاث عن محيطها، ما يعني فرض واقع جديد من العزلة التامة وخضوع حركة الدخول والخروج إلى هذه القرى لما يسمى "الموافقة العسكرية للاحتلال".
ويُلزم القرار الجديد السكان الفلسطينيين بالحصول على "بطاقات ممغنطة" خاصة تُجدد كل أربع سنوات، في حين تُمنح تصاريح دخول مناطق التماس لمدة عام واحد فقط، وهي مخصصة حصرياً للوصول إلى القرى الثلاث دون السماح بالتنقل داخل مدينة القدس المحتلة.
ويهدف الاحتلال إلى تخفيض عدد السكان الفلسطينيين في القرى المقدسية، حيث أشارت محافظة القدس إلى أن الفئات الأكثر تضرراً تشمل الأشخاص المصنفين بأنهم "مرفوضين أمنيا"، والنساء اللواتي تزوجن من خارج القرية، أو من داخلها دون تحديث عناوينهن الرسمية، إذ يمنع الاحتلال تحديث العناوين في تلك المناطق، كما واجه العديد من الأهالي الذين يعيشون خارج القرى صعوبات في استلام بطاقاتهم أو تأخيراً في الإجراءات.
وأوضحت أن تكريس هذا الواقع في القرى الثلاث يمثل خطوة تمهيدية لتوسيعه لاحقاً إلى بلدات مقدسية أخرى أو عموم البلدات الفلسطينية في مدن الضفة الغربية، مبينة أن الاحتلال يهدف إلى ايجاد واقع ميداني جديد يرسخ سيطرته الكاملة على حركة أبناء الشعب الفلسطيني داخل أراضيهم.
وأضافت أن سلطات الاحتلال تستهدف إفراغ القرى المقدسيّة من سكانها الفلسطينيين تدريجياً من خلال "القيود الأمنية" ومنع التوسع العمراني وإغلاق سبل المعيشة، في إطار سياسة تهويد القدس المحتلة، ومساعي تكريس السيطرة على محيط المدينة وضمها فعلياً.
ودعت المحافظة المنظمات الدولية إلى التحرك العاجل من أجل وقف انتهاكات الاحتلال ومحاسبته على خرق القانون الدولي، والعمل على وقف إجراءاته ومنع تكرارها في قرى وأحياء فلسطينية أخرى، بوصفها جزءاً من منظومة التهجير القسري والعقاب الجماعي التي يمارسها بحق الفلسطينيين في القدس المحتلة وضواحيها.
وأكدت أنها تتابع القضية بالتنسيق مع الجهات الرسمية والحقوقية الفلسطينية، وعلى رأسها دائرة حقوق الإنسان في منظمة التحرير الفلسطينية، من أجل تحريك المسارات القانونية الدولية وتوثيق هذه الجريمة تمهيدًا لرفعها إلى الجهات الأممية المختصة.
وبحسب معطيات محافظة القدس؛ تُقدّر مساحة قرية بيت إكسا التاريخية بنحو 14,221 دونماً، إلا أن سلطات الاحتلال استولت على 7 آلاف دونم لصالح المستعمرات المحيطة، وصنّفت 6,500 دونم أخرى كمناطق "ج" يُمنع البناء عليها، ليبقى الأهالي محصورين في مساحة لا تتجاوز 650 دونما فقط، ويقطنها نحو ألفي فلسطيني.
أما قرية النبي صموئيل، فتبلغ مساحتها الإجمالية حوالي 3,500 دونم، لم يتبقَّ منها للأهالي سوى 1,050 دونما فقط بعد أن استولى الاحتلال على معظم أراضيها، ويعيش في القرية نحو 450 فلسطينياً يعانون منذ سنوات من العزلة التامة، حيث لا يُسمح بدخولها إلا لسكانها المسجلين رسمياً، كما يعاني الأهالي من منع البناء أو الترميم في منازلهم بحجة أن المنطقة مصنفة كمحمية طبيعية، بينما تُستخدم الأراضي المستولى عليها لتوسيع المستعمرات القريبة.
فيما يقطن زهاء 700 فلسطيني حي الخلايلة، التابع إدارياً لقرية الجيب، والذي عزله جدار الفصل العنصري عام 2004 وسلخه عن القرية، وهو ضمن 6 آلاف دونم تم الاستيلاء عليها من أراضي الجيب، وما تبقى لأهلها هو 3 آلاف دونم ونيف، فيما يحيط به أربع مستعمرات تواصل قضم أراضيه تدريجياً.