أخبار البلد -
اخبار البلد
فجأة، وبغير مقدمات معقولة او اسباب حاسمة، رحلت بين عشية الاربعاء وضحى الخميس، حكومة عون الخصاونة ذات الولاية العامة، وحضرت حكومة فايز الطراونة ذات الولاء المطلق التي حملت "رقم 4" في عداد حكومات "الوجبات السريعة" المحشورة داخل جدران حيز زمني ضيق لا يتجاوز خمسة عشر شهراً فقط لا غير، ولا يؤشر الا على وجود ازمة حكم وحكومات، وتكرار في صناعة القرارات، وانتقاء الخيارات، وتشكيل الحكومات التي ما تزال تحل وترحل وفق آليات فوقية، ومن وراء ظهر الشعب، ودونما ادنى تغيير عما كان يجري قبل لعبة الحراكات الشعبية ومواسم الربيع العربي·
ورغم ان حكومة الخصاونة ظلت على مدى عمرها القصير تمثل "مشروع حكومة مستقيلة"، الا ان استقالتها بهذه الكيفية الدرامية غير المسبوقة، ولهذه الاسباب الادارية وليس السياسية "المعلنة"، وبهذه الحدة في لغة التخاطب ومفردات المد والرد، قد اثارت استغراب الرأي العام الوطني، واستهجان النخب والصالونات السياسية التي كانت تحسب ان الظروف المحلية والاقليمية الحرجة حالياً تحتم على الجميع - حكاماً ومحكومين - التحلي بالصبر، والاحتكام الى العقل، والبعد عن النزق والعصبية والانفعال، سواء في الفعل او رد الفعل·
وقائع استقالة حكومة الخصاونة باتت معروفة للكافة، واسبابها المعلنة اصبحت قيد التداول العام، اللهم الا اذا كانت هناك اسباب اخرى سرية·· ولكن ابعادها ودلالاتها هي التي بقيت محل تساؤل شعبي ونخبوي ممزوج بالاسى والقلق، نظراً لانها تشي بضعف حس المسؤولية الوطنية، وسلامة التقدير والتفكير في صناعة القرار وسط هذه المنعطفات الخطرة، فلا استقالة الخصاونة لاسباب فنية وادارية كانت مناسبة شكلاً وموضوعاً، ولا تكليف الطراونة بالتشكيل الجديد جاء ملبياً للطموح الشعبي، وباعثاً على التفاؤل والاطمئنان العام·
ليل الاربعاء ونهار الخميس الماضيين عاشت الدوائر الحاكمة حالة عصبية وانفعالية تتنافى تماماً مع ضرورات التحلي بالتعقل وحس المسؤولية الوطنية، ولعل التلاسن الحاد الذي تم نهار الخميس بين وزير العدل السابق ابراهيم الجازي، ومدير مكتب الملك الخاص عماد فاخوري، ابلغ دليل على حالة التوتر العصبي والاحتقان لدى محافل صنع القرار، وذلك حين تسلم فاخوري استقالة الخصاونة التي حملها الجازي الى القصر الملكي·
كان الخصاونة الموجود - آنذاك - في تركيا قد استشاط غضباً، حين سمع بامر تمديد الدورة العادية لمجلس النواب دون علمه، وبتوقيع اثنين من وزرائه على الارادة الملكية بهذا الخصوص دون استشارته، ولم يتردد بالتالي في تدبيج نص استقالة عاجلة وغير مألوفة في ادبيات التخاطب الرئاسي، وارسالها الى وزيره المقرب ابراهيم الجازي لكي يقوم بايصالها الى القصر الملكي·· وهو ما حدث بالفعل حين قام الجازي بتسليمها للفاخوري، ولكن الاخير استقبل الرسالة بالكثير من الحدة والانفعال، وانتقد اسلوب تقديمها ووصفه بعدم اللياقة، وهو ما دفع الجازي الى الرد عليه بحدة مضادة، ولكن "المجد" تمسك عن نشر التفاصيل·
فوجئ الملك الذي كان يلتقي سفراء دول الاتحاد الاوروبي على غداء عمل، باستقالة الخصاونة التي ادخلت اليه على عجل، وقد لاحظ السفراء تجهم الملك وانزعاجه وهو يقرأ الاستقالة، وحين رفع رأسه عن الرسالة ابلغ السفراء بامرها، ثم عاود الحديث في بعض الشؤون المتداولة خلال اللقاء، وما ان انصرف السفراء حتى سارع الملك، ليس فقط الى قبول الاستقالة على الفور وضمن لهجة انتقادية ساخنة، جراء امتعاضه من تعجل الخصاونة وعدم الانتظار حتى يعود من تركيا، بل ايضاً الى تكليف الطراونة بتشكيل حكومة جديدة·· وكل ذلك تم خلال اربع ساعات فقط·
كان الطراونة وقتذاك يحضر مع آخرين مأدبة غداء اقامها في قرية قم بالوسطية العين محمد العزام تكريماً لرئيس مجلس الاعيان طاهر المصري، حين وصلت للحضور اخبار استقالة حكومة الخصاونة اتجهت انظارهم الى المصري والطراونة، وساد الاعتقاد بان احد هذين الرجلين قد يكون هو الرئيس المكلف، غير ان المصري قال للحضور ان حدسه السياسي ؟؟ يرشح الطراونة لهذه المهمة·· وهكذا كان، فقد غادر الطراونة المكان الى لقاء عماد الفاخوري في القصر، بناء على موعد مسبق لا علاقة له بالتكليف، ولكن "عبقرية الصدفة" لعبت دورها في هذا الشأن، حيث التقى الطراونة بالملك الذي كلفه بتشكيل الحكومة، وامضى معه وقتاً مطولاً لشرح المهمات المناطة بالحكومة الجديدة، موضحاً له ان حكومته ستكون مؤقتة، وان فترة ولايته لن تتجاوز الشهور الاربعة·· وكالعادة، صدع الطراونة للامر الملكي، واكد انه جندي في خندق العرش والوطن·
وهكذا يعود الطراونة الى دار الرئاسة بعد غياب 31 عاماً، تسبقه تساؤلات الكثيرين ومخاوفهم، نظراً لانتماء الطراونة الى مدرسة المحافظين والحرس القديم، وسياسات التشدد حيال الحركة الاسلامية التي كان الخصاونة حليفاً لها، ناهيك عن ان الطراونة لا يخفي ميله نحو قانون الصوت الواحد في الانتخابات النيابية، وتصغير الدائرة الانتخابية، وقد سبق له ان تحدث عن ثلاثة استطلاعات للرأي اجرتها مؤسسات اردنية مختلفة، وكشفت من خلالها ان 06% من المستطلعين يحبذون قانون الصوت الواحد، ويفضلونه عما عداه من القوانين الانتخابية، ورغم اعلانه عدم سحب مشروع قانون الانتخابات الحالي من مجلس النواب، الا ان الكثير من اعضاء المجلس الحالي يشاطرونه التأييد لقانون الصوت الواحد، ويعتبرونه مناسباً لهم تماماً·
الاهم من ذلك ان حكومة الطراونة ستجد نفسها امام تحدي السير على حد السيف في العلاقة مع سوريا وكل من قطر والسعودية، ثم معضلة الرفع التدريجي لاسعار الكهرباء والمحروقات وبعض السلع الاخرى، حيث كان مقرراً رفع اسعارها منذ بداية الشهر المقبل (غداً)، وهو ما يمكن ان يؤدي الى تفاقم الحراكات الشعبية التي بدأت بوادرها واضحة ضد حكومة الطراونة يوم الجمعة الماضي، كما قد يؤدي الى استخدام الحزم وتشديد القبضة الامنية بدعوى الحيلولة دون التسيب والانفلات·
ربما كسب عون الخصاونة قسطاً من التعاطف الشعبي، لقاء استقالته الجريئة وغير المألوفة، وكسب فايز الطراونة عودة الى مقر رئاسة الحكومة كان يحلم بها منذ زمن قديم، ولكن الدولة الاردنية كانت الخاسر الاول الذي ما زال يستنزف ذاته، ويضرب على غير هدى·
وفي الاخير، يبقى السؤال المركزي معلقاً في الفراغ·· هل ستجري الانتخابات النيابية، موضوع الازمة مع حكومة الخصاونة، هذا العام ؟؟ ام ان حسابات الحقل سوف تختلف عن حسابات البيدر، جراء سباق الزمن ونفاذ ساعة الوقت الرملية، ورغم توفر الهمة وحسن النوايا لدى الحكومة العتيدة ؟؟