خاص
الرجل الذي اعتاد مقارعة الصعاب، جاوز الثمانين حولاً ولم يسأم، فما زال مناراً وعنوانا للعطاء والبذل، لا يجد مكانا يستريح فيه إلا في الميدان، حيث يبني، ويقدم.. ويوسع البناء.
انتمى للارض التي تنبض عروقه باسمها ويحفظها عن ظهر قلب، كما يحفظ التاريخ وحوادث الأيام، فما أن تتلفظ باسم أو مكان أو حادثة أمامه، إلا ويغنيك عما في الكتب من كلام، بصوت واثق ..محلق، غني الرؤى والتطلع .. كل ما فيه سنام.
أنه ذلك الجرشي والوطني حتى النخاع، عيسى العابد الريموني، السياسي ورجل الأعمال والمفكر الذي لا يجارى وسنديانة الوطن التي ما تزال تنشر الظلال الوارفة وجميل الأثر.
رأى الريموني النور عام 1939، وترعرع بين احراش بلدته ريمون ذات الينابيع العذبة، التي قيل في رواية ان اسمها حرف من دير الليمون، لكثرة اشجار الليمون بها إلى ريمون، فيما تذهب رواية آخرى أنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى راهب يدعى ريمون كان يسكن المنطقة وجبالها.
ولطالما استوقفته في طفولته أعمدة وأثار جرش، وتعلم منها سر البقاء والعنفوان الذي لا يجارى، على مدى الأيام.
الفتى الذي لطالما جاب أحراش جرش، واستحوذت على لبه سماواتها العالية، ونجومها المشرقة، لطالما تملى بها، سائلا اياها عن سر تميزها ولمعانها الأبدي.. ومنها استمد حكمته وتفانيه في الانخراط في مجتمعه ووطنه وعروبته.
في الصف الخامس ابتدائي وعى على عالمنا المتغير، وحضراجتماعات لجماعة الاخوان المسلمين فترة، ثم انقلب عليهم، لكونه أدرك ان ما في جعبهم لا يشمل الجميع، ويبقى أنانيا، يستثنى فئات من المجتمع، ومنهم اصدقاؤه المسيحيين.
محطة الفتى الضاج بالرؤى والأفكار التالية كانت انه اقترب من حزب البعث العربي الاشتراكي بشعاره " أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة" ، وبقي دائماً قريبا من اصحاب الفكر القومي والمناضلين الأحرار.
وكبر الفتى على رؤى الانفتاح على الناس وقضايا أمته، وقد عبقت نفسه بالخير لكل الناس.
بعد انهائه دراسته الثانوية درس القانون، وحاز البكالوريوس فيه، لكنه لم ينخرط بالمهنة وانما اختط لنفسه طريقا اخر في عالم الاعمال، فقد كانت نفسه تتوق الى الحرية والانطلاق والمغامر، فصاحب القلب الشجاع، ما كان يركن إلى الدعة والمراوحة في المكان.
سافر الى دول الخليج، في أول طائرة وجدها، دون أن يملك أدنى فكرة عما ينتظره هناك، لكنه وهو المغامر بطبعه، إنهمك بالعمل في نشاطات تجارية مختلفة هناك منذ عام 1961وحتى1979، وعد رجل اعمال ومستمراً متميزاً منذ العام 1966.
في العام 1979 أسس مجموعة من الشركات الصناعية في اوروبا وشرق آسيا والشرق الاوسط وخاز نجاحا كبيراً، وتبؤا منصب رئيس وعضو مجلس ادارة في العديد من الشركات.
وعلى الرغم من نجاحاته المتميزة، إلا أن وطنه لم يغب عن باله لحظة، فعاد اليه.. تسبقه فرحة العاشق المتميز.
بما عرف عن أبو الرائد من خلق كريم وطهر ونظافة يد، أطلق استثماراته في الاردن واعماله الناجحة المنتشرة في كل القطاعات وفي كل الاماكن مقيماً امبراطورية مترامية الاطراف اطارها العام الصدق والوفاء والشرف والعمل ومنها مدارس وجامعات وصحف ومجلات ومراكز وشركات.
ولمكانته البارزة في عالم الأعمال وصيته الذي طبق الافاق، صار عضوا في المجلس الوطني الاستشاري 1982-1983..
مع بزوغ شمس الديمقراطية عام 1989 ترشح في انتخابات مجلس النواب الحادي عشر وجاء عضوا في المجلس الاقوى في تاريخ الاردن الحديث.
ولاهتمامه في التعليم باعتباره القاعدة التي تنهض عليها الامم، جاء عضواً في لجنة المستثمرين في جامعة اليرموك 1989-1990.
وجاء الريموني عضواً في مجلس الاعيان التاسع عشر2001-2003، ومجلس الاعيان العشرون2003_2005، ومجلس الاعيان الثالث والعشرين2009_2010 .
ولم تكن مسيرته تخلو من الصعاب والمناكفين، لكن الرجل الذي وعى إرث الجبال وذراها، من الصعب ان يتطلع إلى المهرولين إلى السفوح.
ما زال العم أبو الرائد اليوم، بقلبه الشجاع النابض بالحياة، منهمكاً العمل والناس، يقدم ويعطي ويخدم ، لا يريد جزاءً ولا شكورا، وسعادته الحقيقية هي أن يرسم البسمة على الشفاه، ويغرس للأجيال ما ينتفعون به.