من يملك حق تشكيل الجسد ليس ككيان بيولوجي بل كنص ثقافي؟ هذا أحد أكثر الأسئلة إلحاحًا في الفلسفة وعلم الاجتماع المعاصر. فمنذ أن صاغ ميشيل فوكو مفهومه الثوريّ عن "الجسد كسطح لكتابة السلطة" في كتابه "المراقبة والمعاقبة" (1977)، انفتح الباب أمام تحليلات تكشف كيف تتنازع أربعة فواعل رئيسية: الدولة، الدين، السوق، والفرد، على حقّ تشكيل هذا الكيان الإنساني الأساسي. هندسة الجسد الانضباطية تمارس الدولة سيطرتها عبر آلياتٍ متطورةٍ تبدأ من لحظة الميلاد حتى الممات.
ففي مستشفيات الولادة، تُسجَّل القياسات الحيوية للطفل في سجلاتٍ رسمية، وكأنّها تُعْلِن ملكيتها لجسدٍ جديدٍ دخل العالم. هذا النّموذج من "الهندسة الاجتماعية” يتجلّى بوضوحٍ في أنظمة الصحّة العامة، حيث تحوّلت التطعيمات الإجبارية خلال جائحة كوفيد-19 إلى اختبارٍ حقيقيٍّ لسلطة الدولة على الأجساد. ففي إيطاليا وحدها، خسر آلاف الموظفين وظائفهم لرفضهم التطعيم (منظمة الصحة العالمية، 2023). الأمر يتجاوز الصحة إلى تشكيل الهوية الجسدية ذاتها.
ففي سنغافورة، يربط قانون "اللياقة الوطنية” بين مؤشّر كتلة الجسم وحقّ المواطن في التوظيف الحكومي (لي، 2019). وفي اليابان، تُفرَض أزياءٌ مدرسيةٌ موحدةٌ تهدف إلى "تذويب الفروق الطبقية”، لكنها في الواقع تُنتِج جسدًا طيّعًا يتقبّل الانضباط منذ الصّغر (McVeigh,200).
والأكثر إثارة للقلق هو تحوّل الجيوش الحديثة إلى مختبراتٍ لتشكيل الأجساد، حيث يتحوّل المجند – كما يصفه فوكو – إلى "آلة يمكن تفكيكها وإعادة تركيبها” (1977، ص 138)، وهو ما تؤكّده إحصائيات الجيوش عن معدلات الإصابة الدائمة بين المجندين. الجسد بين المقدّس والمدنّس يمارس الدين سلطته عبر منظومة معقّدة من الرموز والطقوس تحوّل الجسد إلى حقلٍ للصراع بين القداسة والتدنيس. في اليهودية، يحظر سفر اللاويين (19:28) الوشم باعتباره "تشويهًا لخلق الله”، بينما في المسيحية والإسلام، يتحول الصيام إلى "تدريبٍ روحيٍّ” يُخْضِع الجسد لانضباطٍ دقيق. هذه الممارسات – برغم قداستها – تتحوّل أحيانًا إلى أدوات قمع، كما في حالة الختان الأنثوي الذي ما يزال يُمارَس في 30 دولة برغم تحريمه دوليًا (منظمة اليونيسيف، 2023). والصراع الأكثر تعقيدًا يتمثّل في قضية الحجاب في المجتمعات الغربية.
ففي فرنسا، تحول النقاش حوله إلى معركةٍ وجوديّة بين رؤيتين: الدولة التي ترى فيه "تحدّيًا للقيم العلمانية” كما يصفه سكوت (2007)، والمؤمنات اللواتي يعتبرنه "تعبيرًا عن الهوية”. دراسة ميدانية لمعهد مونتين (2022) كشفت أن 34% من المحجّبات تعرضن للتمييز في العمل، مما يثبت كيف تتحول الرموز الدينية إلى "سجونٍ جسديةٍ” في سياقاتٍ ثقافيةٍ معادية.
وتظهر المفارقة الكبرى عندما يلتقي الدّين بالسوق الرأسماليّ. فعباءة "بيوني” السعودية – التي تباع بألفي دولار – تقدّم نموذجًا صارخًا لـ”تسليع المقدّس”، حيث تتحوّل العباءة من رمزٍ دينيّ إلى علامةٍ طبقية. هذا التحوّل بلغ ذروته في 2016 عندما أطلقت "دولتشي آند غابانا” خطّ أزياءٍ للحجاب، محوّلة الإيمان إلى "تريند موضة” نخبوي. استعمار الجسد الرأسمالي في العصر الاستهلاكيّ، لم يعد الجسد ملكًا لصاحبه، بل تحوّل إلى "آخر حدود الغزو الرأسماليّ” كما يصفه بودريار (1998).
هذا الغزو يتخذ أشكالًا متعدّدة، بدءًا من صناعة التجميل التي حققت أرباحًا قياسية (78 مليار دولار للرجال وحدهم في 2023) عبر خلق "حاجاتٍ وهميةٍ” كما يُحلّل بورديو (1984).
ويكشف تيم إدواردز (2011) في كتابه "الرجال أمام المرآة” كيف تحوّل الجسد الذكوريّ إلى "مشروعٍ استثماريّ”. فالإعلانات تبيع للرجل وهم "الذكورة الجديدة”: عطورٌ فاخرةٌ، ملابس ضيّقة، وكمالياتٌ لا تنتهي. لكن هذا "التحرّر” المزعوم يخفي عبودية جديدة، حيث يصبح الرجل عبدًا لمعايير جمالية متغيّرة. ففي البرازيل – عاصمة تجميل الرجال – ارتفعت عمليات شفط الدهون بنسبة 70% خلال خمس سنوات، غالبًا بتأثير إعلانات "الجسد المثالي” (الجمعية البرازيلية للتجميل، 2023).
ويتجلى الوجه القبيح لهذه الهيمنة في صناعة تفتيح البشرة (8.3 مليار دولار سنويًا) التي تروّج للون البشرة كـ”رأس مالٍ رمزيٍّ” حسب تحليل غلين (2008). في الهند وحدها، 70% من إعلانات التجميل تروّج لمنتجات تفتيح البشرة، مما يعزّز التمييز العرقي تحت غطاء "الجمال”.
ففي مستشفيات الولادة، تُسجَّل القياسات الحيوية للطفل في سجلاتٍ رسمية، وكأنّها تُعْلِن ملكيتها لجسدٍ جديدٍ دخل العالم. هذا النّموذج من "الهندسة الاجتماعية” يتجلّى بوضوحٍ في أنظمة الصحّة العامة، حيث تحوّلت التطعيمات الإجبارية خلال جائحة كوفيد-19 إلى اختبارٍ حقيقيٍّ لسلطة الدولة على الأجساد. ففي إيطاليا وحدها، خسر آلاف الموظفين وظائفهم لرفضهم التطعيم (منظمة الصحة العالمية، 2023). الأمر يتجاوز الصحة إلى تشكيل الهوية الجسدية ذاتها.
ففي سنغافورة، يربط قانون "اللياقة الوطنية” بين مؤشّر كتلة الجسم وحقّ المواطن في التوظيف الحكومي (لي، 2019). وفي اليابان، تُفرَض أزياءٌ مدرسيةٌ موحدةٌ تهدف إلى "تذويب الفروق الطبقية”، لكنها في الواقع تُنتِج جسدًا طيّعًا يتقبّل الانضباط منذ الصّغر (McVeigh,200).
والأكثر إثارة للقلق هو تحوّل الجيوش الحديثة إلى مختبراتٍ لتشكيل الأجساد، حيث يتحوّل المجند – كما يصفه فوكو – إلى "آلة يمكن تفكيكها وإعادة تركيبها” (1977، ص 138)، وهو ما تؤكّده إحصائيات الجيوش عن معدلات الإصابة الدائمة بين المجندين. الجسد بين المقدّس والمدنّس يمارس الدين سلطته عبر منظومة معقّدة من الرموز والطقوس تحوّل الجسد إلى حقلٍ للصراع بين القداسة والتدنيس. في اليهودية، يحظر سفر اللاويين (19:28) الوشم باعتباره "تشويهًا لخلق الله”، بينما في المسيحية والإسلام، يتحول الصيام إلى "تدريبٍ روحيٍّ” يُخْضِع الجسد لانضباطٍ دقيق. هذه الممارسات – برغم قداستها – تتحوّل أحيانًا إلى أدوات قمع، كما في حالة الختان الأنثوي الذي ما يزال يُمارَس في 30 دولة برغم تحريمه دوليًا (منظمة اليونيسيف، 2023). والصراع الأكثر تعقيدًا يتمثّل في قضية الحجاب في المجتمعات الغربية.
ففي فرنسا، تحول النقاش حوله إلى معركةٍ وجوديّة بين رؤيتين: الدولة التي ترى فيه "تحدّيًا للقيم العلمانية” كما يصفه سكوت (2007)، والمؤمنات اللواتي يعتبرنه "تعبيرًا عن الهوية”. دراسة ميدانية لمعهد مونتين (2022) كشفت أن 34% من المحجّبات تعرضن للتمييز في العمل، مما يثبت كيف تتحول الرموز الدينية إلى "سجونٍ جسديةٍ” في سياقاتٍ ثقافيةٍ معادية.
وتظهر المفارقة الكبرى عندما يلتقي الدّين بالسوق الرأسماليّ. فعباءة "بيوني” السعودية – التي تباع بألفي دولار – تقدّم نموذجًا صارخًا لـ”تسليع المقدّس”، حيث تتحوّل العباءة من رمزٍ دينيّ إلى علامةٍ طبقية. هذا التحوّل بلغ ذروته في 2016 عندما أطلقت "دولتشي آند غابانا” خطّ أزياءٍ للحجاب، محوّلة الإيمان إلى "تريند موضة” نخبوي. استعمار الجسد الرأسمالي في العصر الاستهلاكيّ، لم يعد الجسد ملكًا لصاحبه، بل تحوّل إلى "آخر حدود الغزو الرأسماليّ” كما يصفه بودريار (1998).
هذا الغزو يتخذ أشكالًا متعدّدة، بدءًا من صناعة التجميل التي حققت أرباحًا قياسية (78 مليار دولار للرجال وحدهم في 2023) عبر خلق "حاجاتٍ وهميةٍ” كما يُحلّل بورديو (1984).
ويكشف تيم إدواردز (2011) في كتابه "الرجال أمام المرآة” كيف تحوّل الجسد الذكوريّ إلى "مشروعٍ استثماريّ”. فالإعلانات تبيع للرجل وهم "الذكورة الجديدة”: عطورٌ فاخرةٌ، ملابس ضيّقة، وكمالياتٌ لا تنتهي. لكن هذا "التحرّر” المزعوم يخفي عبودية جديدة، حيث يصبح الرجل عبدًا لمعايير جمالية متغيّرة. ففي البرازيل – عاصمة تجميل الرجال – ارتفعت عمليات شفط الدهون بنسبة 70% خلال خمس سنوات، غالبًا بتأثير إعلانات "الجسد المثالي” (الجمعية البرازيلية للتجميل، 2023).
ويتجلى الوجه القبيح لهذه الهيمنة في صناعة تفتيح البشرة (8.3 مليار دولار سنويًا) التي تروّج للون البشرة كـ”رأس مالٍ رمزيٍّ” حسب تحليل غلين (2008). في الهند وحدها، 70% من إعلانات التجميل تروّج لمنتجات تفتيح البشرة، مما يعزّز التمييز العرقي تحت غطاء "الجمال”.

