في مثل هذا اليوم
بقلم: د. آية عبد الله الأسمر
كنت في طريقي إلى العمل عندما ناولتني إحداهن ورقة صفراء شاحبة، بلون الألم النابت من عينيها، ودون أن تنبس ببنت شفة التهمها الغياب الموغل في الدهشة، ففتحت رسالتها المضفرة بجدائل الخوف المبللة بليل القهر:
في مثل هذا اليوم قبل 25 عاماً سحبوني إلى هذا العالم، نقلوني من ظلمة الرحم الحنون إلى غياهب عمر مظلم قاس مجنون، غسلوني من دماء كانت تغذّيني وألقوا بي في جرح العمر المتقيح وجعاً، والنازف أبدا.
في مثل هذا اليوم قبل 25 عاماً، اقتحموا وحدتي، واغتصبوا عزلتي، ودون أن يسألوني، اختاروا لي اسمي ونسبي، وديني وهويتي، وسريري وأقربائي وجيراني، لم يسألوني ولم يخيّروني.
جئت فوجدت العمر مرصوفاً لأسير، والقدر مكتوباً لأقرأ، وصحارى الحزن ممتدة لأتشرد!
في مثل هذا اليوم ومنذ 25 عاماً كنت طفلة رضيعة، وبين الأمس البعيد واليوم الحاضر والغد المجهول، أحلام تموت وليل يطول وربيع يذوي لتسقط أوراق خريف هذا العمر العاري إلاَّ من الحزن.
25 عاماً وعيني تدمع حزناً وهماً، وعقلي ينزف خوفً وقلقاً، وقلبي مطحوناً برحى الحب والصدق المنسيين في ذلك الرحم العتيق!
25 عاماً أحاول خلالها أن أتعلم القراءة والكتابة، والغناء والرقص, رسم الأحلام وركوب الأمل، بالرغم من كل محاولات اغتيالي، واقتلاع عيني وكسر قلمي وقطع لساني وبتر قدمي وتشويه لوحاتي وإغراق آمالي.
25 عاماً وأنا أحفر في صخر القدر الصلد الأصم عنادي ويقيني، وأجري لاهثة، والدمع الراكض والجرح النازف والقهر الموجع يطاردني...
25 عاماً وأنا مكوّمة على رفوف الحلم، معلقة على مشنقة الغد، مرمية في أزقة الخوف، منفية في جزر الوحدة...
25 عاماً أصارع تنين الأساطير وأبحث عن مصباح علاء الدين...
25 عاماً وقفتها بين أحلامي وأحزاني، بين يأسي ويقيني، صلبتها على طواحين عنادي، فهزمت هزيمتي وكسرت انكساري.
نعم، غاضبة أنا، لأنهم لم يسألوني...
فتحوا أبوابي دون أن يستأذنوني، ومن غرفتي عارية طردوني...
غاضبة أنا، غاضبة من عمر كلقيط ليس من صلبي، كخطيئة لم أرتكبها وعار بريئة أنا منه.
ولكنهم، مصرّون على ذنبي، مصرّون على رجمي...
غاضبة أنا، ولكن بالرغم من غضبي, أصبحت أكثر إصرارا أنا منهم على ولدي، وإن كان ليس من نسلي!!!
وبالرغم من كل أحجار الظلم المزروعة في جسدي...
وبالرغم من غضبي...
من كل سنابل القمح المحروقة في حقلي...
وكل الآهات النابتة في أرضي...
والخراب والأطلال المبعثر في الذكرى...
بالرغم من غضبي...
من عنف الحزن العاصف في قلبي...
من برد الخوف الميت في ليلي...
بالرغم من غضبي... ومن سخطي وثورتي وإعصاري وزوبعتي...
مصرّة أنا على إرضاع كل الأطفال من ثديي...
مصرّة أنا على تمزيق شرنقتي، على الإبحار في مثلث برمودا، على رسم حلمي بماء الورد في كبد الشمس، على الرقص فوق ألواح اليوم السابحة في أنهار العمر.
مصرّة أنا على عرش مملكتي، والشمس والقمر، وذرات الهواء وقطع السحاب، وأسراب الطير التابعة لمملكتي...
مصرّة... بالرغم من كل العمر الهازئ بي...
على عمري...
على وجودي...
على حلمي...
التوقيع
جراح امرأة
بقلم: د. آية عبد الله الأسمر
كنت في طريقي إلى العمل عندما ناولتني إحداهن ورقة صفراء شاحبة، بلون الألم النابت من عينيها، ودون أن تنبس ببنت شفة التهمها الغياب الموغل في الدهشة، ففتحت رسالتها المضفرة بجدائل الخوف المبللة بليل القهر:
في مثل هذا اليوم قبل 25 عاماً سحبوني إلى هذا العالم، نقلوني من ظلمة الرحم الحنون إلى غياهب عمر مظلم قاس مجنون، غسلوني من دماء كانت تغذّيني وألقوا بي في جرح العمر المتقيح وجعاً، والنازف أبدا.
في مثل هذا اليوم قبل 25 عاماً، اقتحموا وحدتي، واغتصبوا عزلتي، ودون أن يسألوني، اختاروا لي اسمي ونسبي، وديني وهويتي، وسريري وأقربائي وجيراني، لم يسألوني ولم يخيّروني.
جئت فوجدت العمر مرصوفاً لأسير، والقدر مكتوباً لأقرأ، وصحارى الحزن ممتدة لأتشرد!
في مثل هذا اليوم ومنذ 25 عاماً كنت طفلة رضيعة، وبين الأمس البعيد واليوم الحاضر والغد المجهول، أحلام تموت وليل يطول وربيع يذوي لتسقط أوراق خريف هذا العمر العاري إلاَّ من الحزن.
25 عاماً وعيني تدمع حزناً وهماً، وعقلي ينزف خوفً وقلقاً، وقلبي مطحوناً برحى الحب والصدق المنسيين في ذلك الرحم العتيق!
25 عاماً أحاول خلالها أن أتعلم القراءة والكتابة، والغناء والرقص, رسم الأحلام وركوب الأمل، بالرغم من كل محاولات اغتيالي، واقتلاع عيني وكسر قلمي وقطع لساني وبتر قدمي وتشويه لوحاتي وإغراق آمالي.
25 عاماً وأنا أحفر في صخر القدر الصلد الأصم عنادي ويقيني، وأجري لاهثة، والدمع الراكض والجرح النازف والقهر الموجع يطاردني...
25 عاماً وأنا مكوّمة على رفوف الحلم، معلقة على مشنقة الغد، مرمية في أزقة الخوف، منفية في جزر الوحدة...
25 عاماً أصارع تنين الأساطير وأبحث عن مصباح علاء الدين...
25 عاماً وقفتها بين أحلامي وأحزاني، بين يأسي ويقيني، صلبتها على طواحين عنادي، فهزمت هزيمتي وكسرت انكساري.
نعم، غاضبة أنا، لأنهم لم يسألوني...
فتحوا أبوابي دون أن يستأذنوني، ومن غرفتي عارية طردوني...
غاضبة أنا، غاضبة من عمر كلقيط ليس من صلبي، كخطيئة لم أرتكبها وعار بريئة أنا منه.
ولكنهم، مصرّون على ذنبي، مصرّون على رجمي...
غاضبة أنا، ولكن بالرغم من غضبي, أصبحت أكثر إصرارا أنا منهم على ولدي، وإن كان ليس من نسلي!!!
وبالرغم من كل أحجار الظلم المزروعة في جسدي...
وبالرغم من غضبي...
من كل سنابل القمح المحروقة في حقلي...
وكل الآهات النابتة في أرضي...
والخراب والأطلال المبعثر في الذكرى...
بالرغم من غضبي...
من عنف الحزن العاصف في قلبي...
من برد الخوف الميت في ليلي...
بالرغم من غضبي... ومن سخطي وثورتي وإعصاري وزوبعتي...
مصرّة أنا على إرضاع كل الأطفال من ثديي...
مصرّة أنا على تمزيق شرنقتي، على الإبحار في مثلث برمودا، على رسم حلمي بماء الورد في كبد الشمس، على الرقص فوق ألواح اليوم السابحة في أنهار العمر.
مصرّة أنا على عرش مملكتي، والشمس والقمر، وذرات الهواء وقطع السحاب، وأسراب الطير التابعة لمملكتي...
مصرّة... بالرغم من كل العمر الهازئ بي...
على عمري...
على وجودي...
على حلمي...
التوقيع
جراح امرأة