أخبار البلد -
اخبار البلد_ لا
يريد كثيرون في عمان تسليط أي ضوء من أي نوع على الحقيقة التي تقول بأن
سبب الأزمة الأخيرة التي فجرتها إستقالة رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة
بطريقة مدوية وغريبة هو حصريا وضع القيادة السياسية أمام سقف زمني ضيق
للغاية يتطلب إتخاذ قرارات سريعة أثناء غياب رئيس الوزراء تختص بعمر الدورة
البرلمانية العادية وهي النقطة التي ثار حولها الخلاف أصلا.
والفكرة
هنا بإختصار أن الوضع الدستوري للدورة العادية للبرلمان كان يفترض أن
يتحدد عمليا صباح الخميس الماضي مما دفع مؤسسة القصر الملكي لإستدعاء رئيس
الوزراء بالوكالة عيد الدحيات ووزير الداخلية محمد الرعود في لحظة متأخرة
جدا لتحصيل توقيعها على وثيقة ملكية تأمر بتمديد عمر الدورة العادية
للبرلمان, الأمر الذي دفع الخصاونة لتقديم إستقالة سريعة وهو في تركيا على
هامش زيارة رسمية كما يؤكد للقدس العربي أحد وزرائه وعلى هامش زيارة شخصية
وفقا لسميح المعايطة الخصم الأبرز لحكومة الخصاونة في الصحافة اليومية
الأردنية.
ما حصل يعرفه
الجميع بالسياق لكن السؤال الذي لم تتحصل إجابة مباشرة عليه هو التالي:
لماذا وصلت جميع الأطراف في أجهزة الدولة إلى نقطة سمحت فيها بنفاذ الوقت
الدستوري تماما وترك مسألة دستورية بهذه الأهمية (دورة البرلمان) للحظات
الأخيرة ؟.
.. الواضح حسب
المعطيات أن في الدولة الأردنية ومؤسساتها على الأقل 20 موظفا بيروقراطيا
رفيعا وظيفتهم الأساسية تجنيب القيادة العليا ضغط الوقت ومراقبة الأجندة
الزمنية بحيث تصدر الإرادات الملكية في وقتها الدستوري المناسب ومهمتها
الأساسية عدم ترك القيادة امام خيار إستراتيجي واحد فتلك مسألة ترقى إلى
مستوى الخيانة كما قال يوما الرئيس المخضرم والمحنك زيد الرفاعي.
وما
تقوله التفاصيل أن كل المؤسسات المعنية في البرلمان والحكومة وحتى في
الجهاز الإستشاري مع القصر الملكي لم تقم بواجبها الأساسي أو لم تتنبه
وتركت عمر الدورة العادية للبرلمان ينقضى, الأمر الذي دفع القيادة المرجعية
للخيار الإضطراري الذي نتج عنه (صدام) طبيعي ودستوري بين مؤسسة الحكومة
وخيارات التوقيت الضاغطة وهذا برأي المحللين السياسيين خطأ فني وتقني
وبيروقراطي قاتل ينبغي أن لا يحصل في دولة عريقة كالأردن.
وهو
خطأ بكل الأحوال لا تتحمل مسئوليته مؤسسة القصر الملكي لإنه يدخل في (ألف
باء) واجبات شخصيات متعددة تجلس في الصف الأول لإن مهمتها اليتيمة التفكير
بمثل هذه المسائل فلو تركت للقيادة وللحكومة فسحة لائقة من الوقت وتنبه
الفرقاء مبكرا لإن الوقت يكاد ينفذ على دورة البرلمان لما عايشت البلاد
اليوم حالة التلاوم الشنيعة بدلا من التركيز على التحديات الإقتصادية وهي
الأهم حيث يقول الكاتب والمحلل محمد أبو رمان بان وزيرا المالية والتخطيط
عادا مؤخرا من إجتماعات البنك الدولي بحصيلة مقلقة جدا من المتطلبات
الإقتصادية والمالية الحادة.
ولو
قام أي من الأشخاص الذين يفترض أن يتنبهوا في وقت مناسب لقصة توقيت دورة
البرلمان لكان بالإمكان التفاهم وفقا للتقاليد الأردنية المعتادة بين جميع
المؤسسات على تنفيذ الرغبة الملكية في توقيت معقول بدلا من الإضطرار لجلب
وزيرين من الحجم العملاق في ساعة متأخرة من الليل ثم إغضاب رئيسهما المسافر
ودفعه لللإستقالة قبل دخول الجميع بالإستعراض الحالي وقوامه صحافة متحشدة
تنهش بلحم الخصاونة بعد ساعات من إستقالته وخيارات إضافية من ضغط التوقيت
وأجندة ضائعة يشكك البعض في أنها يمكن أن تنتهي بإنتخابات فعلية قبل نهاية
العام الحالي وهو السبب الذي يتردد أنه أدى لإقصاء وزارة القاضي الدولي
الخصاونة.
والإستعراض لم
ينتهي عند هذه الحدود فالمئات من المباركين والمستوزرين يتحشدون منذ ثلاثة
أيام في صالونات منزل رئيس الوزراء الجديد فايز الطراونة والمئات من
المواطنين والأقرباء والمتعاطفين والباحثين عن المناكفة يطرقون في الوقت
نفسه أبواب منزل رئيس الوزراء المستقيل لإسماعه خطابات إنشائية تضامنية
سيكون هدفها النهائي إسماع الأجهزة وإيصال رسائل إبتزاز أو مناكفة.
وعمليا
لا يستبعد النشط السياسي خالد عرار بأن العشرات من الذين يحتسون القهوة في
منزل الطراونة يتوجهون فورا بعد توديع مضيفهم إلى منزل الخصاونة لإظهار
التعاطف والتضامن وإيصال الرسائل فرئاسة الوزراء في الأردن لا زالت (مهمة
محددة) تنطوي على تشريف إجتماعي وليس تكليف بخدمة الناس كما لاحظ الكاتب
الصحفي ياسر أبو هلاله وهو يتفق مع عرار بمضمون الرأي.
وفي
غضون ذلك وجه رئيس الوزراء الجديد فايز الطراونه أمس رسالته الأولى لجماعة
الأخوان المسلمين عندما قال على هامش مشاوراته البرلمانية بأن حكومته
ستحاور المواطنين في الأغوار والشوبك والشمال والجنوب مشيرا لإن القوى
السياسية والحزبية على رأسه لكن الحوارات الوطنية ستشمل المواطنين مباشرة.
وتعتبر
تلك أول الإشارات إلى أن وزارة الخصاونة ستتجاهل القوى الحزبية وتحديدا
التيار الأخواني خصوصا وان الحوارات المعنية بقانون الإنتخابات ستتجاهلهم
في رسالة سلبية وسريعة للأخوان المسلمين الذين يعتقد بأن الموقف من التفاهم
معهم هو الأساس في التغيير الوزاري الأخير الذي شهدته البلاد.
ويقول
الطراونه ضمنيا في موقفه المشار إليه للأخوان المسلمين قبل غيرهم (لن
أحاوركم) ويملح لإن مرحلة السعي للتفاهم معهم إنتهت بطي صفحة الحكومة
السابقة برئاسة الخصاونة ويرى مراقبون بان هذا التكتيك هو الذي ستعتمده
سياسيا وزارة الطراونة.