لا يخفى على اي اردني انه سرديتنا الوطنية تتعرض لهجوم حاد غير مسبوق تصاعد منذ بداية احداث حرب غزة الأخيرة وتضاعف مع الأحداث الإيرانية - الاسرائيلية الأخيرة، حين خرجت أصوات ووسائل إعلام تتهم بلادنا بكونها " احد خطوط الدفاع عن اسرائيل او انها دولة وظيفية وجدت لحماية الكيان" وهذه الاتهامات المعاد تدويرها لنسف وتشويه تاريخ الأردن المشرف ونزع الشرعية الأخلاقية عن موقف الأردن من فلسطين.
وللأسف، وقعنا في فخ الدفاع، نرد على تلك الادعاءات وكأننا متّهمون، ومجبورون ان نبرر وجودنا ونشرح تاريخنا لمن لم يفهمه أو لا يريد أن يفهمه او حتى ان يستمع اليه . لكن آن الأوان للخروج من وضعية الدفاع إلى الهجوم (ليس بجملة "حلي"). وهنا يأتي فعل منتخبنا الوطني لكرة السلة تحت 19، حين رفض مواجهة منتخب الكيان الصهيوني في بطولة كأس العالم، وقُبل انسحابه باعتباره "خسارة إدارية" بنتيجة 20-0. لكن الحقيقة أعمق من تلك الأرقام... الحقيقة أن صقورنا فازوا، وبنتيجة مدوّية، لأنها ليست رياضية بل أخلاقية ووطنية وتاريخية، واثبتوا أن القيم لا تسقط بالتقادم، ولا تُباع بمباراة وهذا ما يأتي بصميم السردية الأردنية.فهذا الموقف الغير مسبوق يجعل من منتخبنا المنتخب الأول بالتاريخ الذي يرفض اللعب ضد الكيان برياضة جماعية. هذا الفعل لم يكن احتجاجاً عابرا ، بل موقفًا متجذرًا في تاريخنا وسرديتنا فنحن لم نغير جلدنا، ولم ولن يساير المزاج الدولي أو موجات التطبيع الرياضي والثقافي. وبرهنوا إن القيم لا تتغير مع الوقت، ولا تباع على مباراة، وهذا هو جوهر السردية الأردنية.
حين يرفض منتخبنا اللعب، فهو لا "يصطنع بطولة"، بل يفعل ما يُمليه عليه ضميره، وتاريخه، وكرامته الوطنية. من تفاجأ بالموقف لا يعرف الأردن ولا يعرف شعبه. نحن لا نُربَّى على الحياد، ولا نُدرَّب على الصمت. هذه الأرض تحفظ الذاكرة، وهذا الشعب لا يخون. السردية الأردنية تُكتب من جديد، لا عبر مؤتمرات ولادراسات نخبوية، بل عبر أفعال حقيقية تصدر من شباب يمثلوننا على أرض الواقع. لا ننتظر من أحد أن يراجع لنا هويتنا، ولا نطلب مصادقة على وطنيتنا من مثقفين مأزومين يرون الوطنية شوائب. الأردن دولة صلبة، مستقلة، صاحبة مشروع، ولا تُشبه إلا نفسها رغم الضغوطات الصعبة التي تتعرض لها. وها هم شبابنا اليوم يثبتون ذلك بالفعل لا لكثرة الكلام.
بالخاتمة علينا كاردنيين ان نفهم انهم قد أساءوا فهمنا، أو تعمّدوا ذلك. فنحن لسنا دولة وظيفية، ولا دولة عابرة لم تقدّم شيئًا لفلسطين. نحن الدولة التي قدّمت دماء أجدادها، وسواعد أبنائها، ووعي أحفادها، منذ النكبة وحتى اللائات الثلاث عن الحق الفلسطيني منذ النكبة وحتى هذه اللحظة. لم نكن يومًا على الهامش، بل كنا في قلب المعركة، نتحمل كلفة الموقف دون تردد. واليوم، قد وقف شبابنا من جديد وأثبتوها انه هذه هي سرديتنا و لا ننتظر من أحد أن يكتبها عنا، نحن نكتبها بأفعالنا، نعلنها بصوتنا، ونجسّدها في كل موقف شجاع يتجاوز الشعارات إلى الفعل.