عندما تتغنّى الحكومة بالتحديث الاقتصادي، وتُبشّرنا بنمو قادم وازدهار على الأبواب، فإن المواطن – لا سيما ذاك الذي يعمل في قطاع الإنشاءات – لا يسعه إلا أن يتذكّر قصة القرض الحكومي الذي ينتظر توقيع وزارة المالية عليه، كي يتمكّن المقاول من صرف مستحقاته "المؤجلة”، أو بالأحرى "المعلقة على أمل”.
فهل يُعقل أن يُمنح قرض بمبلغ يزيد عن 620 ألف دينار أردني لشركة بناء، لتغطية مطالبات مترتبة على البلديات، ثم نكتشف أن توقيع وزارة المالية على نموذج تعهّد بالدفع هو الحلقة المفقودة التي تعرقل التنفيذ؟!
هذه ليست رواية خيالية، بل وثيقة رسمية موقعة من وزير المالية نفسه، يطلب فيها من بنك القاهرة توقيع النموذج لإتمام صرف القرض، ومع ذلك، يبقى التنفيذ رهينة "الورق”، ويُترك المقاول يُصارع الدائنين والمهندسين والعمال، بينما الحكومة تستعرض نسب التقدّم في برنامج التحديث الاقتصادي وكأنها تسابق الزمن!
والسؤال: كيف يكون هناك تحديث اقتصادي في بلد لا تُنفّذ فيه العقود في وقتها، ولا تُدفع فيه المستحقات في حينها، وتبقى مليارات المشاريع مشروطة بمزاج توقيع أو تأخير كتاب؟
إننا اليوم لا نحتاج إلى استراتيجيات جديدة، بل نحتاج إلى تنفيذ ما نُوقع عليه، وصدق ما نعلنه، والتزام بما نُقرّه. فبدون ذلك، فإن كل حديث عن النمو والإصلاح والتحديث هو مجرد "شيك مؤجل بلا رصيد”، لا يُصرف، ولا يُحترم، ولا يُغني من الحق شيئًا.
وإلى أولئك الذين يقولون "اصبروا… كل شيء محسوب”، نقول: نحن لا نحارب الأمل، نحن نحارب التناقض!
فالدولة التي تعلن التحديث، ثم تُعرقل تمويل مشاريعها بنفسها، تُثبت أن الخلل ليس في التمويل، بل في سوء الإدارة وتعطّل القرار.