تسخّر إسرائيل، بمساعدة الوسطاء وبالتنسيق مع حركة "حماس” داخل قطاع غزة، جهودها للبحث عمّا تبقى من جثامين الأسرى الإسرائيليين، عبر إدخال معدات ثقيلة وتحريك اللجنة الدولية للصليب الأحمر نحو المواقع المحتملة. وفي الوقت ذاته، تُترك جثث آلاف الفلسطينيين تحت أنقاض منازلهم من دون أي تحرّك جاد لانتشالهم أو تكريمهم بالدفن.
تسود حالة غضب عارم بين ذوي الضحايا والمفقودين في مختلف مناطق القطاع، نتيجة سياسة التجاهل والكيل بمكيالين، إذ لا يحظى أحبّتهم بالاهتمام ذاته الممنوح لجثامين الإسرائيليين التي تُعطى الأولوية المطلقة في عمليات البحث والانتشال.
وتقدّر الجهات المتخصّصة وجود نحو 10 آلاف مفقود تحت ركام غزة، في ظل افتقار جهاز الدفاع المدني الفلسطيني الى الإمكانات اللازمة لانتشالهم، بسبب الحاجة إلى معدات ثقيلة للتعامل مع حجم الدمار الهائل والكتل الخرسانية الضخمة التي تطمرهم.
وبحسب الدفاع المدني، فإن معظم الضحايا العالقين تحت الأنقاض من النساء والأطفال والمسنين، فيما يواجه الجهاز صعوبات هائلة في إنقاذهم بعدما دمّر الاحتلال جزءًا كبيرًا من قدراته ومعداته.
ومنذ بدء سريان وقف إطلاق النار، سلّمت حركة "حماس” 16 جثة لأسرى إسرائيليين، فيما يتبقّى 13 جثة، وتكثّف الحركة جهودها عبر الوسطاء للبحث عنهم وسط الدمار الواسع.
وسمحت إسرائيل بإدخال معدات ثقيلة من مصر إلى غزة، مخصصة فقط للبحث عن جثامين الأسرى الإسرائيليين، من دون السماح باستخدامها لانتشال جثث الفلسطينيين.
وقدّمت مصر دعمًا لوجستيًا ومعدات للمساعدة في تحديد مواقع الجثامين الإسرائيليين، نظرًا الى حجم الدمار غير المسبوق في القطاع.
وأكدت "حماس” أنها تسعى الى إغلاق ملف جثامين الأسرى، لكنها تحتاج إلى وقت إضافي بسبب الخراب الواسع الناتج من حرب الإبادة التي شنّتها إسرائيل منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
حسرة وصدمة
شفا محمود، سيدة فلسطينية، قُتلت في قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلتها في مدينة غزة في كانون الثاني/ يناير 2025. تمكّنت طواقم الإنقاذ من انتشال ثماني جثث من تحت أنقاض المنزل، فيما لا تزال شفا وشقيقها مفقودين حتى اليوم، لصعوبة الوصول إليهما تحت الركام الكثيف.
تتابع العائلة الأخبار المتداولة حول الجهود الضخمة لإدخال المعدات الثقيلة للبحث عن جثامين الأسرى الإسرائيليين، وسط غياب تام لأي تحرّك لانتشال جثامين الفلسطينيين العالقين منذ أكثر من عام ونصف العام.
يقول محمد محمود، شقيق شفا، لموقع "درج”: "لا تزال جثتا أختي وشقيقي تحت ركام منزلنا المدمر منذ ثمانية أشهر. نحتاج إلى آليات ثقيلة لانتشالهما وتكريمهما بالدفن، لكن الدفاع المدني لا يملك المعدات اللازمة في غزة”.
ويتابع بنبرة ألم: "مرت جنازير المعدات المصرية الثقيلة قرب ركام منزلنا، حيث يرقد شقيقي وشقيقتي. ظننت أنها جاءت من أجلهما. لكن الصدمة أنها لم تتوقف، وتوجهت مباشرةً للبحث عن جثث الإسرائيليين”. وتعيش العائلة صدمة مزدوجة: الفقد والإهمال.
وفي منطقة أخرى شمال القطاع، لا تزال خمس جثث من عائلة نصر عالقة تحت الأنقاض، وتعجز فرق الإنقاذ عن انتشالها بسبب كثافة الركام وغياب المعدات. وفي مكان قريب، وصلت خمس آليات ثقيلة لرفع الركام، واستمرت لثلاثة أيام في نبش أنقاض مبانٍ مدمرة، قبل الإعلان عن انتشال جثة جندي إسرائيلي كان أسيرًا لدى حركة "حماس”. وفي محيط الموقع نفسه، ترقد عشرات الجثث الفلسطينية من دون بحث أو اهتمام، بانتظار اليوم الذي يُنتشلون فيه ويُكرّمون بدفن لائق وشواهد تحمل أسماءهم.
عجز فلسطيني
أكد المتحدث باسم الدفاع المدني في غزة، محمود بصل، أن 10 آلاف شهيد ما زالوا تحت الأنقاض منذ بداية الحرب. وأوضح في بيان صدر في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2025، أن الاحتلال استهدف الآليات والمعدات الثقيلة التي كانت تستخدم لعمليات الإنقاذ، بالتزامن مع قصف المنازل، ما جعل مهمة انتشال الجثامين شبه مستحيلة.
وقال بصل: "نحن بانتظار إدخال معدات ثقيلة لبدء عمليات الانتشال، وندعو جميع مؤسسات القطاع الى التكاتف لمعالجة الكارثة”.
وتساءل: "أين سنضع الركام؟ كيف سنتعرّف إلى الجثامين؟ هل نملك القدرة على التعامل مع الذخائر القابلة للانفجار تحت الأنقاض؟”، وطالب المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بالتحرّك العاجل لإدخال المعدات اللازمة، وإنهاء معاناة آلاف العائلات التي تنتظر دفن أحبّتها.