في إحدى ورشات التدريب، تحدثت سيدة بقلق عميق عن ابنها اليافع الذي يبدو أنه قد أدمن استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مما أثّر على حياته الاجتماعية والدراسية، ونحن كأمهات وآباء، نخشى جميعا أن تقف التكنولوجيا بين أطفالنا وبين عالمهم الحقيقي، وأن تتحول إلى حاجز يمنعهم من الاستمتاع بعلاقاتهم ودراستهم وحتى أحلامهم.
لاحظنا كيف أصبح الأطفال يندمجون وينساقون بشكل مفرط مع تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي توفر تجارب تفاعلية ومحتوى شخصيا مغريا، إن هذا التفاعل المستمر مع هذه التطبيقات قد يبدو في البداية مسليا أو تعليميا، لكنه مع الوقت قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية وتراجع في المهارات الاجتماعية للأطفال، ونحن كأهل نسعى لأن ينشأ أطفالنا في بيئة تدعم بناء علاقات حقيقية وتطوير شخصيات متوازنة، ولكن الإفراط في استخدام هذه التطبيقات يهدد هذه التوجهات.
من الجانب الدراسي، تؤثر تطبيقات الذكاء الاصطناعي (ورغم أهمية التطببيقات المخصصة للتعليم) بشكل مباشر على قدرة الأطفال على التركيز في دراستهم، فعندما يقضون ساعات طويلة يستخدمون هذه التطبيقات، يصبح من الصعب عليهم تنظيم وقتهم أو الالتزام بجداول دراستهم، وأن الإدمان قد يؤدي أيضا إلى اضطرابات في النوم، مما ينعكس سلبا على صحتهم العامة وأدائهم الأكاديمي، وقد يشعر الأطفال بالإحباط من تأخرهم الدراسي، مما يؤثر على ثقتهم بأنفسهم ويضعف حماسهم لتحقيق أهدافهم.
أما من الناحية النفسية، فإن الاعتماد الكبير على تطبيقات الذكاء الاصطناعي قد يعرض الأطفال لمشكلات مثل التوتر والقلق، وعندما تصبح هذه التطبيقات مصدر المعلومات الأساسي للأطفال، فإنهم قد يواجهون خطر التعرض لمعلومات غير دقيقة أو مضللة، وهذه المشكلة تؤثر على قدرتهم على اتخاذ قرارات صحيحة وتطوير فهم واقعي للعالم من حولهم، فبالإضافة إلى ذلك، الاعتماد على حلول جاهزة تقدمها التطبيقات قد يضعف مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات لدى الأطفال.
كمسؤولين عن توجيه أطفالنا، علينا أن نكون مدركين لهذه المخاطر وأن نعمل على إيجاد توازن صحي، يمكننا مثلا البدء بتحديد أوقات محددة لاستخدام التطبيقات والتأكد من أنها تحتوي على محتوى تعليمي يعزز نموهم بدلا من أن يكون مجرد ترفيه استهلاكي، وعلينا أيضا أن نوجه أطفالنا نحو الأنشطة البديلة مثل الرسم أو الرياضة أو المشاركة في أنشطة اجتماعية تعزز مهاراتهم الحياتية وتفتح أمامهم مدارك متنوعة.
العلاقة المبنية على الحوار والحوار الصريح مع الأطفال هي إحدى أهم الأساليب التي يمكن أن تساعدنا في هذا المسعى، من خلال الاستماع إلى مخاوفهم واهتماماتهم، يمكننا تقديم الدعم اللازم وتوجيههم نحو الاستخدام الأمثل لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، والمدارس أيضا تلعب دورا محوريا في هذا الإطار؛ من خلال تنظيم ورش تعليمية حول الاستخدام الصحي للتكنولوجيا، يمكنها أن تساهم في بناء وعي أكبر لدى الطلاب وأولياء الأمور على حد سواء.
في النهاية، نحن لا نهدف إلى منع أطفالنا من استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، بل نسعى إلى توجيههم نحو استخدامها بشكل متوازن ومسؤول، بإجراءات بسيطة وتواصل فعال، يمكننا أن نساعدهم على استغلال إمكانيات التكنولوجيا لتحقيق أحلامهم دون أن تتحول إلى عائق أمام نموهم وتطورهم، فمستقبل أطفالنا يعتمد على اختياراتنا اليوم، ولنكن لهم العائلة والصديق والناصح الأمين.