أخبار البلد -
اخبار البلد_ باتر وردم _ منذ أكثر من سنة، أصبحت
الدراسات ووثائق السياسات حول الأردن والصادرة عن المراكز البحثية في
الولايات المتحدة وأوروبا أكثر متعة وتشويقا عن سابقتها. قبل الربيع العربي
لم يكن الأردن يثير انتباه الباحثين الدوليين إلا من خلال ثلاثة مداخل وهي
العلاقة الأردنية-الفلسطينية من زاوية ما يسمى الحقوق المنقوصة، ودور
الإسلاميين في المعارضة السياسية وقضية جرائم الشرف. الآن أصبحت الدراسات
والتقارير أكثر اكتمالا وتتضمن الأبعاد السياسية والاقتصادية والتنموية
والاجتماعية وحتى البيئية والحضارية، في محاولة لدراسة حالة الأردن في مناخ
الربيع العربي. بدأت الدراسات بتفاؤل حذر يضع الأردن ضمن الدول القادرة
على انتهاز "فرصة الربيع العربي” في ترسيخ الإصلاح الداخلي، ثم أصبحت
متشككة في طبيعة المسار الإصلاحي وتشير إلى حدوث تغيرات جوهرية في خطاب
ومواقف المعارضة وطريقة تكوينها. آخر تلك المراحل تبدي قلقا حقيقيا من أن
يخسر الأردن فرصة الإصلاح ويتجه إلى حالة من الفوضى، بل أن بعض تلك
الدراسات تطالب بضغط دولي على الأردن لتسريع الإصلاح.
آخر تلك
الدراسات المهمة ما صدر عن مجلس العلاقات الخارجية الأوروبي وهي مؤسسة
تابعة للاتحاد الأوروبي وتقدم النصائح الاستراتيجية للسياسة الخارجية
للاتحاد الأولى وفي تقريرها عن الأردن الصادر قبل ايام أوصت الدراسة
"الاتحاد الاوروبي "بممارسة الضغط على الأردن عن طريق ربط الدعم الاقتصادي
بتحقيق المزيد من الإصلاحات من خلال ديمقراطية برلمانية حقيقية وليس
الإجراءات المترددة Half-hearted الحالية”.
تطالب الورقة الاتحاد
الأوروبي بتركيز الضغط على نقطتين هما تعزيز حريات التعبير عن طريق تطورات
متقدمة في البنود القانونية التي تضيق من حرية التعبير، وكذلك تخفيف القيود
على عمل المجتمع المدني. وتقول الورقة بأن مصلحة الاتحاد الأوروبي استمرار
الاستقرار في الأردن وأن يكون الأردن نموذجا ايجابيا في الإصلاح في
المنطقة ولكن ذلك لن يتم من خلال تقديم الدعم غير المشروط كما هو الحال
الآن. وتقترح الورقة أيضا أن يبدأ الاتحاد الأوروبي بالحوار مع كافة مكونات
الطيف السياسي الأردني وخاصة الأخوان المسلمين وتيارات المعارضة بشكل
استباقي بدلا من انتظار هذه القوى لتشكل الحكومات القادمة.
قبل أن
نرفع القناوي في مواجهة هذا "التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية وطرح
أجندات مشبوهة...الخ” ينبغي أن نعرف بأن العالم تغير، وأن القوى الرئيسية
مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعلمت درسا قاسيا من سنوات من
إنكار الوقائع في المنطقة حتى جاءت الثورات العربية لتشكل مفاجأة كبيرة
لها، والآن تبدو تلك القوى في سياق عملية "استكشاف” لواقع الحال في المنطقة
وكيفية "مساعدة” قيادات تلك الدول على الاستمرار في حالة الاستقرار الذي
يفيد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والدول نفسها بدون المرور في
مرحلة الثورات والتغير المفاجئ والذي يجلب معه الكثير من الإشكايات
والملفات المفتوحة. معرفة التغير في العلاقات الدولية جهد مشروع من كافة
الدول والمطلوب أن يكون في الأردن أيضا خلية تفكير قادرة على متابعة التغير
في الدول والتكتلات الرئيسية المؤثرة علينا وكيفية التعامل معها.
ندرك
تماما بأن كلا من قوى المعارضة وقوى الحفاظ على الوضع الراهن في الأردن
سوف "تستنكر” التدخل الخارجي ولكن هذا عامل أساسي يجب أخذه بعين الاعتبار،
وهو أيضا مؤشر في غاية الأهمية على التحول التدريجي في التفكير الغربي من
تقديم دعم بلا شروط إلى طرح توصيات قد يبدو بعضا منها على الأقل مفيدا في
تفكيك النظرة التقليدية المعادية للإصلاح والمتخوفة منه. توصيات التقرير
ليست موجبة للاتحاد الأوروبي وتمثل رأي المجلس وليس الدول نفسها ولكنها
مرآة واضحة لمعرفة طبيعة التغيير في التفكير الدولي.