في ظل حالة عدم التعاون السائدة في السياسات العالمية اليوم، يبرز سؤال مهم: ما هي الدول التي تستطيع فعليًا إطعام سكانها دون الاعتماد على التجارة الدولية إذا توقفت تمامًا؟
الإجابة، بحسب دراسة جديدة، هي: دولة واحدة فقط.
حلّل باحثون من جامعة غوتينغن الألمانية وجامعة إدنبرة بيانات إنتاج الغذاء في 186 دولة، وكشفت النتائج أن غيانا هي الدولة الوحيدة في العالم القادرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي الكامل في المجموعات السبع الغذائية الأساسية التي ركّزت عليها الدراسة.
الصين وفيتنام حلّتا في المرتبة الثانية، إذ تنتجان ما يكفي لسد احتياجات شعوبهما في ست مجموعات غذائية من أصل سبع.
لكن بشكل عام، دولة واحدة فقط من كل سبع دول تصل إلى الاكتفاء الذاتي في خمس مجموعات غذائية أو أكثر، في حين أن أكثر من ثلث الدول تعتمد على نفسها في مجموعتين أو أقل.
أما الدول الأسوأ حالًا – وهي أفغانستان، الإمارات، العراق، ماكاو، قطر، واليمن – فلم تتمكن من تحقيق الاكتفاء الذاتي في أي مجموعة غذائية.
المجموعات السبع الغذائية الأساسية التي تُستخدم غالبًا في الدراسات الغذائية لتقييم الاكتفاء الذاتي والتوازن الغذائي تشمل:
-الحبوب: (القمح، الأرز، الذرة، الشعير، إلخ) مصدر رئيسي للطاقة والكربوهيدرات.
-الخضروات: غنية بالفيتامينات، المعادن، والألياف الغذائية.
-الفواكه: مصدر مهم للفيتامينات (مثل فيتامين C) ومضادات الأكسدة.
-البقوليات والمكسرات (مثل العدس، الفول، الحمص، اللوز، الجوز): غنية بالبروتين النباتي، الحديد، والألياف.
-اللحوم والمنتجات الحيوانية (بما في ذلك الدواجن والبيض): مصدر رئيسي للبروتين الحيواني، الحديد، وفيتامين B12.
-منتجات الألبان (مثل الحليب، الجبن، اللبن): تحتوي على الكالسيوم، البروتين، وفيتامين D.
-الزيوت والدهون الصحية (مثل زيت الزيتون، زيت بذور الكتان، زيوت نباتية أخرى): ضرورية للطاقة وامتصاص الفيتامينات الذائبة في الدهون (A, D, E, K).
هذه المجموعات تُستخدم لضمان نظام غذائي متوازن من حيث الطاقة، البروتين، الدهون، والفيتامينات والمعادن الأساسية.
حتى عند النظر إلى الاتحادات الاقتصادية الإقليمية، نجد نتائج مشابهة.
فمثلًا، يحقق مجلس التعاون الخليجي في الشرق الأوسط الاكتفاء الذاتي فقط في اللحوم، بينما تصل اتحادات غرب إفريقيا ومنطقة الكاريبي إلى الاكتفاء في مجموعتين فقط.
ولا يوجد أي اتحاد اقتصادي ينتج كمية كافية من الخضروات لإطعام سكانه.
ولتغطية هذا العجز وتلبية الاحتياجات الغذائية لشعوبها، تعتمد معظم الدول على التجارة الدولية. ومع ذلك، لا تزال كثير من الدول تعتمد على شريك تجاري واحد لتأمين أكثر من نصف وارداتها، مما يجعلها عرضة بشكل خاص للاضطرابات في السوق.
ويؤكد الفريق البحثي أن الحفاظ على شبكات تجارة غذائية متنوعة بين الدول والمناطق أمر ضروري لأمن الغذاء في المستقبل، مشيرين إلى أن الحروب التجارية والتعريفات الانتقامية لا تُفيد في هذا السياق.
ويقول يوناس شتيل، خبير الاقتصاد التنموي في جامعة غوتينغن:
"التجارة الغذائية الدولية والتعاون أمران أساسيان لتحقيق أنظمة غذائية صحية ومستدامة. لكن الاعتماد الكبير على الاستيراد من دول بعينها يجعل الدول عُرضة للمخاطر."
ويضيف:
"بناء سلاسل إمداد غذائية مرنة أمر حاسم لضمان الصحة العامة."