حليب البودرة يغزو السوق الأردني والأردن ينتج اطنان الحليب الطازج.. الدكتور الزعبي يدق ناقوس الخطر

حليب البودرة يغزو السوق الأردني والأردن ينتج اطنان الحليب الطازج.. الدكتور الزعبي يدق ناقوس الخطر
أخبار البلد -  

أين المجلس الاعلى للأمن الغذائي في توجيه البوصلة للحليب البودرة؟

الدكتور فاضل الزعبي*

يحتدم في الأردن منذ سنوات نقاش واسع حول قضية تبدو في ظاهرها فنية، لكنها في جوهرها تمس صلب الأمن الغذائي الوطني، وهي قضية استخدام حليب البودرة في صناعة الألبان ومشتقاتها، وحدود استيراده وضوابط استعماله. قد يراها البعض مسألة تخص الصناعيين أو المستوردين، لكنها في الحقيقة تتجاوز ذلك لتطال مصير قطاع حيوي يشكل مصدر رزق لآلاف الأسر الريفية والبدوية، وركيزة من ركائز استدامة الغذاء المحلي.

فالأردن اليوم ينتج أكثر من 1200 طن من الحليب الطازج يوميًا، بعد أن كان هذا الرقم لا يتجاوز 900 طن قبل خمس سنوات فقط. هذا التحسن الملحوظ يعكس جهودًا متراكمة في تحسين السلالات، وتطوير أنظمة التغذية، وتطبيق ممارسات بيطرية متقدمة، إضافة إلى الرقابة المستمرة على جودة الإنتاج.

ويُقدّر أن عدد الأبقار المنتجة للحليب يزيد عن 90 ألف رأس، فيما يعتمد نحو 200 مصنع ومعمل على الحليب المحلي كمادة أولية أساسية. وتشير التقديرات إلى أن هذا القطاع يسهم بما يقارب 3% من الناتج المحلي الإجمالي الزراعي، ويُشغّل آلاف العمال، ويدعم عشرات الأنشطة المرتبطة به من نقل وتبريد وتصنيع وتسويق.

لكن هذا الجهد الوطني مهدد اليوم بتحدٍّ متنامٍ، يتمثل في التوسع في استيراد حليب البودرة دون ضبط كافٍ للكمّيات والاستخدامات. فحين يكون الحليب البودرة أرخص من الحليب الطازج محليًا بنسبة تصل إلى 30 – 40%، يصبح إغراء الاعتماد عليه كبيرًا، خصوصًا لدى بعض المصانع التي تبحث عن تقليل كلفة الإنتاج. غير أن هذا التوجه – إن لم يُنظَّم بعناية – قد يؤدي إلى إغراق السوق، وانخفاض الطلب على الحليب الطازج، ومن ثم خسائر مباشرة لمربي الأبقار، قد تدفع البعض إلى الخروج من السوق تمامًا.

إن ما نخشاه ليس مجرد منافسة غير عادلة، بل تراجع تدريجي في الإنتاج المحلي للحليب، وهو ما شهدته دول عدة حين فُتح باب استيراد البودرة على مصراعيه. في الهند مثلًا، تسبّب ارتفاع الاستيراد في تراجع إنتاج الحليب الطازج بنسبة 18% خلال خمس سنوات، فيما عانت البرازيل من خسارة أكثر من 20 ألف مزرعة صغيرة بين عامي 2010 و2020 بسبب المنافسة غير المتكافئة.

في الأردن، ظلت وزارة الزراعة هي الجهة المسؤولة عن إدارة هذا الملف لعقود، من خلال لجنة فنية تضم ممثلين عن وزارات الصناعة والتجارة، والجمارك، والمؤسسة العامة للغذاء والدواء، وهيئة المواصفات والمقاييس، إضافة إلى ممثلين عن المزارعين والمصنعين. وقد نجحت هذه اللجنة في وضع معايير فنية واضحة لاستيراد الحليب البودرة، تنسجم مع مواصفات هيئة الدستور الغذائي (Codex Alimentarius)، وتحد من الغش التجاري وتضمن الشفافية في نسب الخلط بين الحليب البودرة والطازج.

لكن نقل هذا الملف مؤخرًا إلى وزارة الصناعة والتجارة أثار تساؤلات عديدة حول مدى توافق هذا القرار مع المنهجية الزراعية والإنتاجية التي يقوم عليها الأمن الغذائي. فالحليب, كما اللحوم والحبوب, ليس منتجًا صناعيًا فقط، بل هو مكوّن أساسي في سلسلة القيمة الزراعية والحيوانية، ويجب أن يُدار ضمن إطار إنتاجي يوازن بين مصلحة المزارع والمستهلك والمصنع.

وهنا يبرز التساؤل المشروع: أين المجلس الأعلى للأمن الغذائي من هذا الملف؟

لقد أُنشئ المجلس الأعلى للأمن الغذائي بموجب رؤية التحديث الاقتصادي ليكون المرجعية الوطنية العليا التي توحّد القرارات والسياسات بين القطاعات المعنية بالغذاء، وتربط ما بين الإنتاج والاستهلاك، والتجارة والتخزين، والزراعة والصناعة. وهو الإطار القادر على تقديم الرأي العلمي المستقل، بعيدًا عن التجاذبات القطاعية أو المصالح الجزئية.

إن المجلس يمتلك من خلال وحداته الفنية القدرة على تحليل الأثر الكمي والنوعي لأي قرار استيراد، وتقييم انعكاساته على مؤشر الاكتفاء الذاتي الوطني الذي لا يتجاوز في الحليب الطازج حاليًا 55% من حجم الاستهلاك المحلي. كما يمكنه تقديم مقترحات توازن بين دعم الإنتاج المحلي وضمان توفر السلع بأسعار مناسبة.

وبحسب بيانات منظمة الأغذية والزراعة (FAO)، فإن الدول التي تمتلك مجالس وطنية فعّالة للأمن الغذائي (مثل كندا، وهولندا، وفرنسا) استطاعت الحفاظ على نسب اكتفاء ذاتي بالحليب تتجاوز 85% بفضل التنسيق بين المؤسسات المنتجة والمصنّعة والمستوردة، وإدارة ذكية لمخزون الحليب البودرة في السوق المحلي.

تجاهل دور المجلس في قضية كهذه يعني إضعاف منظومة الحوكمة الغذائية في الأردن، وفتح الباب أمام قرارات جزئية قد تُحدث خللاً في سلاسل التوريد الزراعية. فالمسألة لا تتعلق فقط بمنتج صناعي، بل بمصدر بروتيني أساسي في سلة الغذاء الوطنية، له أثر مباشر على صحة المواطن وأمنه الغذائي والاقتصادي.

إن المطلوب اليوم ليس إغلاق الباب أمام استيراد حليب البودرة، بل إعادة توجيه البوصلة بيد المجلس الأعلى للأمن الغذائي ليقود حوارًا علميًا متوازنًا بين الأطراف كافة: المزارع، والمصنع، والمستهلك، والحكومة. الهدف هو بناء معادلة رابحة للجميع: حماية الإنتاج الوطني، وتطوير الصناعة المحلية، وضمان وصول الغذاء الآمن للمستهلك الأردني بسعر عادل.

لقد أثبت الأردن مرارًا أنه قادر على تحقيق التوازن بين مقتضيات السوق وحماية أمنه الغذائي، شرط أن تُتخذ القرارات الكبرى ضمن إطار مؤسسي جامع يستند إلى العلم والبيانات، لا إلى التجاذبات الآنية. فالأمن الغذائي ليس شعارًا، بل منظومة متكاملة من السياسات والحوكمة والوعي الوطني، والمجلس الأعلى للأمن الغذائي هو بوصلتها التي ينبغي ألا تغيب عن أي قرار يؤثر على غذاء الأردنيين، اليوم أو غدًا.

حتى لا يبقى الجدل في دائرة التجاذب، فإن التعامل مع ملف الحليب البودرة يحتاج إلى خطوات واضحة يقودها المجلس الأعلى للأمن الغذائي، أبرزها:

1. إعداد قاعدة بيانات وطنية تشمل الإنتاج المحلي من الحليب، والطاقة التصنيعية، وحجم الاستهلاك، لتكون مرجعًا لصنع القرار.

2. وضع سقف سنوي مرن لاستيراد حليب البودرة يرتبط بمستوى الإنتاج المحلي، على أن يُراجع كل ستة أشهر.

3. إطلاق نظام تتبع إلكتروني يربط المصانع بالمؤسسات الرقابية لتوثيق نسب استخدام الحليب البودرة في المنتجات النهائية.

4. تفعيل الدراسات الدورية للأثر الاقتصادي والاجتماعي لسياسات الاستيراد على المزارعين والمصانع والمستهلكين.

5. إشراك المجلس الأعلى للأمن الغذائي إلزاميًا في أي قرار أو تشريع يمسّ سلعًا أساسية في سلة الغذاء الوطني، وعلى رأسها الحليب.

بهذه الإجراءات يمكن للأردن أن يحافظ على استقلال قراره الغذائي، وأن يوازن بين مقتضيات السوق ومتطلبات الأمن الوطني، لتبقى سلة الغذاء الأردنية آمنة ومستدامة.

*الخبير الدولي في الأمن الغذائي

شريط الأخبار 6031 جمعية قائمة بموجب قانون الجمعيات النافذ - تفاصيل الأمير علي يترأس الوفد الأردني في قرعة كأس العالم 2026 في واشنطن الأردن الثالث عربيا في عدد تأشيرات الهجرة إلى أميركا لعام 2024 العثور على جثة داخل منزل في الأزرق.. والقبض على الجاني 164 ألف مركبة دخلت المنطقة الحرة خلال أول 10 أشهر من العام الحالي غرف الصناعة تهنىء بفوز "الصناعة والتجارة والتموين" بجائزة أفضل وزارة عربية مجددا.. خلل تقني يتسبب بتعطل مواقع عالمية على الإنترنت فريق المبيعات في دائرة تطوير الأعمال في المجموعة العربية الأردنية للتأمين يحقق التارجت السنوي كاملاً والشركة تحتفي بإنجازهم عشرات الآلاف يُؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى 3 وفيات وإصابة إثر تسرّب غاز في عمان الجيش: القبض على شخصين حاولا التسلل من الواجهة الشمالية عبيدات: تقليم أشجار الزيتون يلعب دورا كبيرا في تحسين الإنتاج شهيد باقتحام الاحتلال بلدة أودلا جنوبي نابلس الجيش يحبط تهريب مخدرات بواسطة "درون" على الواجهة الغربية الملك يشارك في قمة أردنية أوروبية بعمّان في كانون الثاني 2026 الاتحاد الأردني لشركات التأمين يختتم أعمال البرنامج التدريبي الأخير ضمن خطته التدريبية لعام 2025 "إدارة الأزمات" تحذر من مخاطر عدم الاستقرار الجوي خلال الـ48 ساعة القادمة "النقل البري": إلزام سائقي التطبيقات الذكية بالضمان الاجتماعي قيد الدراسة (43 %) من متقاعدي الضمان تقل رواتبهم عن 300 دينار استقالة عكروش من رئاسة الجامعة الأمريكية في مأدبا